أمي وأنا وابنتي
كنت أخبر صديقةً، قبل أيام، عن فترة بلوغي، وكيف أنني لا أستطيع نسيان تلك اللحظة التي عرفت فيها أنني تحولت من طفلة إلى امرأة، على الرغم من مرور أعوام طويلة جداً عليها. لم يكن لدي أخت أكبر مني في عائلتي، ولم أعرف من أمي شيئاً عن البلوغ. كنت صغيرة جداً، لهذا، حسب ما أعتقد، لم تخبرني أمي شيئاً عنه. كانت تراني صغيرة على البلوغ، لا معنى للخوض معي في حديثٍ كهذا، غير أن تلك اللحظة بقيت حاضرة في ذاكرتي، أنا التي ذاكرتها قادرة على محي الماضي بما فيه. يومها، لم تكن أحاديث كهذه تُخاض بين البنات في المدرسة الابتدائية. لم يكن هناك الوسائل المعرفية المنتشرة الآن، المعلومة مصادرها قليلة، الأم بالنسبة للبنت الوحيدة أو الكبرى المصدر الوحيد لكل ما يتعلق بتفاصيل جسدها وحياتها الجنسية. لم تخبرني أمي شيئاً، تربيتها، في عائلة محافظة، جعلتها تحجم دائماً عن الخوض في أحاديث كهذه. أكاد أجزم أن جدتي أيضاً لم تحدث بناتها عن مواضيع كهذه يوماً ما.
سأعترف، أنني أنا أيضاً لم أتحدث كثيراً مع ابنتي عن علاقتها كأنثى مع جسدها. كنت أشعر بالخجل، وكأن الأمر يشبه عاراً ما، على الرغم من أنني كنت، وقتها، أدعي التمرد على القواعد الصارمة في العلاقة مع الجسد، والتي كنت أراها متجسّدة في أمي. أتت ابنتي في زمن أكثر انفتاحاً. كانت مطلعة على كل شيء، من دون أن تحتاجني لتعرف. لم تعد الأم أو العائلة مصدر المعلومة الوحيد، تعدّدت المصادر وتنوعت، ليس بسهولة ما يحدث الآن. ولكن، لم يكن الأمر بصعوبة أيامنا. أعترف أيضاً أنني لم أنبه ابنتي يوماً إلى ضرورة أن ترى نفسها أنثى جميلة. لم تفعل أمي هذا معي أيضاً. كان الأهم أن تجعل من نفسها إنساناً جميلاً، أن تتمثل القيم الإنسانية الكبيرة.
كنت أظن، كما أمي، أن الجمال الداخلي أكثر أهمية من جمال الشكل الخارجي. أكتشف الآن أنني لم أكن على قدر كبير من الصواب، وأن تلازم جمالي الشكل والروح ربما يكون ضرورة للتخلص من أمراضٍ نفسية كثيرة. ليس المقصود أن تتحول إحدانا إلى مونيكا بلوتشي مثلاً، المهم أن تمتلك إحدانا الثقة بأنها امرأة جميلة، أن تقدم نفسها للآخرين بوصفها هكذا، أن تعتني قليلاً بشكلها بلا مبالغات. حينها، سيراها الآخرون جميلة كما تحب، على الرغم من أن أمي كانت سيدة باهرة الجمال، باعتراف الجميع، لكنها لم تشكل عندي الحافز لأكون مثلها. كان جمالها ربّانياً، بلا تصنعٍ أو تكلف، كنت أقول لنفسي، الجمال (خلقة الله). لهذا، لم أكن معنية كثيراً بالاهتمام بشكلي، قدر الاهتمام بثقافتي ومعرفتي وخبرتي بالحياة. كانت أمي أيضاً توجهني نحو الاهتمام المعرفي. هذا ما فعلته مع ابنتي أيضاً.
اليوم، أكتشف كم كانت أمي وكنت أنا مخطئتين، كم أن ثقة المرأة بنفسها أنها امرأة جميلة، تساعدها على تثبيت نفسها في الحياة، لا تنتبه الأمهات عادةً كم ترتبط الصحة النفسية لبناتهن بالرضى الشخصي، العلاقة مع الجسد من الأشياء المهمة التي تحدد حجم هذا الرضى. وعلى الرغم من أن حياتي سارت في اتجاهات معاكسة لحياة أمي، إلا أنني، في مراتٍ كثيرة، في علاقتي بابنتي، أنتبه إلى أنني أقلد أمي. ليس الأمر مقصوداً، هو نتيجة علاقة غير متوازنة بين الأم وابنتها. الأم بوصفها مثلاً أعلى، منزهاً عن الأخطاء. هكذا يتم التعامل معها اجتماعياً، والابنة التي ترى أمها تفعل ما تقول عنه لابنتها أنه خطأ. هذا من أشكال السلطة. العلاقة هنا بعيدة عن الندية، علاقة ليست قائمة على الصراحة والوضوح والمكاشفة ليست علاقة ندية، فيها خضوع للطرف الأضعف. الابنة هي الطرف الأضعف هنا. هذا سينتقل من الابنة إلى ابنتها في المستقبل، ما لم تنتبه له باكراً، حتى مع الانتباه والحرص، سيظهر أثرٌ ما منه في سلوك الابنة. اليوم لم يعد ثمة أسرار، كله مكشوف وعلني. أيتها الأمهات لا تخفين عن بناتكن شيئاً، هن يعرفن أكثر منكن، ما سيحدث أن حبهن لكن سيتشوه، وسينتقل بعض هذا التشوه إلى بناتهن.