أمهات موريتانيا العزباوات "عار" في مجتمع محافظ

25 اغسطس 2016
تحتاج إلى الشعور بالأمان (جورج غوبيه/ فرانس برس)
+ الخط -

في مجتمع محافظ تغلب فيه سلطة القبائل المتمسكة بعاداتها وتقاليدها، تعاني الأمهات الموريتانيات العزباوات أكثر مما تعانيه نظيراتهنّ في غيره من المجتمعات. وتعيش الموريتانيات اللواتي أنجبن خارج مؤسسة الزواج، وسط حصار مجتمعي يدفعهنّ إمّا إلى الانحراف أو إلى التخلص من أطفالهنّ.

لا تتوفّر إحصاءات دقيقة حول قضية الأمهات العزباوات في موريتانيا، إلا أنّ الباحثين المهتمين بها يرون أنّ ضحاياها بالمئات، خصوصاً في أوساط شريحة "الحراطين" (المسترقون سابقاً) التي لا تعدّ اللقطاء وصمة عار بسبب ظروف العبودية التي كان أفرادها يعانون منها حتى وقت قريب.

في دراسة أعدّتها الجمعية الموريتانية لصحة الأم والطفل، فإنّ 90 في المائة من الأمهات العزباوات هنّ ضحايا اغتصاب، ومعظم هؤلاء الضحايا من الأسر الفقيرة. إلى ذلك، 65 في المائة منهنّ غير بالغات و23 في المائة أميّات.

يُذكر أنّ كثيرات هنّ الأمهات العزباوات اللواتي يمتنعن عن إبلاغ السلطات بأحوالهنّ، بسبب الضغوط الاجتماعية وطبيعة المجتمع المحافظة. وتحاول الأمهات العزباوات إخفاء حقيقة أوضاعهنّ عبر الادعاء بأنهنّ متزوّجات من مفقودين وأجانب غادروا البلاد ولم يعودوا.

من البيت إلى الشارع

يرفض المجتمع الموريتاني التعامل مع الأمهات العزباوات وتجاوز "خطأهنّ"، بل يتركهنّ عرضة للضياع في الشارع مع أطفالهنّ من دون مورد رزق ولا سند عائلي. وعلى الرغم من أنّ عديدات هنّ ضحايا اعتداءات جنسية من غرباء أو سفاح قربى، إلا أنّ الغالبية ترفض الأم العزباء وتعمد إلى تهميشها.

مريم (23 عاماً) اعتدى عليها ابن خالتها، الأمر الذي تسبب في حمل لم تعلم به إلا في شهرها الثالث. تقول: "خطئي الوحيد أنّني لم أخبر عائلتي عن الاعتداء الذي تعرّضت له، بسبب الصدمة والخوف من المعتدي وعدم إدراكي حجم الكارثة حينها. من ثم كان الحمل الذي لم أعلم به إلا بعدما بدأت علاماته تظهر عليّ. وحين علمت الأسرة بما أصابني، لم تصدّقني. فهربت خوفاً من بطش إخوتي". تضيف لـ "العربي الجديد": "اختبأت في بيت صديقتي، طيلة فترة الحمل. وبعدما أنجبت ابني، رفض والده الاعتراف به، كذلك رفضت عائلتي عودتي إلى المنزل".

عاشت مريم فترة من الزمن في بيت صديقتها، تتلقى مساعدات من الجيران والمحسنين. وكانت حريصة على عدم كشف هويتها لأي كان وحقيقة انتمائها إلى أسرة عريقة. لكنّ تهديدات وصلتها من محيطها العائلي، أرغمتها على الرحيل من العاصمة نواكشوط إلى مدينة أنواذيبو، حيث تعيش اليوم مع ابنها وتحصل على قوتها من تجارة الملابس النسائية. وتؤكّد مريم أنّ "العيش بمفردي ونبذ عائلتي لي لم يبدّلا قناعاتي. بقيت محافظة على القيم التي تربّيت عليها". وهي تأمل أن تتمكن من تسجيل ابنها (ثلاثة أعوام) في سجلّ المواليد وأن تعود للعيش وسط عائلتها.




إعادة دمج

يقول علماء الاجتماع إنّ الفترة الفاصلة بين مرحلة نبذ الأم العازبة ومرحلة إعادة دمجها هي أخطر على الأم ووليدها، نظراً للمخاطر التي يتعرّضان لها بالإضافة إلى الإغراء الذي قد يبعدها عن محيطها نهائياً. ويقيس المتخصصون المسافة النفسية من مرحلة نبذ الأم العازبة إلى مرحلة إعادة دمجها، بحسب درجة وعي المجتمع للقضية وتقدير العوامل التي أدّت إليها كالجهل والفقر وغياب التربية الجنسية والقيود التي يفرضها المجتمع على الزواج.

بالنسبة إلى الباحث الاجتماعي أحمد ولد السالك، فإنّ "تقبّل الأم العزباء وإعادة دمجها يتفاوت من محيط إلى آخر، ومن مجتمع إلى آخر. ثمّة من يرفض مسامحتها بسبب ما يعدّ جرماً بالإضافة إلى الفضيحة التي تسبّبت بها، وثمّة من يقبل توبتها خصوصاً إذا أبدت ما يدلّ على ذلك". ويشير لـ "العربي الجديد" إلى أنّ "التمادي في عقاب الأمهات العزباوات قد يدفعهنّ إلى الاستمرار في طريق خاطئ أو إلى الانتحار أو دخول عالم الدعارة". ويشدّد على أنّ "الأم العزباء في حاجة أكثر من غيرها إلى حضن العائلة والاستقرار الاجتماعي والشعور بالأمان، خصوصاً إذا كانت ضحية اغتصاب أو تمّ التغرير بها في سنّ صغيرة".

ويدعو ولد السالك إلى تحديث القوانين الموريتانية المتعلقة بالنَسب، لحلّ مشاكل الأمهات العزباوات وأبنائهنّ وملاحقة "الأب البيولوجي"، بالإضافة إلى التوقّف عند هذه القضية ومحاولة معالجة أسبابها، حتى لا ترتفع أعداد ضحاياها من أمهات وأطفال على حدّ سواء.

ويحرم قانون الأحوال المدنية أبناء الأمهات العزباوات من الحصول على وثائق مدنيّة وبطاقة هوية، ويلجأن بغالبيتهنّ إلى تسجيل أطفالهنّ باسم عوائل تتبناهم. وفي أحيان كثيرة، يلجأن إلى التزوير ونسب الطفل إلى أب وهميّ حتى لا يُحرم من التعليم والعمل في القطاع الحكومي.

إلى ذلك، تحاول جمعيات حقوقية تقديم الدعم العاطفي والنفسي للأمهات العزباوات لحثهنّ على عدم تكرار "خطأهنّ"، وعدم التخلي عن أطفالهن حتى لا يتحولوا إلى أطفال الشوارع.

دلالات
المساهمون