ليس القصد من هذا المقال تداول قضية اقتصادية بعينها. ولكن عقلي العربي، والذي تعوّد على الذاكرة والمقارنة والتصنيف، هو الذي دفعني إلى كتابة هذا المقال، مدفوعاً بالرغبة في التعريف بالاقتصاد من خلال الألوان التي يوصف بها.
ولعل من أول الألوان التي استخدمت لوصف الاقتصاد هو الأسود. ومع أن الأسود ليس لوناً، بل فنياً هو غياب الضوء، ولكننا مجازاً سوف نعتبره لوناً. ويشير الاقتصاد الأسود إلى الاقتصاد الذي يُتداول تحت الأرض، أو خلف أعين الحكومات ورقابتها وتشريعاتها. ومن الأمثلة على ذلك ما تقوم به المؤسسات الإجرامية أو الإرهابية، والأفراد الذين يقومون بالأعمال نفسها مثل السرقة، وتهريب الأعضاء، وإنتاج المخدرات وتوزيعها، والمتاجرة بالرقيق الأبيض، والسلاح، وتهريب الأطفال.
وأكثر من اهتم بهذا الموضوع في السنوات الأخيرة هم الاقتصاديون الهنود، إذ تقدّر نسبة الاقتصاد الأسود بنحو 35% من الناتج المحلي الإجمالي في الهند. ومن أفضل الكتب التي اطلعت عليها في هذا المضمار كتاب آرون كومار "فهم الاقتصاد الأسود، والمال الأسود في الهند"، والمنشور هذا العام 2017.
وقد بدأ رئيس وزراء الهند الحالي، نارمندرا مودي، بحملة شعواء، بهدف القضاء على هذه الآفة، أو تقليل وزنها قياساً إلى مجموع الاقتصاد الهندي. ولكن هذا الاقتصاد موجود في كل الدول، وبالأخص في التي تشيع فيها الجريمة المنظمة وشبكات العصابات المعقدة.
أما الاقتصاد الأبيض، فهو مصطلح حديث، كان أول من استخدمه الاقتصادي البريطاني، دوغلاس ماك ويليامز، في كتاب "الاقتصاد الأبيض المستوي، وكيف نقل لندن ومدناً أخرى إلى المستقبل".
وقد استخدم كثيرون مصطلح الأرض مستوية وليست كروية، بعدما نجح قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في تقريب المسافات والزمان بين أقطار الكرة الأرضية، وكأن كل أجزائها على مستوى مسطح واحد، وليس ثلاثي الأبعاد.
وقد استخدم ماك وليامز هذا المصطلح ليظهر أن الاقتصاد الأبيض المسطح أو ذا البعدين، وهو استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصال بتطبيقاتها التي تتقاطع مع كل القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، قد مكن مدينة لندن من النهوض من كبوتها الاقتصادية بعد انفجار الفقاعة الاقتصادية عام 2008، وجعلها مدينةً زاخرةً بالأعمال والتجارة الإلكترونية والتعليم الإلكتروني والخدمات الصحية والمصرفية، وفي مجال المضاربة بالأسهم والسلع والأوراق المالية المختلفة.
أما الاقتصاد الأخضر، فهو أيضاً اصطلاح لمّا يمضي عليه أكثر من ربع قرن. ولقد برز أثناء انعقاد قمة الأرض في مدينة ريو دي جانيرو في البرازيل عام 1992. وهو يشير إلى حسابات الدخل القومي الصافية، بعد اقتطاع نسبة الأرقام في مقابل الاستهلاك الذي يجري في الموارد الطبيعية للدولة، بسبب العمليات الإنتاجية والاستهلاكية فيها. وسميت حسابات الدخل القومي الصافية "حسابات الدخل القومي الأخضر".
وقد اكتسب هذا الموضوع أهمية متزايدة مع الوقت، خصوصا في ظل ارتفاع درجة حرارة الأرض، والتغيّر المناخي الناجم عن ذلك. ومن هنا، صارت للاقتصاد الأخضر تطبيقات تسعى إلى التقليل من انبعاث الغازات الضارة، والمسببة ارتفاع درجات الحرارة والتغير في المناخ.
ولعل أكثر الدراسات والكتب التي توضع في هذا المجال تأتي من النساء. ومن أبرز ما قرأت حديثاً في هذا المجال كتاب للنائب البريطانية في البرلمان الأوروبي، هولي سكوت كاتو، والتي وضعت كتاباً عام 2008 "الاقتصاد الأخضر: مقدمة للنظرية، والسياسات، والممارسات".
وبسبب التركيز المستمر على البيئة، ظهر مصطلح الاقتصاد الأزرق. ويشير هذا الاقتصاد إلى ضرورة الاستفادة من كل مخلفات الإنتاج والاستهلاك، واعتبارها مواد أولية تدخل في صناعات جديدة. وبمعنى آخر، يعتبر الاقتصاد الأزرق كل المخلفات، سواء بسبب الاستهلاك أو الإنتاج، مواد رخيصة، قابلة لإعادة التدوير.
