إن كان كثيرون ملؤوا صالات السينما لمشاهدة ليوناردو دي كابريو في فيلم "العائد"، متسائلين عن الدور الذي قد ينال عليه الأوسكار الأول في حياته؛ فهناك، من جهةٍ أخرى، من ذهب من أجل أن يرى صنيعة المخرج أليخاندرو غونزاليز إيناريتو (1963) الجديدة، خصوصاً بعد فيلمه "الرجل الطير" (2015) الذي حاز عدّة جوائز أوسكار في العام الماضي. هل سيكرّرها إيناريتو الذي يترشّح "عائده" إلى 12 جائزة؟
بغضّ النظر عن الإجابة، فثمّة سجلّ أفلام حافل للمخرج، يستدعي الوقوف قليلاً عند تجربته، خصوصاً منذ فيلم "الحب غدّار" (2000)، وصولاً إلى "العائد". قد لا يختلف اثنان على أهميّة الأخير من الناحية الإخراجية، تحديداً تصويره الذي أداره إيمانويل لوبيسكي، ومونتاج الفيلم وطريقة سرد القصّة بصريّاً. لكن، ماذا عن الحكاية نفسها؟
قد تتّخذ قصّة الفيلم مشروعيّتها الأساسية من كونها مأخوذة عن قصّة حقيقية حول صيّاد يحاول النجاة من ظروفٍ بالغة القسوة، كادت أن تودي به إلى الموت مرّات عدّة. بالمقابل، يذكّرنا العمل بأفلام سابقة حول هؤلاء الذين قادتهم الظروف إلى أماكن جغرافيّة وعرة، قاسية المناخ والطبيعة، وكان عليهم تحدّيها ومواجهتها، وإلّا سيكون الموت مصيرهم.
من هذه الأفلام، نذكر "الحافّة" (1997)، للمخرج لي تماهوري، من بطولة أنتوني هوبكينز وأليك بولدوين؛ حيث يسقط الاثنان في غابة نائية، ويمضيان بحثاً عن طريق العودة. لعلّ مشهد الدبّ الذي هاجم هيو غلاس (ديكابريو) في "العائد"، يذكّرنا بصراع البطلين السابقين مع الدب في الغابة، مع تفاوتٍ في براعة صناعة المشهد، تُحسب لـ إيناريتو.
يرجعنا "العائد" أيضاً إلى فيلم "كاست أواي" (2000) للمخرج روبرت زمكيس وبطولة توم هانكس. عملٌ مقتبس، أصلاً، عن رواية "روبنسون كروزو". أمّا الفيلم الأقرب، ربّما، إلى "العائد"، هو "الرّمادي" (2011) للمخرج جو كارانان، من بطولة ليام نيسون، والذي يحكي قصّة صيّادين سقطت بهم طائرة في صحراء ثلجية، وأخذوا يموتون الواحد تلو الآخر، فيما بقي واحدٌ فقط، عليه أن يواجه قطيعاً من الذئاب التي التهمت بعض رفاقه.
عاديّة حكاية "العائد"، وتوقّع المُشاهد لمصيره "الهوليوودي"، وهو النجاة، يجعلاننا نتساءل عن ثلاثة أفلام أخرجها إيناريتو، وكتبها غيّيرمو أرياغا؛ هي "الحب غدّار" و"21 غراماً" (2003) و"بيوتيفل" (2011). لا تبدو الحكايات، والأفلام أيضاً، ضمن ذلك القالب الهوليوودي المتوقّع كما في "العائد".
في "الحب غدّار"، مثلاً، ينسج العمل عدّة حكايات واقعيّة وراهنة للمجتمع المكسيكي وبنيته الطبقية والظلم الاجتماعي فيه. وهذا ما اشتغل عليه في "21 غراماً"، ضمن قصّة/قصص تتأمّل الموت وفلسفته في قالبٍ وجوديّ. أما في "بيوتيفل"، فنعود إلى الطبقات المسحوقة، والمهاجرين "غير الشرعيين" في برشلونة، وكيف يسيطر عليها تجّار المخدّرات ورجال الشرطة.
ماذا عن هذه الحكايات الأقرب إلى الإنسان وواقعه؟ أم أنّ غواية الجوائز باتت متحكمة في خيارات المخرج؟
اقرأ أيضاً: "الأعسر".. حياة في كنف العنف