يوماً بعد يوم، تتوسع الإدارة الأميركية بشكل ملحوظ في الاقتراض لتمويل حزم الإنقاذ الاقتصادي، بعد أن عجزت الموازنة عن توفير السيولة اللازمة. وفي عصر ما بعد "كورونا"، وبعد إنفاق تريليونات الدولارات لإصلاح ما أفسده الوباء، شهد طرح وزارة الخزانة الأميركية سندات لمدة 20 سنة، للمرة الأولى منذ أكثر من ثلاثة عقود، إقبالاً كبيراً، تجاوز 250% من حجم المبلغ المعروض، ليرسل رسالة طمأنة للإدارة الأميركية، مسهلاً من مهمة تمويل أكبر حزمة تحفيز في تاريخ الولايات المتحدة.
ويوم الأربعاء، أحسنت الأسواق استقبال الوافد الجديد، حيث تلقت الوزارة طلبات بالاكتتاب بقيمة تجاوزت 50 مليار دولار، قبلت منها 20 مليارا فقط، بمعدل عائد 1.220%، استحوذ على أكثر من 60% منها المكتتبون غير المباشرين، وهو التعبير الذي يطلق على مجموعة تشمل بنوكا مركزية أجنبية، على اعتبار أن هذه السندات تمثل الاستخدام الأفضل لاحتياطيات النقد الأجنبي لأغلب دول العالم.
وقالت كاثي جونز، مسؤولة استراتيجيات الدخل الثابت لدى شركة الخدمات المالية تشارلز شواب التي تدير أكثر من 3.3 تريليونات دولار من الأصول المالية، لصحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية، "السوق مازالت قادرة على استيعاب الكثير من العروض".
وعلى مدار السنوات الماضية، وتحديداً خلال فترة الرئاسة الثانية للرئيس السابق باراك أوباما، والسنوات الثلاث الأولى للرئيس دونالد ترامب، درست وزارة الخزانة الأميركية مجموعة من البدائل المتاحة لها للاقتراض طويل الأجل، شملت سندات بمعدلات عائد ثابت لمدة 20 عاماً و50 عاماً و100 عام، بالإضافة إلى سندات بمعدل عائد متغير مع معدل العائد على القروض المضمونة لمدة ليلة واحدة، بغرض توسيع قدرة الاقتراض لتمويل الحكومة الفيدرالية بأقل تكلفة على دافع الضرائب الأميركي، قبل أن يقع اختيارها على سندات العشرين عاماً.
ومطلع الشهر الحالي، أعلنت الخزانة عزمها اقتراض 3 تريليونات دولار قبل نهاية شهر يونيو/حزيران القادم، تمثل ما يقرب من ثلاثة أضعاف ما تم اقتراضه طوال العام المالي الماضي. وقالت الوزارة إنها ستعمل على جمع المبلغ من خلال إصدار سندات تتراوح مددها بين 3 و30 سنة بمبالغ قياسية، بالإضافة إلى زيادة الاعتماد على إصدار أذون الخزانة، التي تستحق خلال سنة واحدة أو أقل. وقبل تقرير مصير التريليونات الثلاثة من الإنفاق التي أقرها مجلس النواب، ومازال مجلس الشيوخ يدرسها، قدرت الوزارة احتياجات الاقتراض للربع الثالث من العام الحالي بما يقرب من 677 مليار دولار.
وشجعت معدلات العائد شديدة الانخفاض الإدارة الأميركية على التوسع في الإنفاق، ومن ثم الاقتراض، لإنقاذ الاقتصاد، باعتباره أهم دعائم حملة ترامب لانتخابات الرئاسة في نوفمبر/تشرين الثاني. ورغم الانقسام السياسي الكبير الضارب في الولايات المتحدة منذ وصول ترامب للبيت الأبيض، لم يجد كبار الاقتصاديين من المعسكرين، ومن كافة المدارس الاقتصادية، بداً من تأييد التوسع في الاقتراض، لحماية ملايين الأميركيين ومحاولة استعادة الانتعاش الاقتصادي.