أميرة حرودة.. "رامبو غزّة"

12 مايو 2016
ما زال البعض ينتقدون عملها (رسم: أنس عوض)
+ الخط -
في عام 2005، اختارت الغزيّة أميرة أحمد حرودة دخول "عالم يسيطر عليه الرجال". في تلك الفترة، بدأت العمل على ترتيب مقابلات مع صحافيين أجانب ومرافقتهم إلى مكان الحدث. هذه الشابة كان لها دور في عدد كبير من التقارير الإخبارية التي أعدّها مراسلون أجانب في قطاع غزّة، خصوصاً خلال الحروب التي تعرّض لها. والصحافيون الأجانب عادة ما يحتاجون إلى وسيط صحافي محلّي أو شخص يمتلك مهارة التحدّث باللغة الإنجليزية ولديه إلمام بالمنطقة. إلى ذلك، كانت حكومة "حماس" قد طلبت من المراسلين الأجانب الذين يرغبون في دخول قطاع غزّة الاستعانة بشخص محلّي لبضعة أيّام، لمساعدتهم خلال فترة عملهم.

حرودة هي من بين عشرات الرجال وواحدة من ثلاث نساء، شاركوا في نقل أحداث غزّة خلال حرب الـ 52 يوماً، والتي راح ضحيّتها 2139 فلسطينياً، بينهم ما يزيد عن 500 طفل بحسب الأمم المتحدة. على الرغم من المضايقات التي تعرّضت لها حرودة في بداية عملها، إذ إنها تجرّأت على مشاركة الرجال مهنة يعدّونها لهم، إلا أنها لم تستسلم حتى حين قيل عنها إنّها لا تحترم تقاليد بلدها وتبقى في الميدان حتى ساعة متأخّرة برفقة غرباء وأجانب. وقد عدّت الأمر بمثابة تحدٍّ.

عملت حرودة على إيصال أفكارها إلى العالم من خلال تسجيل فيديو قصير حمل عنوان "لماذا أعرّض حياتي للخطر لأروي قصص غزّة؟"، وذلك من خلال برنامج "تيد توك". تقول: "مذ كنت صغيرة، كانت شخصيتي مختلفة. لم أكن من الذين يقبلون بكل ما يقال لهم. كنت أناقش كثيراً، ولطالما رفضت فكرة التزام المرأة البيت لتربية الأطفال فقط". تضيف أنها لم تقرّر العمل في هذا المجال، إلا أن فضولها للتعرّف على نظرة العالم الخارجي للفلسطينيين المقيمين في غزّة، دفعها لمقابلة الوفود التي كانت تأتي إلى القطاع لتقديم الدعم، والتحدّث إليهم عن مجتمعها وحياتها. تتابع أنّها كانت تميل إلى العمل في المجال الإعلامي منذ البداية، وعملت في برنامج للأطفال على تلفزيون فلسطين في عام 1999، ومحرّرة لمجلتين في الجامعة، وقدّمت برنامجاً للشباب على الراديو.

عن بدايتها في العمل كوسيط للصحافيين في غزّة، تقول إنّها وافقت على العمل مع صحافية ألمانية أرادت أن ترافقها امرأة. بدأ ذلك في عام 2005، ووجدت أنّها تستطيع المساهمة في نقل معاناة أهل غزّة وأفراحهم وإبداعهم. أرادت أن تقول للعالم إنّ حياة أهل غزّة لا تقتصر على الموت والدمار، بل لدى شعبها طاقات خلاقة ينبغي أن تصل إلى العالم حتى يغيّر نظرته ولا يعدّ الغزيين مجرد إرهابيين.



تتابع حرودة: "دعمني والدي في فترة كان فيها المجتمع الغزي منغلقاً. حينها، لم يتعاون معي الناس الذين توجهت لمقابلتهم، وقد اعتادوا على التواصل مع الرجال، خصوصاً خلال الحروب". وتوضح أنّ الغرب يجهل الكثير عن غزّة، والإعلام دفع الناس إلى الظنّ بأنّ الفلسطينيين احتلوا إسرائيل وأنّهم إرهابيون. هي أرادت أن تكون صوتاً يوصل الحقيقة إلى الغرب، وتخبره أنّ أهلها "بشر من لحم ودم، لديهم أفراحهم وأحزانهم، ويخافون على أولادهم". تضيف أنه في أحد المؤتمرات في كندا، قدّمت تسجيل فيديو قصيراً عن عملها ومعاناة أهل غزّة وإبداعهم، لتتبدل نظرة عديد من الحاضرين إليها، الذين رفضوا التعامل معها في البداية وقد عدّوها "إرهابية".

أحياناً، تشعر حرودة بالتعب، خصوصاً بعدما أصبحت أماً. تؤلمها مشاهد أشلاء الأطفال وغالباً ما تعجز عن النوم، بيد أنّها ترفض الاستسلام لأنّها تريد أن تروي للعالم واقع الأحداث على أرضها. تؤكّد أنّها صوت الناس فقط ولا تنتمي إلى أي جهة سياسية.
خلال دقائق عبر برنامج "تيد توك"، تروي حرودة ببساطة وعفوية، أحلامها وواقع الحياة بمرّها وحلوها. تقول إنّها لطالما حلمت بأن تقود طائرة، لكن لا مطارات في غزّة، بل القطاع أشبه بـ "أكبر سجن في العالم" أغلقت حدوده من جميع الجهات. وتتحدث عن الظروف التي يحيا في ظلّها أهاليه، من انقطاع الكهرباء وغياب وسائل التدفئة وغيرها.
أمّا عن مهنتها، فتقول إنّها ترتّب أمور الصحافيين والمصوّرين الذين يدخلون القطاع، ليرووا قصصاً عمّا يحدث في غزّة. تحكي عن دعم زوجها لها، الذي ما زال مستمراً على الرغم من انتقادات كثيرين لها. تدرك خطورة مهنتها وتقول إنّها تلقب بـ "رامبو" غزّة.
من خلال برنامج "تيد توك"، أخبرت أميرة حرودة العالم عن وجود موسيقى رائعة وفنّ وحياة في غزة، على الرغم من الحصار.

المساهمون