أكاديميون وهميون في السعوديّة

26 فبراير 2015
الجامعات تسعى للحصول على التصنيف
+ الخط -
لم يصدق البروفسور الاميركي ليئور باكتر ما قرأه في تصنيف "أخبار الولايات المتحدة وتقرير العالم" العالمي لأبرز الجامعات العالمية، ليس لأن التصنيف يضع جامعة كاليفورنيا في بيركلي بالمركز الأول عالمياً في الرياضيات فحسب، بل لأن جامعة الملك عبد العزيز في جدة (غرب السعودية)، كانت تحتل المركز السابع بين جامعات العالم، متقدمة على جامعات عريقة مثل كامبريدج ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.

كيف ترفع تصنيفك العلمي؟

"الأمر ليس صعباً"، هكذا يرد مدير تحرير جريدة "عكاظ" التي تصدر من جدة، الدكتور خالد طاشكندي، موضحاً لـ"العربي الجديد"، أنه بإنفاق الكثير من المال يمكن أن تكون الجامعات غير المعروفة متقدمة في التصنيفات العالمية.
يعد طاشكندي من أبرز المطلعين على هذا الملف في السعودية، ويصف ما يحدث بـ"التلاعب بالتصنيف بهدف الانتفاع به، وليس الارتفاع بالجودة الأكاديمية للجامعات السعودية". ويتابع: "كثير من الجامعات السعودية فهمت طريقه التصنيف العالمي واستطاعت أن ترتقيه دون أن ترتقي بالمستوى الأكاديمي فعلياً"، ويضيف :"ما يحدث في تصنيف QS أو تصنيف شنغهاي، هو أن بعض الجامعات عرفت آلية هذا التصنيف ونجحت في الارتقاء فيه بطريقة غير أخلاقية"، ويتساءل الدكتور طاشكندي: "كيف صعدوا في التخصصات العلمية في المراتب الأولى لتصل جامعة الملك عبد العزيز في جدة في تصنيف QS العلمي؟ متجاوزين جامعة IMT وعدد من الجامعات العريقة؟"، يتابع مجيباً على سؤاله: "يتم هذا عن طريق تسجيل الباحثين العالمين باسم جامعة الملك عبد العزيز، كانتماء ثانٍ، مثلاً بروفسور في جامعة هارفارد الأميركية يوقع عقداً مع جامعة سعودية يمنحه حق أن يكتب اسمها على البحث الذي قام به في الجامعة الأميركية كانتماء ثانٍ أثناء القيام به"، وبحسب الدكتور طاشكندي، سجلت جامعتا الملك سعود والملك عبد العزيز المئات من البحوث العلمية في عامي 2013 و2014 بهذه الطريقة، مع أن هؤلاء الأساتذة لم يسبق لهم أن دخلوا السعودية ولم يشاركوا في تنمية البحث العلمي.
ويستغرب مدير تحرير "عكاظ" المهتم في الشأن التعليمي من الأمر قائلاً: "أين الباحثين السعوديين الذين يسجلون بحوثهم مع هؤلاء الأستاذة؟ الباحثون السعوديون قلّة وغالبية البحوث هي بأسماء أساتذة أميركيين يكتبون فقط اسم الجامعة السعودية لا أكثر".

