أمي أستاذة الفرنسية.. علمتني القرآن والدين باللغة العربية! (1-2)

23 يناير 2018
+ الخط -
لعل الجيل الجديد من أبناء أمتنا لم يدركوا بعد أن الصراع لم يك يوما صراعا حضاريا أو دينيا، لأن الحضارات تتعارف فتتكامل، كما يرى زكي الميلاد، والأديان تتآلف لأنها من منبع سماوي واحد لا دخل ليد الإنسان فيه، إنما الصراع الحقيقي ظل دوما صراع البقاء وإثبات الوجود تغليبا للأنا الطاغية فينا وفقا لمعطيات الحيز الزماني والمكاني الذي نوجد فيه، كما كانت حال الحروب الصليبية وحملات الانتقام التي تلتها متوالية على شمال أفريقيا والمشرق العربي، ولو كانت نزعة الغلبة سمة القادمين ممتطين فرسانهم صوب شمال أفريقيا كما يروج له اليوم حراس اللغة وحماة الهوية الأصلية لشعوبنا الأمازيغية، لو كان الافتراض صحيحا لما وجدت أمازيغيا واحدا بواحات سيوة ولا ليبيا ولا تونس ولا الجزائر ولا المغرب، كما حدث مع اللسان العربي ولتمت تصفيتهم عرقيا لا لغويا فقط وما أمر الأندلس منا ببعيد.


قضى مولود قاسم نايت بلقاسم - المسلم انتماءً، الأمازيغي أصلا، عربي الانتساب، جزائري الروح والكيان - عمرا يستميت لأجل إحياء اللسان العربي في بلد خرج جاثيا ثقافيا وفكريا وعلميا بعد قرابة قرن ونصف تتخبطه أيديولوجية التغريب وتتخطفه ألسنة اللهب الاستدمارية، كما كان يروق له أن يسمي محتلي بلاده المستدمرين، بل ظل الرجل الأمازيغي الناطق بسبع لغات يدعو إلى ضرورة تخصيب اللغة العربية والعمل على انفتاحها متشبثا بقيمه الأصيلة التي عبّر عن جزء كبير منها بكل إنيّة وأصالة ولم تمنعه أمازيغيته الأصلية أن يذود عن قيم وثوابت أمته التي يرى فيها عزا وشرفا لجزائريته وما يتمتع به من حس وطني متوج بإسلام القادمين بلسان عربي، ولم يستنكف كل مثقف ليبيرالي حقيقي من أن يكون ناطقا بلغة الضاد متيما بسحرها، فأنشدنا على سبيل التمثيل لا الحصر شاعر الثورة الجزائرية مفدي زكريا بقيم الوطنية الزكية ومعاني الإباء والكرامة في اللهب المقدس والنشيد الوطني الجزائري والألياذة وقصائد أخرى، فقال الأمازيغي بلسان عربي: تلك العروبةُ.. إن تَثُرْ أعصابُها وهن الزمانُ حيالَها وتضعضعا! الضادُ.. في الأجيال.. خلَّد مجدَها والجرحُ وحَّد في هواها المنزعا.

ثم يقول:
وتعلّم المستعمرون حقيقةً تبقى لمن جهل العروبة مرجعا
دنيا العروبة، لا تُرجَّح جانباً في الكتلتين.. وتُفضَّل موضعا!
للشرقِ، في هذا الوجود، رسالةُ علياءُ.. صدّقَ وحيَها.. فتجمّعا!

إن الهجمات الأيديولوجية الشرسة التي يتلقاها اللسان العربي اليوم الموجهة من وراء البحر بعقول خارجية والمسيرة ميدانيا بأيد داخلية تحت مسمى التنوير وما بعد الحداثة وإحياء الأمازيغية لَتدرك يقينا أن ما وراء اللغة العربية دين وثقافة وحضارة إدراكها التام أنّ الجيل الجديد من أبناء شمال أفريقيا خصوصا، وأخصهم بالذكر لأن التاريخ ظلمهم حينا من الزمن باتهامهم بالعجمة والفرنسة والتغريب، هؤلاء ينحتون الضاد من مخرجه السليم صوتا ورسما، وقد رأيت متخصصين في العلوم الدقيقة والتقنية التي تدرّس في جامعاتنا المغاربية بالفرنسية ومتخرجين من كليات اللغات الأجنبية وقسم الأدب الفرنسي بجامعات جزائرية، رأيتهم خلال معارض الكتاب المحلية والوطنية والدولية هم أكثر الفئات إقبالا على الدواوين الشعرية والروايات العربية من غيرهم، وتوسع تأثيرهم في مجتمعات ما بعد الاستقلال حتى بسط ظلاله الثقافية واللغوية على جيل الثورة والاستقلال بأثر رجعي فما وسعهما إلا إتباع الأبناء والأحفاد، وخير مثال على ذلك أمّي أستاذة اللغة الفرنسية لمدة تقارب الأربعين سنة امرأة من جيل الثورة حياتها كلها تدريس ومطالعة وقراءة وثقافة باللغة الفرنسية تجعلني اليوم أبتسم حينما تراسلني وتعلق تحت منشوراتي غالبا باللغة العربية وهي من درستني اللغة الفرنسية بعد أن حبّبت إليّ القرآن وعلمتني الدّين باللغة العربية التي بها الآن أكتب!