18 فبراير 2020
أميركا والكرد.. بين الأمن والأخلاق
بعد أيام من تحذير السفير الأميركي السابق في دمشق، روبرت فورد، من خداع الإدارة الأميركية كرد سورية، واستخدامهم ورقةً في معركة تحرير الرّقة من "داعش"، ومن ثم وقف الدعم عنهم، وتركهم لمصيرهم، أعلن وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، في اتصال هاتفي مع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، إنه ضد إجراء استفتاء في إقليم كردستان العراق. وقد وجهت التصريحات الأميركية هذه وغيرها الأنظار إلى العلاقة الأميركية – الكردية، وإلى الإشكالات التي تثيرها هذه العلاقة، على شكل جدل وأسئلة ومخاوف لا تنتهي، وهي من نوع، كيف تنظر الولايات المتحدة إلى الكرد وقضيتهم أو قضاياهم؟ هل تنطلق في سياستها تجاه الكرد من اعتبار القضية الكردية سياسيةً، بوصفها تخص شعباً محروماً من حقوقه الوطنية، أسوة بالعرب والفرس والأتراك، أم إنها تدخل في إطار الأولويات الأمنية الأميركية تجاه منطقة الشرق الأوسط؟
يمكن القول إنه، منذ العشرينيات وحتى مطلع التسعينيات من القرن الماضي، أي حتى تاريخ حرب الخليج الأولى 1991، لم تكن علاقات الولايات المتحدة بالحركة الكردية سياسية علنية كما حالها الآن مع كرد العراق وسورية، بل كانت علاقاتٍ أمنيةً سريةً، تندرج في الإطار الاستخباراتي، وكانت الولايات المتحدة تنظر دائماً إلى الكرد على أنهم عامل بشري أمني مهم في منطقة استراتيجية مهمة، تتجاذبها التيارات القومية والدينية والمصالح النفطية والاقتصادية، أي أن جوهر السياسة الأميركية تجاه الكرد لم يكن يقوم على اعتبار قضية الكرد شأناً كردياً مستقلاً، بل على اعتبارها أولويةً أمنيةً، يمكن استخدامها في الظرف المناسب ضد هذا الطرف الإقليمي المعني بالقضية الكردية أو ذاك، حسب أولويات السياسة الأميركية وأجندتها.
كانت القاعدة الذهبية في هذه المعادلة أن الغرب، بشقيه الأميركي والأوروبي، يسعى دوماً إلى
في أحيان كثيرة، تبدو العلاقة الكردية الأميركية خاضعةً لشكل الحدث نفسه، وعلاقته بالدول المعنية بالقضية الكردية على شكل دورة الأقدار والمصالح. تبدأ الدورة مع حدوث مأساة كردية هنا أو هناك، ومعها تطفو إلى سطح الأحداث الدعائم الإنسانية والسلمية التي يتقرّب الغرب
ما سبق لا يلغي قناعة بعضهم بأن الكرد، وعلى الرغم من تجربتهم المريرة مع الإدارات الأميركية المتعاقبة، إلا أنهم لم يُحسنوا فهم السياسة الأميركية، فهم إما نظروا إليها بصفتها الإمبريالية والاستعمارية، ويجب تالياً محاربتها أو التعامل معها بصفتها قوة ضاربة في كل زمان ومكان. وبالتالي، يمكن الاعتماد عليها من دون حساب. وفي الحالتين، تبقى معادلة أن يكون الكرد هم الضحية قائمة، ففي الحالة الأولى، تحولوا إرهابيين، كما هو التصنيف الأميركي لحزب العمال الكردستاني. وفي الحالة الثانية، تحولوا عملاء للإمبريالية والصهيونية، يعملون لتقسيم العراق والمنطقة، في نظر تيارات قومية وإسلامية متشدّدة كثيرة، فضلاً عن النظام الرسمي العربي.
في الواقع، إذا كانت القراءة الظاهرية للسياسة الأميركية تجاه القضية الكردية تبدو متناقضةً بين بعديها الأمني والأخلاقي، إلا أنها، في الجوهر، تعبر عن ثابت المصالح الذي يستخدم كل الوسائل الممكنة لتحقيق الأجندة.