31 أكتوبر 2024
أميركا .. سقوط ورقة التوت
لم تعد الاحتجاجات الأميركية مجرد غضبة شعبية على مقتل جورج فلويد على يد أحد أفراد الشرطة، بعد أن أخذت تداعيات الواقعة، داخل الولايات المتحدة وخارجها، منحى غير متوقع. ففضلا عن المظاهرات الحاشدة التي عرفتها مدن أميركية وأوروبية تنديدا بمقتل فلويد، بدأت تتصاعد في بريطانيا والولايات المتحدة دعواتٌ إلى إزالة الرموز والأنصاب التذكارية التي تحيل على العبودية، باعتبارها أحد أكثر الفصول سوادا في تاريخهما.
شكّلت العبودية جزءا من التاريخ الاجتماعي للولايات المتحدة، إذ أتاحت تجارة الرقيق للنخبة البيضاء موارد اقتصادية وسياسية مكّنتها من التحكم، قرونًا، في جزء كبير من مصادر الثروة والنفوذ. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة ألغت العبودية منذ أكثر من 150 عاما، إلا أن مظاهر التمييز العنصري، خصوصا ضد السود، بقيت متجذرةً داخل النسيج الاجتماعي، تغذّي أنماط الوعي والتفكير والسلوك، وتَحول دون الاندماج الوطني الكامل داخل مجتمعٍ محكومٍ بهيمنة البيض، على الرغم من تعدّد أعراقه. أحْيا مقتل فلويد إرثا مؤلما من التوتر الذي عاشه المجتمع الأميركي في النصف الأول من القرن الماضي، ووصل إلى ذروته مع حركة الحقوق المدنية التي قادت كفاح السود ضد العنصرية خلال الخمسينيات والستينيات. ونجحت هذه الحركة، بعد نضالاتٍ مريرة، في انتزاع مكاسب ساعدت، نسبيا، على اندماج السود في النسيج الاجتماعي وتراجعِ خطاب تفوق البيض. ومع انتخاب باراك أوباما (2008) رئيسا، رأى كثيرون في ذلك مصالحةً تاريخية ووطنية في مجتمعٍ ظل البيضُ يمسكون فيه بمفاصل السياسة والاقتصاد والإعلام عقودا طويلة. وقد نجح أوباما، نسبيا، في مصالحة طيف واسع من السود مع ذاكرتهم الجماعية، وتدشينِ صفحة جديدة في علاقتهم بالنظام الاجتماعي عبْر بعض الإصلاحات الاجتماعية التي قامت بها إدارته.
بيد أن واقعة فلويد كشفت أن النسقَ الثقافي والاجتماعي للعنصرية في الولايات المتحدة أعتى من أن يُعدّله مرور رئيس أسود من البيت الأبيض؛ ذلك أن تفكيك هذا النسق يتطلب ثورة اجتماعية وثقافية ليست هينة، فلا تزال هناك فئة عريضة من البيض تنظر إلى السود مواطنين من الدرجة الثانية، ولا ترى ضررا في تجريدهم مما حازوه من حقوقٍ ومكاسب. وليس خافيا كيف منح ترامب هذه الفئةَ زخما سياسيا منذ انتخابه رئيسا، من خلال خطابه اليميني والشعبوي المعادي للأقليات والأجانب، هذا فضلا عن توطّن العنصرية في الأجهزة الحيوية للدولة، خصوصا الشرطة والقضاء. يتقاطع ذلك كله، بلا شك، مع ما تشهده الرأسمالية الأميركية، في طورها الجديد، من تغوّلٍ بادٍ في مواجهة حقوق العمال والنساء والأقليات والمهاجرين والمهمشين.
كانت واقعة مقتل فلويد النقطة التي أفاضت الكأس، فأربكت بذلك حسابات النخبة البيضاء المتنفذة. وكان لتزامنها مع جائحة كورونا دورٌ في كشف الأوضاع المزرية والهشة التي تعيشها الأقلية السوداء في مجتمع رأسمالي لا يرحم، وقد أبانت تقاريرُ متواترةٌ أن هذه الأقلية كانت الأكثر عرضةً للإصابة بالعدوى، وبالتالي الأكثر تضرّرا من التبعات الاقتصادية والاجتماعية لذلك. وفي وقتٍ كان يُنتظر من ترامب أن ينكبّ على معالجة المشكلة من جذورها، فضّل رميَ الكرة إلى حكام الولايات وجماعات اليسار المتطرّف، وتعويمَ النقاش، واستغلالَ الحدث لحساباته الانتخابية المعلومة، الأمر الذي قد تكون له تبعات على مصيره في الانتخابات القادمة المزمع تنظيمها في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، هذا من دون إغفال أن ما يميز الاحتجاجات الحالية تنوع قاعدتها الاجتماعية والعرقية، وعدم اقتصارها على السود، كما كان الأمر عليه إبّان احتجاجات الستينيات.
