أطلق اعتقال الشيخ اللبناني أحمد الأسير في مطار بيروت الدولي أثناء محاولته الهرب إلى خارج لبنان في أغسطس/آب الماضي، حملة مداهمات أمنية في مدينته صيدا، جنوبي لبنان، نتيجة اعترافات الرجل. لتعود المدينة إلى الأجواء الأمنية المُقلقة التي عاشها أبناؤها بعد انتهاء معركة عبرا بين مُسلحي الأسير والجيش اللبناني عام 2013، والتي يقول أهالي المدينة إن عناصر من "سرايا المقاومة" التابعة لحزب الله شاركت فيها.
أسفرت المداهمات التي تولى جهاز الأمن العام تنفيذها، عن مُصادرة عدد من الأسلحة الرشاشة والقذائف الصاروخية والأحزمة الناسفة إلى جانب تواري عدد من الشبان الصيداويين عن الأنظار بعد اتهامهم بـ"الانتماء إلى خلايا الأسير النائمة". وهي الخلايا التي أصدرت قاضية التحقيق العسكري، نجاة أبو شقرا، قرارها الظني بحق 23 من أعضائها (بينهم 12 موقوفاً) في 8 أغسطس/آب الماضي، وحصلت "العربي الجديد" على نسخة منه.
رفضوا "الهجرة" إلى طرابلس
يتضمن القرار الظني اتهام "بعض المُخلى سبيلهم في قضية معارك عبرا وبعض الفارين منها، بتشكيل خلايا نائمة للاعتداء على الجيش واغتيال شخصيات دينية وسياسية بينهم النائب بهية الحريري، والاعتداء على أماكن عبادة ومؤسسات دينية ومحلات تجارية لأشخاص ينتمون إلى سرايا المقاومة وحزب الله". في حين يُظهر سياق القرار أن كافة العمليات التي خطط لها "العقل المُدبر للخلايا" ش. سليمان، أُلغيت في اللحظة الأخيرة من دون توضيح الأسباب. وهو ما تكرر بعد التحضير لعمليات استهداف أعضاء ليسوا في "حزب الله" ولا "سرايا المقاومة" ولا يحملون أي صفة قيادية، بعبوات ناسفة. ويبيّن القرار أن بعض المُستهدفين يعملون كسائقي سيارات أُجرة أو موظفين في شركات خاصة. كما تم إلغاء عملية نقل عدد من المسلحين من صيدا إلى طرابلس للمشاركة في المعارك ضد الجيش.
يُشير قرار القاضية أبو شقرا إلى بدء ش. سليمان، المُتواري عن الأنظار، نشاطه في يونيو/حزيران 2014 عبر لقاء مناصري الأسير وعرض تسجيل صوتي له يحثهم على تشكيل خلايا أمنية، فقبلوا. ووافق أحدهم ويدعى س. مغربي على تقديم غرفة تقع أسفل منزله في صيدا استخدمها الأسير للقاء أعضاء هذه الخلايا، حيث أخبرهم أن الهدف من تشكيلها هو "خلق حالة رعب ضد سرايا المُقاومة واستهداف عناصرها والجيش أيضاً في حال تمت ملاحقتهم". كما عمل سليمان على جمع "تبرعات مالية للخلايا" من مناصري الأسير تفاوتت بين 30 و100 دولار أميركي شهرياً.
اقرأ أيضاً: محضر اعترافات الأسير: خبايا معركة عبرا وتفاصيل الهروب
تربط القاضية أبو شقرا "بشكل مباشر" بين هذه الخلايا والمجموعات المسلّحة التي خاضت اشتباكات ضد الجيش في مدينة طرابلس وبلدة بحنين شمالي لبنان في أكتوبر/تشرين الأول عام 2014. وتتهمهم بـ"السعي لتنفيذ تفجيرات واغتيالات بالتزامن مع المعارك التي اندلعت في طرابلس وبحنين لتخفيف الضغط عن الإرهابيين هناك".
بعد تكرار إلغاء العمليات أعاد بعض أعضاء الخلايا رشاشات سلمهم إياها ش. سليمان، ورفضوا أوامر نقلها الأخير عن لسان الأسير بضرورة "الهجرة إلى مدينة طرابلس". ليقتصر الرابط المُباشر والوحيد بين مجموعات طرابلس وخلايا صيدا على ما ورد في نص التحقيق عن "إثبات التحليل الفني لبطاقات الهاتف العمومي (تيليكارت) تنسيقَ عدد من أعضاء الخلايا لانتقال الأسير وعائلته من صيدا إلى طرابلس ثم إدخالهم إلى مخيم عين الحلوة في صيدا بعد انتهاء معارك طرابلس". وقد تنقّل الأسير مع أفراد من عائلته والمجموعة اللصيقة به التي شاركته في معارك عبرا فقط، من دون أن يرافقه أحد من أعضاء الخلايا المُستحدثة.
أهداف صيداوية
اقتصر عمل الخلايا الأمنية على مدينة صيدا فقط، حيث جمع ش. سليمان التبرعات من أنصار الأسير، وجنّد الشبان الصيداويين، وخطط لعمليات لم تُنفذ، قبل أن يتوارى عن الأنظار ويتم توقيف الشبان الذين جندهم. وفي وقت رفض أغلب الموقوفين طلب سليمان استئجار شقق باسمهم لاستخدامها كمخازن للسلاح، تم دهم شقتين لشخصين تجاوبا مع سليمان، فعثرت القوى الأمنية في إحدى الشقق على 17 قذيفة "أر بي جي"، بندقية "كلاشنيكوف" واحدة، 1500 طلقة "كلاشنيكوف"، و4 جعب عسكرية.
كما تم العثور عند دهم الشقة الثانية على عبوات جاهزة للتفجير وبطاقة لاجئ فلسطيني مُزورة، ولائحة بأنواع السلاح المُتوافر بين أيدي المجموعات ولائحة بالمصطلحات السرية المُستخدمة. كما أظهرت جردة المضبوطات حيازة أعضاء الخلايا لبندقية "أم 16" وقاذف "أر بي جي" يعودان للجيش اللبناني، بحسب ما أظهرت أرقامهما.
وقد دعم مفوض الحكومة المُعاون لدى المحكمة العسكرية الدائمة في بيروت القرار الظني بـ"مطالعة أساس"، حصلت "العربي الجديد" على نسخة منها أيضاً، تتضمن تأييداً للوقائع "بالتحقيقات الأولية والاستنطاقية، وبإفادات المُدعى عليهم، وبمجمل التحقيق والمضبوطات". لتختتم القاضية أبو شقرا قرارها بإحالة أوراق المُدعى عليهم إلى النيابة العسكرية بموجب جنح وجنايات مُتعددة، ورد طلبات إخلاء السبيل التي قدّمها عدد من موكلي الموقوفين.
اقرأ أيضاً: اعترافات أحمد الأسير في لبنان... هل اعتقل نتيجة "خيانة"؟