وقد ظهرت مبادرات كثيرة في محال الاقتصاد الأزرق، مثل إعادة تدوير تلال القمامة لتوليد الكهرباء، وإعادة تدوير فائض المطاعم بتوزيعه على الفقراء، وإعادة تنقية المياه العادمة لتصبح صالحةً للري أو الشرب، وإعادة إنتاج "السكراب" أو مخلفات المعادن من الإنشاءات والسيارات وغيرها لإنتاج مواد بناء وعربات نقل جديدة.
وأفضل كتاب اطلعت عليه في هذا الموضوع من تأليف البلجيكي، جونتر باولي، صاحب كتاب "الاقتصاد الأزرق: عشر سنوات، مائة اختراع واكتشاف، ومائة مليون فرصة عمل" والمنشور عام 2010. والمؤلف رجل أعمال مجدّد، وبنى ثروة هائلة من عمليات الاقتصاد الأزرق.
وهنالك الاقتصاد البنّي، والذي يشير إلى الصناعات القذرة، والتي تحدث فساداً كبيراً في البيئة، وتقذف بالسموم في التربة والمياه والهواء.
ومن هذه، مثلاً، صناعات الفحم الحجري، والنقل المستخدم للمازوت الثقيل، وصناعة الحديد، وصناعة الإسمنت. وقد أنفق أصحاب هذه الصناعات مبالغ ضخمة، لتقليل مساهمتها السالبة، مثل شبكات التنقية، وتقليل انبعاث الغاز، وإعادة تدوير المياه المستخدمة فيها. ولكن تنظيماتٍ كثيرة نجحت في تحديد مخلفات هذه الصناعات والنشاطات، ولكن العالم سيشهد مزيداً من ترحيل هذه الصناعات من الدول الغنية إلى الدول ذات الأعداد الكبيرة من السكان، وإلى أماكن تقل فيها الرقابة البيئية.
أما الاقتصاد الرمادي فيشير الى الاقتصاد غير الرسمي. وهذا ليس بالضرورة اقتصاداً غير مشروع، ولكنه يعمل خارج أطر الضريبة وقوانين العمل، بعلم الحكومة أو بعدم علمها. فالزراعة المعفاة من الضراب تمنح مزايا لاستخدام العمالة بشروط ميسرة.
وتعتبر هذه القطاعات رماديةً، فلا هي سوداء ولا هي بيضاء. وفي معظم الدول العربية، يشكل الاقتصاد الرمادي حوالي 30-50% من الاقتصاد الكلي.
أما الاقتصاد الأحمر، فهو اصطلاح كان يشير إلى الاقتصادات المركزية، ذات الصبغة الشيوعية، حيث تسيطر الحكومة على معظم وسائل الإنتاج والتوزيع، وقد فقد هذا الاقتصاد كثيراً من وزنه بعد سقوط الشيوعية في روسيا والصين.
هل سنرى ألواناً أخرى للاقتصاد. بالطبع. هل نستطيع ابتكار لون جديد ونعرّفه تعريفاً محدداً؟ ... سنرى.
اقــرأ أيضاً
وأكثر من اهتم بهذا الموضوع في السنوات الأخيرة هم الاقتصاديون الهنود، إذ تقدّر نسبة الاقتصاد الأسود بنحو 35% من الناتج المحلي الإجمالي في الهند. ومن أفضل الكتب التي اطلعت عليها في هذا المضمار كتاب آرون كومار "فهم الاقتصاد الأسود، والمال الأسود في الهند"، والمنشور هذا العام 2017.
وقد بدأ رئيس وزراء الهند الحالي، نارمندرا مودي، بحملة شعواء، بهدف القضاء على هذه الآفة، أو تقليل وزنها قياساً إلى مجموع الاقتصاد الهندي. ولكن هذا الاقتصاد موجود في كل الدول، وبالأخص في التي تشيع فيها الجريمة المنظمة وشبكات العصابات المعقدة.
أما الاقتصاد الأبيض، فهو مصطلح حديث، كان أول من استخدمه الاقتصادي البريطاني، دوغلاس ماك ويليامز، في كتاب "الاقتصاد الأبيض المستوي، وكيف نقل لندن ومدناً أخرى إلى المستقبل".
وقد استخدم كثيرون مصطلح الأرض مستوية وليست كروية، بعدما نجح قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في تقريب المسافات والزمان بين أقطار الكرة الأرضية، وكأن كل أجزائها على مستوى مسطح واحد، وليس ثلاثي الأبعاد.
وقد استخدم ماك وليامز هذا المصطلح ليظهر أن الاقتصاد الأبيض المسطح أو ذا البعدين، وهو استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصال بتطبيقاتها التي تتقاطع مع كل القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، قد مكن مدينة لندن من النهوض من كبوتها الاقتصادية بعد انفجار الفقاعة الاقتصادية عام 2008، وجعلها مدينةً زاخرةً بالأعمال والتجارة الإلكترونية والتعليم الإلكتروني والخدمات الصحية والمصرفية، وفي مجال المضاربة بالأسهم والسلع والأوراق المالية المختلفة.
