انسحبت ألمانيا من المهمة البحرية الأوروبية "صوفيا" ما يمكن أن يعرّض مستقبلها ومصير المهاجرين للخطر
تشهد عمليات إنقاذ المهاجرين في البحر الأبيض المتوسط مستقبلاً غامضاً بعد القرار الألماني بعدم المشاركة في المهمة البحرية "صوفيا" لمكافحة شبكات التهريب قبالة الساحل الليبي، في أعقاب الانتهاء المرتقب لمهمة الفرقاطة "أوغسبورغ" نهاية مارس/ آذار المقبل، والتي عملت على إنقاذ أكثر من 22500 شخصاً من أصل 49 ألف شخص جرى إنقاذهم في إطار المهمة. وهو ما حتم أن يكون مستقبل ودور المهمة "صوفيا" أحد محاور النقاش خلال اجتماع وزراء الدفاع الأوروبيين أمس الخميس واليوم الجمعة، في العاصمة الرومانية بوخارست، بعدما أثير كثير من اللغط والانتقادات حولها وبعدما مارست الحكومة الإيطالية كثيراً من الضغط على سياسة اللجوء في الاتحاد الأوروبي، مطالبة يتغيير قواعد الاشتباك. وهذا الخلاف سينسحب مباشرة على أرواح المهاجرين الذين سيكونون معرضين بشكل أكبر للغرق في البحر المتوسط.
القرار كان قد أبلغه أخيراً قائد المفتش العام الألماني، ابرهارد زورن، للمراقبين في لجنتي الدفاع والشؤون الخارجية الألمانيتين، مشيراً إلى الإبقاء على عشرة جنود في مقر البعثة يقتصر دورهم على التوجيهات. وهو قرار ملتبس يحمل كثيراً من اللغط والانتقادات بعدما ساد حديث عن عدم جدوى هذه المهمة مستقبلاً، مع قيام خفر السواحل الليبية بمهمات إنقاذ مشروعة أسفرت عن إعادة أكثر من 13 ألف مهاجر بنجاح من البحر إلى اليابسة على الساحل الليبي.
في المقابل، فإنّ الواقع مغاير تماماً لأنّ منظمات الإغاثة في المتوسط تفيد بأنّ عمليات الإنقاذ البحري والتعاون والتدريب مع خفر السواحل الليبي من قبل البعثة فيه الكثير من التناقض وهناك افتقار للموارد لدى الخفر وضعف في الخبرة، وفي كثير من الأحيان هناك تلكؤ في إنقاذ حياة الأشخاص بكفاءة من أعالي البحار، ناهيك عن مصير من يجري إنقاذهم، إذ ينتهي بهم الأمر إلى الاحتجاز في المخيمات الليبية التي تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة، وفيها يتعرضون لسوء معاملة وتعذيب. وفي المحصلة، فإنّ إنقاذ الأرواح ليس مجرد التزام قانوني بل هو التزام إنساني للدول الأوروبية بحسب مدير مركز عمليات السلام الدولية في برلين، توبياس بيتز.
خلفية القرار يمثلها الموقف المتشدد للحكومة الإيطالية الشعبوية التي تريد استيعاب أقل عدد ممكن من المهاجرين بعدما رفض وزير الداخلية ماتيو سالفيني مؤخراً قبول المزيد منهم، علماً أنّ قواعد المشاركة المعتمدة منذ عام 2015 تقوم على إرسال جميع المهاجرين أولاً إلى البر في إيطاليا بعد إنقاذهم، ما عرّض الأخيرة لإدانات على المستويين الألماني والأوروبي. فالمتحدث باسم الخارجية الألمانية، ستيفان ليبيش، علق: "هذه مأساة، وإذا لم تستبدل صوفيا بمهمة مدنية أخرى، سيغرق عدد أكبر من الناس". من جانبها، قالت ماري أغنس تسيمرمان، من الحزب الديمقراطي الحر، إنّ الأمر يشكل إدانة لأوروبا، فيما اعتبرت شخصيات سياسية أخرى أنّ الانسحاب من المتوسط يشكل إدانة للحكومة الألمانية.
وتجدر الإشارة إلى أنّ الحكومة أعربت أكثر من مرة عن تفهمها طلب إيطاليا حلاً أوروبياً لكن لم يكن من الممكن تنظيم مثل هذا الحل بفعل مقاومة دول مثل بلغاريا والنمسا وبولندا، وهذا ما يبين التخبط الأوروبي، إذ لا برنامج بديلاً لإنقاذ المهاجرين، ما يمكن أن يكلف مزيداً من الأرواح.
يعتبر خبراء في الشؤون الأوروبية أنّ ألمانيا أرادت من خلال القرار توجيه إشارة سياسية إلى إيطاليا أنّ الشعبويين همهم توظيف الهجرة لدوافع شعبوية في السياسة الداخلية. ولذلك، انسحب الإيطاليون إلى مياههم الإقليمية فلم يعد بالإمكان الوفاء بالمهمة الأساسية وهي مكافحة التهريب، ولذلك يمارس بعض الضغط على إيطاليا.
هناك كذلك، مطالبات بألا يكون المهاجرون ضحية صراع سياسي بين الحكومات الشعبوية في أوروبا وعلى رأسها الحكومة الإيطالية. ومن دون تسوية أوروبية في نزاع اللجوء والهجرة وإعادة توزيع المهاجرين، لن يكون هناك أيّ تنازلات بشأن استمرار "صوفيا" فلا استجابة مدنية مشتركة للاتحاد الأوروبي، خصوصاً أنّ عمليات الإنقاذ تحتاج إلى تضامن وتضافر الجهود من قبل الدول الأوروبية، خصوصاً الواقعة في حوض البحر الأبيض المتوسط، فيما يعتبر البعض أنّ العام 2019 سيكون نقطة تحول مع انخفاض محاولات التهريب عبر المتوسط فضلاً عن انخفاض أعداد الغرقى، ومن المنطقي إيقاف المهمة.
في المقابل، هناك من يقول إنّ الأسطول البحري التابع للاتحاد الأوروبي يستغل مياه غرب أفريقيا بمساعدة زعماء ديكتاتوريين يتحكمون بمفاصل الحكم في هذه البلدان، وهذا ما يتسبب بالتالي بتدفق غير مباشر للمهاجرين، كما تدفق الأموال إلى جيوب مهربي البشر. وكانت منظمات حقوق الإنسان قد انتقدت الاتحاد الأوروبي أخيراً على خلفية دعمه خفر السواحل الليبي باعتراض المهاجرين وإعادتهم إلى ليبيا حيث يصار إلى احتجازهم بطريقة غير قانونية
تجدر الإشارة إلى أنّ إطلاق اسم "صوفيا" على المهمة البحرية الأوروبية اقترن باسم فتاة ولدت صيف العام 2015 على متن فرقاطة ألمانية في البحر الأبيض المتوسط كانت قد فرت والدتها من الصومال عبر ليبيا لتخوض البحر مع المهاجرين أملاً في الوصول إلى أوروبا. والمهمة الأساس للمهمة "صوفيا" هي مكافحة شبكات التهريب وتجار البشر قبالة الساحل الليبي، وهي تستخدم الطائرات والسفن والمروحيات.