سجّلت مناطق عراقية محررة شمال البلاد وغربها، خلال الأسابيع القليلة الماضية، أمراضاً مُعدية (انتقالية) مختلفة داخل المدارس الحكومية، عزتها مصادر طبية إلى انعدام النظافة وتكدس الطلاب في الصفوف أكثر من العدد المسموح به، وقلة اهتمام الكوادر التدريسية بالطلاب ومتابعتهم في مراكز الرعاية الصحية.
ووفقاً لمصادر بوزارة الصحة العراقية في بغداد، فإنّ مدارس نينوى وكركوك وصلاح الدين وديالى والأنبار، سجّلت أمراضاً خطيرة ومعدية كالجرب وحساسية القصبات الهوائية والحمى وأمراض العين، بالإضافة إلى انتشار القمل، وكلها ناتجة من الاكتظاظ وقلة النظافة ووجود القوارض والحشرات حول بقايا الجثث في تلك المدن شهوراً طويلة قبل رفعها.
وقال مسؤول بوزارة الصحة العراقية في بغداد لـ"العربي الجديد"، إن الصفوف في تلك المدارس تضم بين 50 و60 طالباً في الفصل الواحد، بسبب تهدم المدارس، ولجوء وزارة التربية إلى دمج مدرستين أو ثلاثة في مبنى واحد.
وأكد المسؤول أنّ السلطات الصحية وجهت لانطلاق عملية متابعة الحالات المصابة ومنح بعض الطلاب إجازة إجبارية، والبدء في تزويدهم بلقاحات وأدوية ضرورية، لافتا إلى أنه في مناطق جنوب كركوك تم رصد 30 مدرسة كل طلابها يعانون من الحساسية والقمل، بينما هناك مدارس في الموصل عثر فيها على أمراض جلدية تسببها حشرة تعيش أصلا على جثث البشر أو بقايا الحيوانات النافقة.
في المقابل، أكدت منظمة "جيل" العراقية لحقوق الإنسان، تسجيل أمراض كثيرة ومختلفة بين طلاب المدارس الحكومية على وجه التحديد في المدن المحررة شمال العراق وغربه.
وقال عضو المنظمة عبد الرحمن الدراجي لـ"العربي الجديد"، إنّ الأمراض تنتقل بسرعة بين الطلاب، وبينها أمراض خطيرة، مشيراً إلى وفاة طفلين أحدهما داخل مدرسته بسبب لدغة أفعى قرب الموصل، مشدداً على ضرورة تطهير المدارس من الحشرات والقوارض.
واتهم المتحدث الكوادر التدريسية بمحاولة إنهاء ساعات الدوام بأي شكل من الأشكال ومغادرة المؤسسات التعليمية، مضيفاً: "وجدنا مدرساً نقل ابنه من مدرسة يقوم بالتدريس فيها خوفا عليه من الأمراض".
ويقول أحمد علي (42 عاما) لـ"العربي الجديد"، إنّ "مدرسة ابني تقع في الجانب الأيمن من الموصل، وأضطر خلال الأيام التي تشهد برودة شديدة مصحوبة برياح قوية أن أتركه في البيت حفاظاً على سلامته، لأن الرياح القوية تجلب رائحة الجثث التي ما زالت تحت الأنقاض قرب المدرسة، فينتشر الذباب ويدخل الصفوف، ما يهدد بإصابتهم بالحساسية ومختلف الأمراض في ظل غياب أي حماية".
ويضيف: "لا حل عندي سوى أن أحفظ له سلامته بنفسي، ما دمت لا أملك المال لتسجيله في مدرسة خاصة، أما في الأيام العادية فهو يلبس كمامة ولا ينزعها حتى داخل الصف"، مبينا أن دورات المياه في المدرسة خمس، يتنافس عليها 600 طالب، وعدد حنفيات مياه الشرب ثلاث فقط.
من جهته، يوضح عضو مجلس محافظة نينوى حسم الدين العبار لـ"العربي الجديد"، أنّ "مدارس محافظة نينوى تحتاج إلى الأموال الكافية لغرض دعمها في مجال المياه والمنظفات، لأن هناك مدارس يصل عدد الطلاب فيها إلى أكثر من 60 في الصف الواحد، وهذا يحتاج إلى بناء مدارس أخرى غير تلك التي تهدمت وغالبيتها في الساحل الأيمن، ولم يتبق لدينا غير 1900 مدرسة صالحة وهي لا تكفي الطلاب، ولهذا ندمج مدرستين أو ثلاثاً في مبنى واحد.
وأشار إلى أن "لجنة الصحة والتربية تتابع الأوضاع الإنسانية والصحية في جميع المدارس عن كثب".
في السياق، يؤكد عضو "جمعية نينوى للجميع"، أحمد الجبوري لـ"العربي الجديد"، أن "العشرات من مدارس نينوى تعاني من قلة النظافة وتفشي أمراض الجرب والقمل وغيرها، والسبب عدم وجود المياه وارتفاع أعداد الطلاب، واستعمالهم للمرافق الصحية التي تعاني غالبيتها من انعدام المياه والمنظفات"، مضيفاً أنّ "هناك نحو 20 مدرسة في نينوى وأطرافها يعاني طلابها من الجرب والقمل ونحتاج الدعم الحكومي لمعالجتهم".
من جهته، يقول مسؤول الصحة المدرسية بتربية كركوك عدنان عزيز لـ"العربي الجديد"، إنّ "تربية كركوك عبر قسم الصحة المدرسية لديها متابعة لجميع المدارس، ومنها ما يخص الأمراض الانتقالية ولدينا في حدود عشر مدارس يعاني طلابها من ظهور القمل بينهم، وهي مدارس الارتقاء والإسراء الواقعة دور الفيلق قرب معمل الأنقاض والأوساخ، وهذه المدرسة يصل عدد الطلاب فيها إلى 1200 طالب وطالبة".
ويوضح أنه بعد مناشدات، قام أحد الميسورين بتوفير كميات كبيرة من المضادات الصحية للقمل وهو نوع من الشامبو وقمنا بتوزيعها على الطلبة، متابعاً: "التربية وبالتنسيق مع دائرة صحة كركوك وإحدى المنظمات الإنسانية تتابع المدارس التي يعاني طلابها من هذه الأمراض لمنع انتشارها".