أما الاقتصاد الأخضر، فهو أيضاً اصطلاح لمّا يمضي عليه أكثر من ربع قرن. ولقد برز أثناء انعقاد قمة الأرض في مدينة ريو دي جانيرو في البرازيل عام 1992. وهو يشير إلى حسابات الدخل القومي الصافية، بعد اقتطاع نسبة الأرقام في مقابل الاستهلاك الذي يجري في الموارد الطبيعية للدولة، بسبب العمليات الإنتاجية والاستهلاكية فيها. وسميت حسابات الدخل القومي الصافية "حسابات الدخل القومي الأخضر".
وقد اكتسب هذا الموضوع أهمية متزايدة مع الوقت، خصوصا في ظل ارتفاع درجة حرارة الأرض، والتغيّر المناخي الناجم عن ذلك. ومن هنا، صارت للاقتصاد الأخضر تطبيقات تسعى إلى التقليل من انبعاث الغازات الضارة، والمسببة ارتفاع درجات الحرارة والتغير في المناخ.
ولعل أكثر الدراسات والكتب التي توضع في هذا المجال تأتي من النساء. ومن أبرز ما قرأت حديثاً في هذا المجال كتاب للنائب البريطانية في البرلمان الأوروبي، هولي سكوت كاتو، والتي وضعت كتاباً عام 2008 "الاقتصاد الأخضر: مقدمة للنظرية، والسياسات، والممارسات".
وبسبب التركيز المستمر على البيئة، ظهر مصطلح الاقتصاد الأزرق. ويشير هذا الاقتصاد إلى ضرورة الاستفادة من كل مخلفات الإنتاج والاستهلاك، واعتبارها مواد أولية تدخل في صناعات جديدة. وبمعنى آخر، يعتبر الاقتصاد الأزرق كل المخلفات، سواء بسبب الاستهلاك أو الإنتاج، مواد رخيصة، قابلة لإعادة التدوير.
وقد ظهرت مبادرات كثيرة في محال الاقتصاد الأزرق، مثل إعادة تدوير تلال القمامة لتوليد الكهرباء، وإعادة تدوير فائض المطاعم بتوزيعه على الفقراء، وإعادة تنقية المياه العادمة لتصبح صالحةً للري أو الشرب، وإعادة إنتاج "السكراب" أو مخلفات المعادن من الإنشاءات والسيارات وغيرها لإنتاج مواد بناء وعربات نقل جديدة.
وأفضل كتاب اطلعت عليه في هذا الموضوع من تأليف البلجيكي، جونتر باولي، صاحب كتاب "الاقتصاد الأزرق: عشر سنوات، مائة اختراع واكتشاف، ومائة مليون فرصة عمل" والمنشور عام 2010. والمؤلف رجل أعمال مجدّد، وبنى ثروة هائلة من عمليات الاقتصاد الأزرق.
وهنالك الاقتصاد البنّي، والذي يشير إلى الصناعات القذرة، والتي تحدث فساداً كبيراً في البيئة، وتقذف بالسموم في التربة والمياه والهواء.
ومن هذه، مثلاً، صناعات الفحم الحجري، والنقل المستخدم للمازوت الثقيل، وصناعة الحديد، وصناعة الإسمنت. وقد أنفق أصحاب هذه الصناعات مبالغ ضخمة، لتقليل مساهمتها السالبة، مثل شبكات التنقية، وتقليل انبعاث الغاز، وإعادة تدوير المياه المستخدمة فيها. ولكن تنظيماتٍ كثيرة نجحت في تحديد مخلفات هذه الصناعات والنشاطات، ولكن العالم سيشهد مزيداً من ترحيل هذه الصناعات من الدول الغنية إلى الدول ذات الأعداد الكبيرة من السكان، وإلى أماكن تقل فيها الرقابة البيئية.
أما الاقتصاد الرمادي فيشير الى الاقتصاد غير الرسمي. وهذا ليس بالضرورة اقتصاداً غير مشروع، ولكنه يعمل خارج أطر الضريبة وقوانين العمل، بعلم الحكومة أو بعدم علمها. فالزراعة المعفاة من الضراب تمنح مزايا لاستخدام العمالة بشروط ميسرة.
وتعتبر هذه القطاعات رماديةً، فلا هي سوداء ولا هي بيضاء. وفي معظم الدول العربية، يشكل الاقتصاد الرمادي حوالي 30-50% من الاقتصاد الكلي.
أما الاقتصاد الأحمر، فهو اصطلاح كان يشير إلى الاقتصادات المركزية، ذات الصبغة الشيوعية، حيث تسيطر الحكومة على معظم وسائل الإنتاج والتوزيع، وقد فقد هذا الاقتصاد كثيراً من وزنه بعد سقوط الشيوعية في روسيا والصين.
هل سنرى ألواناً أخرى للاقتصاد. بالطبع. هل نستطيع ابتكار لون جديد ونعرّفه تعريفاً محدداً؟ ... سنرى.