المزيد من التصنيف العالي

أدخلت مؤسسة "كواكواريلي سايموندز" البريطانية تسع جامعات سعودية ضمن قائمة أفضل الجامعات في العالم خلال السنة الأكاديمية (2014-2015)، في مقدمها جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في الظهران، وجامعة الملك سعود في الرياض، وجامعة الملك عبد العزيز في جدة. فيما تصدّرت جامعة الملك سعود الجامعات السعودية والعربية على تصنيف شنغهاي للجامعات العالمية بحلولها في المرتبة بين 151 و200، وحلّت جامعة الملك عبد العزيز في المرتبة الثانية بين الجامعات السعودية بوقوعها في المرتبة بين 201 و300.
من جانبه، يؤكد الدكتور حمزة السالم على أن كثيراً من الجامعات السعودية تهتم بقضية تصنيفها العالمي، لأنها جعلت من هذا التصنيف هدفاً أساسياً لها وليس وسيلة لهدف أهم، ويقول، لـ"العربي الجديد": "الجامعات تهتم بالتصنيف لكي ترتقي بطلابها، ولكن في الجامعات السعودية توقف عملهم عند التصنيف ولم ينعكس على قيمة البحوث العلمية التي تقوم بها"، ويتابع بوضوح أكبر: "هو أشبه بعملية تزوير. الفكرة جيدة ولكن غير قابلة للتطبيق".
ويضيف: "الجامعات تقوم بالتعاقد مع أساتذة مشهورين برواتب ضخمة دون أن يحضر فعلاً هذا الأستاذ للتدريس، فقط هي تدفع له بعقد صحيح بهدف أن يكتب اسم الجامعة في بحثه، إذ يطلبون من الدكتور أن يضع اسم الجامعة ضمن بيئة العمل، لكي تنسبه الجامعة لنفسها ضمن بحوثها التي تقوم بها هيئة التدريس".

إنفاق بلا إبداع

أكثر من 10 ملايين دولار أنفقتها جامعة الملك عبد العزيز على وضع اسمها على بحوث لأساتذة من مختلف دول العالم ولكن دون أن تتم دراسة هذه البحوث في السعودية. "العربي الجديد" حاولت الاتصال بوكيل جامعة الملك عبد العزيز، الدكتور عدنان زاهد، وبالمتحدث الرسمي باسم الجامعة، الدكتور شارع البقمي، ولكن الجامعة لم تستجب للطلبات المتكررة لإبداء تعليق عبر الهاتف أو البريد الإلكتروني.
الدكتور زاهد كان قد أرسل رداً على مجلة "ساينس" العلمية الأميركية التي نشرت في وقت سابق تحقيقاً بعنوان: "الجامعات السعودية تعرض المال في مقابل الهيبة الأكاديمية"، أكد فيه أن الجامعة "تنفي نفياً قاطعاً ما يُقال عنها بشأن شراء المنشورات العلمية لأجل الحصول على ترتيب في التصنيفات العالمية"، وتابع: "لن تضحي الجامعة بسمعتها من أجل الحصول على جوائز لا تستحقها، كما أن العلماء البارزين المتعاونين مع المؤسسة لن يقبلوا هذا العرض غير الأخلاقي".
غير أن البروفسور الاميركي ليئور باكتر نشر في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي مقالاً على مدونته الشخصية كشف فيه استنتاجاته حول ما تسميه جامعة الملك عبد العزيز "برنامج الباحثين ذائعي الصيت"، وأثارت استنتاجات باكتر الكثير من ردود زملائه في التعليقات، البعض منهم عمل بالفعل في جامعة الملك عبد العزيز.
ويؤكد باكتر أن الجامعة اتصلت بمعظم الباحثين عن طريق البريد الإلكتروني لسؤالهم عمّا إذا كانوا يقبلون الالتحاق بها، وعمّا إذا كانوا أيضاً يرغبون في الانضمام إلى أعضاء هيئة التدريس في الجامعة بصفتهم "أستاذاً مساعداً متميّزاً"، وبالفعل نشر الأستاذ الجامعي جوناثان إيسن رسائل في مدونته الشخصية (The Tree of Life) قبل أسبوعين، رسائل بريد إلكتروني، كان قد تداولها مع عدة أشخاص في جامعة الملك عبد العزيز في محاولة لمعرفة الأنسب له من حيث القبول أو الرفض. وكشفت تلك المراسلات، التي بدأت في 3 يونيو/ حزيران من العام الماضي، طريقة إدارة المفاوضات، وكانت البداية بسؤال من مسؤول في الجامعة للأستاذ الاميركي عن موقفه من التعاقد مع الجامعة، وقال المسؤول: "اسمحوا لي أن أوضح أن جامعة الملك عبد العزيز بدأت مشروع الأستاذ (HiCi)، وسيوفر هذا المشروع عقداً بينك وبين جامعتنا يمكّنك من الحصول على 7000 دولار أميركي شهرياً، وهذا المشروع سوف يسمح لك بتقديم المقترح البحثي من أجل أن تكون ممتازة للنشر في المجلات ذات الجودة العالية، كما كنت تفعل دائماً"، وأضاف المسؤول في رسالة أخرى: "أود أن أقول إن البروفيسور اندر فيرما سيأتي غداً لجامعتنا كأستاذ، وهو وقع أيضاً عقداً معنا، في 28 مارس/ آذار، وأيضاً البروفيسور بول هيبرت سوف يأتي لجامعتنا، وآمل أن تثق بي وتتحدث مع الأستاذ اندر وبول للتأكد".
ورد الدكتور إيسن أنه "يثق بالجامعة ولكنه مشغول حالياً"، رد المسؤول مرة أخرى، في محاولة لإقناع إيسن وأخبره أنه "ستأتي إلى جامعتنا مرتين سنوياً وستستغرق كل زيارة أسبوعاً واحداً فقط". وأضاف بتفصيل أكبر: "ستوقع عقداً كأستاذ بينك وبين جامعة الملك عبد العزيز، إذا حدث ذلك ستحصل على 7000 دولار أميركي شهرياً لمدة سنة، من هذا المشروع سوف تكون قادراً على اقتراح بحثين تحصل بموجبهما على 200 ألف دولار، مع المزيد من الحوافز، ويمكننا بدء مشروع ضخم بـ1.5 مليون دولار أميركي. هل هذا واضح؟"، لم تعجب الفكرة الدكتور إيسن، فضّل الرفض، وقال في مدونته: "حاولتُ التواصل معهم لمعرفة ما يقومون به. لقد شممت في الأمر رائحة لم تَرُقني"، وفيما رفض إيسن توقيع العقد، وافق كثيرون على العرض المغري، أمثال الدكتور اندر فيرما والبروفيسور بول هيبرت، من معهد التنوع البيولوجي في أونتاريو.

