وعلى اعتبار أن الانتخابات النصفية كانت نوعا من الاستفتاء على سياسة ترامب، وشكلت نتائجها نكسة خطيرة له، أصبح من الطبيعي أن يؤثر فوز الديمقراطيين بالأغلبية في مجلس النواب على المسار المستقبلي للسياسات الخارجية والتجارية، في ظل التوتر الموجود بين الولايات المتحدة وألمانيا والاتحاد الأوروبي، وحيث يبدو أنها قد تكون مثيرة للاهتمام وعلامة فارقة لبرلين، وتشكل نوعا من الارتياح، وليبقى الأمل في أن تغير شيئا ما على صعيد العلاقات عبر الأطلسي، لأنه سيتعين على ترامب الآن التقرب من الديمقراطيين، وتقديم التنازلات أكثر من ذي قبل، وإلا فإن بلاده قد تكون مهددة بالركود والحصار.
في المقابل، يسود تخوف أوروبي من أن يجعل ترامب كل شيء أسوأ مما هو عليه الآن، باعتباره الشخص الذي لا يمكن إلا أن يكون منتصرا، ولن يسلم أحد من محاولاته الاستفزازية لصرف الانتباه عن أخطائه، وهذا ما سيدفعه للمواجهة والمنازلة لتحقيق انتصارات في أماكن أخرى، ومنها في السياسة الخارجية، وإعادة التشكيك والتهديد بالانسحاب من حلف شمال الأطلسي مثلا، تحت مبرر أن الأوروبيين لا يريدون زيادة نفقاتهم الدفاعية، ورغم ذلك يعتمدون على سياسة الردع الأميركية.
وفي السياق، شدد رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الألماني نوربيرت روتغن، على أنه "لا يوجد شيء يمثل الكثير من الراحة، ولن يكون هناك تصحيح للمسار، إنما على العكس، فإن الهزيمة قد تهدد السياسة الداخلية والخارجية من جراء فقدان الأغلبية في مجلس النواب الأميركي"، وفق ما ذكرت مجموعة "أي. آر.دي" الإعلامية.
أما زعيمة الاشتراكي الديمقراطي أندريا ناليس فاعتبرت نتائج الانتخابات الأميركية "نجاحًا وأكثر تنوعًا للولايات المتحدة من إثارة الخوف والتحريض على الأقليات والأحادية والقومية".
إلى ذلك، هناك مراقبون يرون أنه من المحتمل أن يشرع الديمقراطيون، وبأغلبية الأصوات التي فازوا بها في مجلس النواب، في إجراءات رفع دعاوى حول ممارسات ترامب المالية والروابط المحتملة مع روسيا.
وهذا الخيار مستبعد نسبيًا، لأنه يحتاج إلى ثلثي مجلس الشيوخ، إنما من المؤكد أن لدى الديمقراطيين القدرة على تكثيف التحقيقات البرلمانية ضد ترامب، وحيث بإمكانهم، وبنصف الهزيمة التي مني بها الرئيس الأميركي، أن يمنعوا كل رغبة لديه في الجنوح نحو قرارات شعبوية بعدما أصبح محاصرًا من قبلهم، وهو ما شدد عليه عضو البرلمان الأوروبي مانفريد فيبر، في حديث مع إذاعة بافاريا، بقوله إن "نتائج الانتخابات تجعل من التشريع في الولايات المتحدة متوازنا بوجود أكثرية للديمقراطيين".
وفي حديث مع صحيفة "بيلد" اليوم، اعتبر الخبير في الشؤون الأميركية كريستيان هاكي، أن الانتخابات النصفية "اتخذت هذه المرة طابعا خاصا واهتماما مختلفا عند الألمان، بسبب شخص خارج عن المألوف اسمه دونالد ترامب، وهناك نفور منه عند الأحزاب الألمانية، ما عدا حزب البديل اليميني الشعبوي"، لافتا إلى أن "الألمان يفضلون عادة التعامل مع رؤساء الحزب الديمقراطي، وحيث كانت المودة مع كل من كينيدي وكلينتون وأوباما، من دون إغفال أنه كانت للمستشار هيلموت كول علاقات وعمل جيد وكبير مع جورج بوش".
وأمل هاكي بأن يكون نجاح الديمقراطيين بارقة أمل للعلاقات الألمانية الأميركية، وأهمها تخفيف ضغط العقوبات المحتملة بزيادة التعريفات الجمركية على الصناعات الأوروبية التي هدد بها ترامب، حيث من المرجح إمكانية وقفها أو تخفيفها داخل الكونغرس، مع تعزيز المعارضة لسياساته داخله، لافتا إلى أنه، وفي نهاية المطاف، يمكن للألمان التخفيف من الصورة القاتمة التي رسموها عن الولايات المتحدة، مع أهمية التأكيد على عدم ضرورة المبالغة في التوقعات.
من جهته، شكك الدكتور جوزف برامل، الخبير الأميركي في المجلس الألماني للعلاقات الخارجية، في حديث مع "بيلد"، الأربعاء، في إمكانية التهدئة من قبل ترامب، وبالتحديد تجاه الاتحاد الأوروبي، الذي وصفه في وقت سابق بـ"العدو"، وموضحا أن الرئيس الأميركي يرى في الصادرات الأوروبية إلى أميركا "تهديدا للسياسة التجارية والأمن الوطني، وبناء على ذلك لا يمكن للشركاء التجاريين الأوروبيين توقع تغييرات كبيرة سوى طلب الإعفاء من الرسوم الجمركية عن طريق إظهار أنهم سيعدلون في سياسة الاستيراد والتصدير لصالح الولايات المتحدة".
وشدد برامل على أن الحماية لأوروبا من قبل الأميركيين ستكون أكثر كلفة، ويمكن لهؤلاء إثارة اهتمام ترامب من خلال الإقدام على شراء المعدات العسكرية الأميركية، والتي قد تساعد في خفض العجز التجاري للولايات المتحدة.
وأوضح المتحدث ذاته أنه "على ألمانيا فهم الوضع، ويجب أن تعتمد على ما هو مرغوب فيه، لأنه ليس هناك لدى برلين من خطة (ب)"، ومنبها الألمان إلى أنه "حان الوقت للسياسة والاقتصاد الألماني أن يعي خطورة الوضع، وأنه حتى مع انتهاء ولاية ترامب فإن أعراض واضطراب سياسته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية سوف تبقى تؤثر في المنافسة الجيوسياسية العالمية".