يحاول يحيى ولد سيماري (24 عاماً) التوفيق بين عمله الجديد معاوناً في البلدية وبين عمله السابق مزارعاً يساعد عائلته في حراثة الأرض وزراعة الخضار في منطقة روصو جنوبي موريتانيا. نجح في الحصول على وظيفة بعد تفوقه في صفوف محو الأمية ضمن برنامج "أمل" الحكومي. بات يتقن القراءة والكتابة باللغة العربية ليحقق حلماً قديماً، هو الذي حُرم من المدرسة بسبب بعد منزله عن المدينة وقلّة المدارس في القرى.
يقول ولد سيماري لـ "العربي الجديد" إنّ "هناك فرقاً كبيراً بين حياتي قبل التعليم وبعده. صار كلّ شيء أسهل والفرص أكبر". يضيف: "حصلت على وظيفة في البلدية بسبب تفوقي في برنامج محو الأمية"، لافتاً إلى أن هذا العمل يوفر له راتباً إضافياً، ويساعده على تأمين احتياجاته الضرورية، خصوصاً خلال تراجع الموسم الزراعي الذي كان يضطره في الماضي إلى الاستدانة.
ساهمت برامج محو الأمية في تحقيق أحلام كثيرين بالقراءة والكتابة، وفتحت فرصاً أمام آخرين لدخول ميادين جديدة. ووجد الشباب وكبار السن فرصاً لتطوير حياتهم وتحقيق أحلامهم مهما كانت صغيرة. عمد البعض إلى حفظ أجزاء من القرآن الكريم، ومتابعة دروس أبنائهم، واستخدام التكنولوجيا الحديثة من دون الحاجة إلى مساعدة الآخرين.
من بين المستفيدين من برامج محو الأمية خديجة بنت أمبارك (46 عاماً) وهي تاجرة. لم يكن ينقصها غير تعلّم القراءة والكتابة. هذه المرأة العصامية نجحت في تطوير عملها. كانت لديها بسطة تبيع من خلالها بعض السلع المنزلية والنسائية البسيطة، قبل أن تتمكن من فتح محل. تقول إنها كانت تحتاج إلى تعلم القراءة والكتابة لتوسيع تجارتها. وتخبر أنّ "بعدما تزوجت ابنتي التي كانت تساعدني في الحسابات، وجدت صعوبة كبيرة. كنت أطلب المساعدة في كلّ مرة أحتاج فيها إلى معلومات تتعلق بعملي. أحياناً، كنت أنتظر أطفالي الصغار ليعودوا من المدرسة للاستفسار منهم عن بعض الأمور. بعدها، وجدت أنه لا مفرّ من التعلم".
باتت بنت أمبارك قادرة على تسيير تجارتها بنفسها من دون الحاجة إلى مساعدة الآخرين. كذلك، تمكنت من استعمال الهاتف وحفظ الأرقام والأسماء بطريقة صحيحة، لتتخلى عن حفظ الأرقام من خلال استخدام الصور. كذلك، باتت قادرة على السفر من منطقة إلى أخرى من دون الحاجة إلى من يقرأ لها الأسماء المكتوبة على اللافتات.
إلى ذلك، تعوّل المنظمات المهتمة بمحو الأمية على التجارب الناجحة للمسجلين في المراكز بهدف تشجيع الآخرين، خصوصاً في المناطق التي يكثر فيها البحث عن مورد رزق للحالمين بمحو الأمية. أيضاً، تعمد بعض المراكز إلى إغراء القرويين في موريتانيا بإعطائهم كميات من الأرزّ والشعير، أو تأمين فرص عمل لهم أو لأبنائهم. كلّ ذلك بهدف تشجيعهم على المواظبة على دروس محو الأمية، علماً أن نسبة الأمية في البلاد تتجاوز 42 في المائة وفق أحدث الإحصاءات.
هذه المساعدات ساهمت في عودة الموريتانيّين إلى المراكز بعدما تركوها، وشجّعت آخرين على الالتحاق بها. تجدر الإشارة إلى أنّ تأمين المساعدات للتشجيع على ارتياد فصول محو الأمية يواجه عراقيل كثيرة، علماً أنّ هذه البرامج تعتمد على التبرعات.
في السياق، يقول الباحث الاجتماعي أحمد ولد الشريف، إنّ القضاء على الأمية في موريتانيا يعني الكثير للدولة والمواطنين، لأنه يساهم في زيادة التنمية ومحاربة الجهل والتطرف والعنصرية والفقر، بالإضافة إلى الحدّ من الفوارق الاجتماعية التي تخنق موريتانيا وترسيخ ثقافة الحرية والانعتاق والعدل. ويلفت لـ "العربي الجديد" إلى أنّ الاهتمام بتعليم الأميين الفقراء يجب أن يترافق مع الاهتمام بمستوى معيشتهم، لأنهم يفضّلون العمل على الدراسة في أحيان كثيرة بسبب الحاجة إلى المال. ويؤكد أنّ هناك متفوقين في فصول محو الأمية، وقد استطاعوا تغيير حياتهم، خصوصاً بعد تحديث المناهج التي أصبحت أكثر ارتباطاً بحياة المستفيدين من هذه الفصول. يضيف: "بعض الجمعيات وفّرت فرص عمل للطلاب تنسجم مع حياتهم الجديدة. لكن ما زال هناك نقص في هذا المجال".
وتبذل الحكومة الموريتانية جهوداً حثيثة للقضاء على الأمية، من خلال استراتيجية تشاركية تهدف إلى تعميم فصول محو الأمية، مع التركيز على المناطق السكانية الأكثر هشاشة والأقل حظاً في التعليم، بالإضافة إلى توظيف عديد من حملة الشهادات للتدريس وتوجيه المواطنين إلى الاستفادة من برامج محاربة الأمية.