أسقط مقتل جورج فلويد ورقة التوت عن ''الحلم الأميركي'' الذي طالما سوّقته دوائر الدعاية والإعلام، وحَكم على أميركا أن تقف عارية أمام العالم بجرحٍ تاريخي مفتوح، لا يزال ينزف على الرغم من خطاب الهيمنة المعلوم، وحزمة التشريعات (الشكلية؟) التي تجرّم التمييز العنصري والكراهية. ولا شك أن هذه الواقعة أثبتت أن أميركا التي ترفع شعار الحرية في معاركها التي لا تنتهي في العالم أخفقت، بشكل لا يخلو من دلالة، في اجتثاث النظام الاجتماعي للتمييز العنصري، على الرغم من أن رئيسها السابق كان من الأقلية السوداء.
بيد أن واقعة فلويد كشفت أن النسقَ الثقافي والاجتماعي للعنصرية في الولايات المتحدة أعتى من أن يُعدّله مرور رئيس أسود من البيت الأبيض؛ ذلك أن تفكيك هذا النسق يتطلب ثورة اجتماعية وثقافية ليست هينة، فلا تزال هناك فئة عريضة من البيض تنظر إلى السود مواطنين من الدرجة الثانية، ولا ترى ضررا في تجريدهم مما حازوه من حقوقٍ ومكاسب. وليس خافيا كيف منح ترامب هذه الفئةَ زخما سياسيا منذ انتخابه رئيسا، من خلال خطابه اليميني والشعبوي المعادي للأقليات والأجانب، هذا فضلا عن توطّن العنصرية في الأجهزة الحيوية للدولة، خصوصا الشرطة والقضاء. يتقاطع ذلك كله، بلا شك، مع ما تشهده الرأسمالية الأميركية، في طورها الجديد، من تغوّلٍ بادٍ في مواجهة حقوق العمال والنساء والأقليات والمهاجرين والمهمشين.
كانت واقعة مقتل فلويد النقطة التي أفاضت الكأس، فأربكت بذلك حسابات النخبة البيضاء المتنفذة. وكان لتزامنها مع جائحة كورونا دورٌ في كشف الأوضاع المزرية والهشة التي تعيشها الأقلية السوداء في مجتمع رأسمالي لا يرحم، وقد أبانت تقاريرُ متواترةٌ أن هذه الأقلية كانت الأكثر عرضةً للإصابة بالعدوى، وبالتالي الأكثر تضرّرا من التبعات الاقتصادية والاجتماعية لذلك. وفي وقتٍ كان يُنتظر من ترامب أن ينكبّ على معالجة المشكلة من جذورها، فضّل رميَ الكرة إلى حكام الولايات وجماعات اليسار المتطرّف، وتعويمَ النقاش، واستغلالَ الحدث لحساباته الانتخابية المعلومة، الأمر الذي قد تكون له تبعات على مصيره في الانتخابات القادمة المزمع تنظيمها في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، هذا من دون إغفال أن ما يميز الاحتجاجات الحالية تنوع قاعدتها الاجتماعية والعرقية، وعدم اقتصارها على السود، كما كان الأمر عليه إبّان احتجاجات الستينيات.
أسقط مقتل جورج فلويد ورقة التوت عن ''الحلم الأميركي'' الذي طالما سوّقته دوائر الدعاية والإعلام، وحَكم على أميركا أن تقف عارية أمام العالم بجرحٍ تاريخي مفتوح، لا يزال ينزف على الرغم من خطاب الهيمنة المعلوم، وحزمة التشريعات (الشكلية؟) التي تجرّم التمييز العنصري والكراهية. ولا شك أن هذه الواقعة أثبتت أن أميركا التي ترفع شعار الحرية في معاركها التي لا تنتهي في العالم أخفقت، بشكل لا يخلو من دلالة، في اجتثاث النظام الاجتماعي للتمييز العنصري، على الرغم من أن رئيسها السابق كان من الأقلية السوداء.