أكياس الذكريات

30 يوليو 2017
كلّ قطعةٍ تروح وتجيء بين البيوت الثلاثة(عباس موماني/فرانس برس)
+ الخط -
كومة من الأغراض في أكياس مركونة في زوايا الغرف. أطراف الأكياس تكاد تتمزّق لكثرة ما هي محشوّة. إكسسوارات من حليّ وسلاسل وأساور، وثياب صيفيّة وشتوية ليست قديمة ولا بالية. ألوانها ما زالت ناصعة، وما من ثقوب صغيرة فيها. حيّةٌ لا تدّعي موتاً، لكنّها صارت مملة. ولمّا حدث ذلك، وُضعت في أكياس لتُنقل إلى مكان آخر. البلوزة القطنية الزرقاء كانت جزءاً من خزانتهما، تتناوبان على ارتدائها. فجأة تبدو قديمة. وحدَها تراها كذلك، بعكس شقيقتها وآخرين. ما زالت على حالها. الآخرون أنفسهم، لم يرتدوها أو يعيشوا معها ساعات طويلة. رأوها من بعيد، تتحوّل إلى جزء من جسدٍ بدأ يسأمُها. مثلَ حكاية ستنتهي. صفحتُها الأخيرة تقول لنا ذلك. ما من تاريخ يحدّد صلاحيّة بلوزة. لكنّها ستنتهي. ومهما غُسلت بماء وصابون، ستبقى رائحتها (الفتاة) عليها، فقد علقت بها، وحدث مللٌ. وهي لا تستطيع شمّ رائحتها مرّتين.

بيُتها... بيت الوالدة، هو صلة الوصل بين الشقيقتين. تملّ الأولى من "ملكٍ مشترك"، تضعه في كيس ينتظر بعض الوقت في ذلك البيت، قبل أن تراه الثانية، ويعجبها على الأرجح. تشمّه وقد فقد رائحتها. عاد إلى ما كان عليه في اللحظة الأولى. وطالما أنّها قادرة على ارتدائه مجدّداً، بعد كلّ تلك السنوات، طالما أنها صغيرة، ما زالت ترى الحياة من خلال مجموعة ثياب وإكسسوارات وألوان طلاء الأظافر. كل يوم لون وكل يوم بلوزة، إلى أن يحين وقت الملل، وتوضع التفاصيل في أكياسٍ... أكياس الذكريات.

كلّ قطعةٍ تروح وتجيء بين البيوت الثلاثة، فتختلط الروائح. ثمّة خوف من رميها. هكذا ببساطة، تُرمى أكثر من ذكرى، أو تنتقل إلى غريب، رائحته غريبة، أحلامه مختلفة... كلّ شيء.

صعب إفراغ الأكياس من مضمونها. صعب اتّخاذ القرار بشأن تفاصيل هي جزءٌ من مرحلة، نُدرك اليوم أهميّتها في حياتنا. قد تكون جميلة وقد لا تكون. لكن أبعد من الجمال، كانت هناك طفولة، تلك التي يمتد بعض منها إلى المراهقة، ودفءٌ تراه يعود إلى الأكياس.

وهناك الكثير منها، في كلّ موسم ومللٍ ورغبة في الانتقال إلى مزاج جديد. الألوان تبعث الروح في النفس، ولا بدّ من التخلّص منها ما إن تبهت، حتّى لا نبهت معها. لكنّ ما في الأكياس مُربك. ذكريات تصير جميلة بمجملها. تفاصيل بينهما، دائماً تراها الأم بوجهها الأجمل. البلوزة القطنية الزرقاء كأنّها جديدة. وحدها تراها كذلك، وتعود من خلالها إلى ذلك الزمن. هي في الكيس تنتظر قراراً لن يكون لصالحها على الأغلب. لقد شاخت، وباتت هناك لحظات لأخرى. ومهما تخلّصنا من إكسسوارات وثياب وغيرها، ستبقى الحاجة إلى الأكياس، واستعادة ذكرى تلو أخرى.

المساهمون