خرجت الحاجة أم ياسر من الجانب الأيمن في مدينة الموصل التي تشهد عمليات عسكريّة لا ترحم، ونجت بأعجوبة. في رحلة نزوحها هذه وهربها من الموت والدمار فقدت أسرتها، واحدة من بين مئات الأسر التي تعاني هناك.
على قارعة الطريق الذي يسلكه العراقيون النازحون الهاربون من جحيم المعارك الدائرة، تجلس أم ياسر البالغة من العمر 65 عاماً. وتراقب بتمعّن كلّ هؤلاء المارين أمامها، في طريقهم صوب النجاة، لعلّها تعثر على أفراد أسرتها أو أحدهم. هي فقدتهم هناك في الجانب الأيمن من الموصل، ولا تعرف إن كانوا أحياء أم لا.
تقول أم ياسر وهي تراقب الأسر المارة أمامها والمتوجّهة نحو المجهول: "لا أدري إن كان أبنائي وبناتي وأطفالهم على قيد الحياة. منطقتنا تعرّضت إلى قصف عنيف، هدمت من جرّائه عشرات المنازل، فخرج الناس منها فزعين". تضيف لـ "العربي الجديد" أنّ "الأسر، كلّها، تشتّتت خلال رحلة الهروب المرعبة. بعض الهاربين ضيّعوا أطفالهم وبعضهم ضيّعوا أسرهم بأكملها. أنا ضيّعت أسرتي ولا أعرف مصيرها. أشعر أنّني في عالم غريب بلا أهل ولا أبناء ولا أسرة. لا أدري إلى أين سوف يأخذني القدر وأنا لم أعد أملك أيّ شيء من هذه الدنيا".
لا تختلف حال أم ياسر عن حال عشرات من النساء والرجال والأطفال الذين ضيّعوا أسرهم أو فقدوها نتيجة الحرب الدائرة من دون رحمة. المدنيّون هنا هم ضحايا تلك الحرب الأوائل والأخيرون. تجدر الإشارة إلى أنّ كثيراً ما يصادف الناشطون في مخيّمات النزوح أو على الطرقات المؤدية إلى خارج الموصل، عراقيّين من فئات عمريّة مختلفة تائهين من دون ذويهم أو أهلهم أو أسرهم. هؤلاء يهيمون على وجوههم ولا يعرفون مصيرهم ولا يعرفون مصير عائلات فقدوها أو هي فقدتهم. لكنّ كثيرين يرفضون الاستسلام لذلك القدر، في حين يفقد آخرون الأمل. من جهتها، ترفض أم ياسر أن تستسلم، وتقول: "أشعر بأنّهم ما زالوا على قيد الحياة. ربّما أعثر عليهم بعد أيام أو ربّما بعد أشهر. لست أدري، لكنّني لن أقطع الأمل".
وإن لم تفصح عن مخاوفها، إلا أنّها تخشى أن يكونوا قد قتلوا جميعاً نتيجة القصف. وتشكو: "أصبحت وحيدة في هذا العالم المرعب. في هذه السنّ، لا أعرف ما الذي سوف يحلّ بي وكيف سوف أواجه الحياة القاسية لوحدي". وتسأل كلّ من يمرّ بها عن أسرتها وأبنائها وبناتها وأطفالهم، لعلّها توفّق في العثور على أحدهم. حتى كتابة هذه السطور، لم يفيدها أحد بأيّ جديد. ما زال مصيرهم مجهولاً، كما حال مئات آخرين.