أكباش الموكب الملكي نحو ميدان التحرير

03 يناير 2020
"طريق الكباش" في الأقصر (تيم غراهام/Getty)
+ الخط -
إلى دائرة الجدل يدخل "طريق الكباش" في الأقصر، بعد قرار حكومي بنقل أربعة تماثيل ضخمة من الفناء الأول (صالة الاحتفالات) خلف صرح "نختانيبو" في معبد الكرنك، لوضعها في ميدان التحرير، ضمن خطة حكومية لتجميل القاهرة الخديوية وتزيينها.
وصف أثريون ومثقفون وبرلمانيون القرار بأنه غير مدروس، ويمثل إخلالاً بطبيعة المعلم الأثري الذي ستُقتطَع هذه التماثيل منه، وبأنه قرار يناقض الاتفاقيات الموقعة مع "اليونسكو" بشأن الحفاظ على التراث المادي. الأزمة الحالية وصلت إلى القضاء لمنع تنفيذ القرار.
طريق الكباش هو طريق المواكب الكبرى، وكان المصريون القدماء يطلقون عليه اسم "طريق الإله". وهو من أهم المواقع الأثرية في طيبة القديمة، ويربط معابد الكرنك بمعبد الأقصر مروراً بمعبد موت بمسافة تبلغ 2700 متر، وبعرض يبلغ 76 متراً. ويعود تاريخ إنشائه الأول إلى نحو 3500 سنة، فقد ‏أسسه الملك إمنحوتب الثالث (1411-1351 قبل الميلاد) الذي بدأ تشييد معبد الأقصر‏، لكن الجزء الأكبر من الطريق يرجع إلى عصر الملك نختنبو الأول (حكم من 380-362 قبل الميلاد)، وهو مؤسس الأسرة الثلاثين الفرعونية، آخر أُسَر عصر الفراعنة‏. يعود الجزء الأقدم من الطريق بين معبدي الكرنك وموت إلى عصر الأسرة الثامنة عشرة، ويتكون من رصيف من الحجر الرملي محاط جانباه بصفين من تماثيل أبي الهول. وهي تماثيل منحوتة من كتلة واحدة من الحجر الرملي، ذات كورنيش منقوش عليه اسم الملك وألقابه والثناء عليه، ولها قاعدة من الحجر مكونة من 4 مداميك من الحجر، وللتماثيل هيئتان: الأولى تتخذ شكل جسم أسد ورأس إنسان (أبو الهول)، والثانية تتخذ شكل جسم الكبش ورأس كبش. والكبش من رموز الإله خنوم، وهو الإله الخالق الذي صنع البشرية على عجلة الفخراني طبقاً للديانة المصرية القديمة. وكانت تحيط بهذه التماثيل أحواض زهور ومجارٍ للمياه لريّها، وتتوسطه أرضية مستطيلة أبعادها ‏120‏ في ‏230‏ سمم من الحجر الرملي لتسهيل السير عليه، وبين كل تمثال وتمثال فجوة تقدر بـ‏4‏ أمتار.
اكتشاف التماثيل على جانبي هذا الطريق في القرن العشرين لم يأتِ مرة واحدة، فقد بدأه الأثري زكريا غنيم سنة 1949 باكتشاف أول 8 تماثيل، بعده اكتشف الدكتور محمد عبد القادر 14 تمثالاً في الفترة من 1958 وحتى 1961. ثم كشف الدكتور محمود عبد الرازق 46 تمثالاً في الفترة من 1961 حتى 1964. أما الدكتور محمد الصغير، فقد استطاع الكشف عن الطريق الواقع بين معبدي الكرنك وموت، وأجزاء متفرقة من الطريق بإجمالي أطوال نحو 1100 متر خلال الفترة من 1984 حتى 2000. ولا تزال أعمال الكشف عن التماثيل جارية، منها أربعة تماثيل، اكتشفت مطلع هذا العام، كانت مردومة أسفل الطريق.
بتكلفة تقدَّر بنحو 500 مليون جنيه، استأنفت وزارة الآثار المصرية المشروع القومي لكشف طريق الكباش بالأقصر وإحيائه، في إطار العمل على تحويل الأقصر إلى أكبر متحف عالمي مفتوح. وبالرغم من الطموح الكبير في إنجاز المشروع الذي توقف لمدة 6 سنوات، فإن العديد من العقبات تواجه مسيرته، منها كيفية التعويض عن الأضرار الناتجة من إزالة بعض المنشآت على امتداد الطريق، ومن بينها منشآت عتيقة كالكنيسة الأرثوذكسية.أما عن العقبات التي كانت تقف أمام إحياء المشروع، فقد تمثلت بوجود كنيستين على امتداد الطريق. فأما الكنيسة الإنجيلية، فقد اتفقت مع الدولة على بناء كنيسة إنجيلية جديدة، وبعدها يُسلَّم مبنى الكنيسة الإنجيلية الواقع على طريق الكباش لإزالته من أجل إتمام الطريق. فيما التهبت الأمور مع أبناء كنيسة العذراء القبطية الأرثوذكسية، إذ يعتبرون الكنيسة منشأة أثرية؛ لأنها تعود إلى أكثر من 115 سنة، حيث دشن بعض الأقباط حملة على مواقع التواصل الاجتماعي بعنوان: "لا لهدم كاتدرائية العذراء مريم الأثرية في الأقصر". بينما تقول الدولة إن الكنيسة غير مسجلة ضمن قائمة الآثار القبطية المثبتة في سجلات وزارة الآثار.
المساهمون