لا تعدّ ولا تحصى المآسي الاجتماعية والنفسية التي تتسبب فيها ألعاب القمار والحظ، إذ غالباً ما تتحوّل أحلام الفقراء بالثراء السهل كوابيس تقضّ مضاجعهم وتحوّل أمانيهم سراباً. في المقابل، تجني شركات المراهانات في المغرب الأموال الطائلة من عائدات ألعاب الحظ المختلفة.
وبحسب أرقام "الشركة المغربية للألعاب والرياضة" فإن هناك نحو ثلاثة ملايين مغربي يدمنون ألعاب الحظ والرهانات بأنواعها، ما يشكل أكثر من مليارَي درهم مغربي (200 مليون و805 آلاف دولار أميركي) كحجم معاملات.
وتنتشر في عدد من مدن المغرب محلات ألعاب المراهنة واليانصيب وصالات القمار بمختلف أنواعه. ومنها كازينو شهير في مدينة طنجة (شمال) يعدّ الأكبر في أفريقيا، ويُقبل عليه آلاف الزبائن الذين ينتظرون دورهم للحصول على ملايين تحقق لهم أحلامهم.
فؤاد مدمن قمار منذ سنوات عديدة، يروي لـ "العربي الجديد" أنه بدأ مشواره مع "اللوتو" إحدى ألعاب الحظ. لكنه لم يوفّق، على الرغم من مواظبته عليها. فاتجه إلى عالم سباقات الخيل، تلك التي تنظم في داخل المغرب أو في الديار الفرنسية. واعتاد الجلوس صباحاً في أحد مقاهي القمار، ليخمّن أرقام الخيول التي ستجلب معها الثروة المنشودة.
أما محمد، فهو موظف وأب لطفلين. قصته مع القمار ليست بجديدة أيضاً، فهو كان قد أدمن العديد من ألعابه مذ كان عازباً. لازمه إدمانه هذا بعد زواجه، وهو لا يفوّت اللعب ولا ليوم واحد. يخبر أنه في البداية كان يخفي نشاطه عن أسرته، "حتى لا أعيّر بذلك وتلاحقني لعنات والدَيّ ومعارفي". لكن مع مرور الوقت، أصبح لعب القمار جزءاً من حياته اليومية، وأضحى يحمل معه أوراق "التيرسي" إلى بيته من دون خجل.
خراب بيوت
غالباً ما يحلم المقامرون بربح ثروات مالية كبيرة، من دون جهد كبير وعمل شاق. فيلجأون إلى أوراق الحظ والمراهنة، ويتمنون أن تتغير حالهم من الفقر إلى الثراء إن كانوا من المعوزين، وأن يتضاعف ثراؤهم إذا كانوا من الأغنياء.
وهذا الهاجس المَرَضي بالحصول على المال السريع، هو ما يدفع آلاف المغاربة إلى المغامرة بما يملكون من مال وممتلكات خاصة أيضاً. وهو ما يؤدّي بهم إلى مشكلات عائلية ونفسية خطيرة، تنتهي بتدمير العائلات وهلاك الأرواح أحياناً.
عبد الله باجدور من أشهر مدمني القمار في أحد أحياء الرباط الشعبية. بدأ يراهن ببضعة دراهم ثلاث مرات في الأسبوع، في سباقات الخيل الفرنسية. لكنه تحوّل لاحقاً إلى أنواع أخرى من سباقات الخيل، وبشكل شبه يومي.
وباجدور كان يملك محلاً تجارياً لبيع قطع غيار السيارات، ومنزلاً يعيش فيه مع عائلته. لكن إدمانه جعله يخسر كل أمواله، قبل أن يلجأ إلى بيع محله التجاري. فتجارته تدهورت وأفلس نتيجة إهماله عمله وتكريس كل وقته للقمار. لم تنته مشكلاته هنا، فزوجته انفصلت عنه وقد رفضت أن تكمل حياتها مع غامر بمستقبل أسرته.
محمد الشقار أيضاً اجتذبته فكرة الربح السريع، فرأى نفسه وقد باع سيارته ورهن شقته. وكاد يبيع عرضه من أجل ذلك. فهو طمع بتخطي المراحل دفعة واحدة. لم يكتفِ بألعاب الحظ التي تحمل معها مبالغ مالية صغيرة أو متوسطة، بل وجد له موطئ قدم في صالات البوكر. وقد جرّه الطمع في ثروة سريعة، إلى خسارة كل ما كان يملكه، ووصل به الأمر إلى درجه أنه حاول الانتحار في أكثر من مرة.
ثقافة الحظ
في هذا السياق، تقول الباحثة في علم الاجتماع ابتسام العوفير لـ "العربي الجديد" إن "ما يخلفه القمار من مآس اجتماعية وأسرية ونفسية، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تغطيه الأموال التي يدرّها على الشركات المنظمة لألعاب المراهنة والقمار في البلاد". وتشدّد على أن "لا شيء يمكن أن يعوّض تشريد أسرة تعتبر هي نواة المجتمع، تتكوّن من زوجة وأطفال هم في الأساس رجال المستقبل، بسبب الانغماس في لعب القمار". تضيف أن "الطمع في الثراء بأسرع الطرق وأسهلها هو ما يدفع عُشر المغاربة إلى لعب القمار".
وتوضح أن "القمار الذي يُخرّب المجتمع من خلال تدمير نواته، يقضي أيضاً على ثقافة العمل والجد وحصاد النتائج، فتسود كنتيجة له ثقافة الاتكالية والانتظار والاعتماد على الحظ". تضيف أن القمار هو "أحد أسوأ تجليات تغيّر القيم في داخل المجتمع في السنوات الأخيرة، إذ صار يتّسم بالفردانية والأنانية".