بحوث لم تقدّم شيئاً للمجتمع

تقول جامعة الملك عبد العزيز، على موقعها الالكتروني، إن الهدف من التعاقد مع أساتذة ذائعي الصيت على نطاق واسع هو: "تشجيع وتعزيز برامجها البحثية في مختلف التخصصات، والشروع في علاقات تعاون قوية مع غيرها من المؤسسات الرائدة في جميع أنحاء العالم". وستتم تجربة البرنامج في ربيع عام 2010 في قسم الرياضيات، ثمّ قامت لاحقاً بالتوسّع في تخصصات أخرى، وبحسب قاعدة بيانات جامعة الملك عبد العزيز في مؤسسة "تومسون رويترز" لأبحاث العلماء ذائعي الصيت، تضم قائمة الجامعة السعودية أكثر من 130 باحثاً يمتدون عبر العالم، من هونج كونج إلى هولندا إلى الولايات المتحدة الأميركية، ولكن مع أن القائمة هي أعلى بمعدل أربع مرات عن تلك التي تصدرها جامعة هارفارد، إلا أن مختصين يؤكدون على أن هذه "القائمة الطويلة لم تنعكس على المجتمع". يقول الدكتور خالد المعينا، الرئيس السابق لجريدة "عرب نيوز"، إن "الجامعة لو أنفقت العشر ملايين دولار على دعم البحوث الداخلية، لكان أفضل لها وللطلاب"، ويتابع، في تصريحات لـ"العربي الجديد": "لا يصدق أحد أن جامعة الملك عبد العزيز ـ مع احترامي لها ـ تكون الثالثة على مستوى جامعات العالم في الرياضيات"، ويضيف: "شاهدت بنفسي كثيراً من خريجي الجامعة تقدموا لوظائف ولم يتم قبولهم لضعف مستواهم. أعتقد أن هذا تزوير".
يضيف الدكتور المعينا، الذي عمل أستاذاً جامعياً لعدة سنوات، أن "الجامعة لو صرفت الملايين التي تكلّفتها من أجل أن ترتقي في التصنيف العالمي على إنشاء مختبرات وبحوث، لكان افضل بكثير لها وللوطن".

اقرأ أيضا :

25 ٪ من موازنة السعودية للاستثمار في العلم

 نظرة على الجامعات السعودية

 مشاكل المجتمع السعودي قيد الدراسة

دلالات