أكاديمية الجهاد"..تحالُف قوى الشر ضدّ الثقافة وضدّ الشعوب

05 مايو 2015
+ الخط -
نحن الغربيين، نضفي على أنفسنا، بشكل دائم، طابع النموذجية "المثال". نعشق عدّ أنفسنا مثالًا للتطور والحضارة والديمقراطية. وهذا النمط من التفكير هو الذي غذّى، مثلًا، كولونيالية اليسار في القرن التاسع عشر، إلا أنه يتوجب علينا، في ما يخصّ سورية، الاعتراف بأننا شهدنا مبادرات فردية كانت عبارة عن دروس في الشجاعة والالتزام. كان السوريون مُذهلين وواسعي الخيال حتّى إنهم استطاعوا ابتكار، وسط القمع، بنى ديمقراطية.

أحد أبطال الثورة، وهو مجهول من الجمهور العريض، اسمه عمر عزيز. خبيرٌ اقتصادي، درس في مدينة غرونوبل الفرنسية، وعاد إلى سورية عند بدايات الثورة. ويُنظَر إليه باعتباره أب لجان التنسيق المحلية. اعتقلته أجهزة الاستخبارات الجوية الرهيبة، ولفظ أنفاسه بعد ثلاثة أشهر من التعذيب. الثورة السورية مليئة ببطولات من هذا النوع. ومن الواجب تكريمهم من خلال عدم نسيان هذا الشعب ومعاناتِه وشجاعته. ومع ذلك، من يتذكر عمر عزيز في فرنسا؟
التاريخُ قاسٍ، حين يتذكّر أسماء الأوغاد أكثر مما يتذكّر أسماء الأبطال. "تغشيتنا الأمنية" تدفعنا إلى تحكيم مخجل. وفي حين تُكلّف العملية العسكرية الأميركية، وحدها، ما يقرب من عشرة ملايين دولار يوميًا، اضطُرّ برنامج الغذاء العالمي للأمم المتحدة، في الشتاء الأخير، وقف مساعدته الغذائية للاجئين السوريين، بسبب نقص في التمويل. واضطُرَّ ملايين السوريين، المقيمين في معسكرات على حدود بلدهم، قضاءَ فصل الشتاء ببطون فارغة.
كيف يمكننا، إذن، أن نُفاجأ، لأن لا مُبالاتِنَا تثير الإزعاج، وأننا نفقد الأمل والصدقية؟ مثل ياسين الحاج صالح، يتضاعف عدد السوريين، الديمقراطيين والعلمانيين، الذين يفقدون الإعجابَ الذي يمكن أن ينظروا به إلى الغرب. قال لي أخيرًا، أحد أصدقائي في الرقة: "نحن لن نموتَ في صمت. منذ ثلاث سنوات، ونحن نصرخ، وأنتم ترفضون الإنصات إلينا". وقال لي جهاد يازجي: "من الواضح، بالنسبة لي، أن الغرب، ومنذ فترة طويلة، لا يريد سقوط النظام. لقد
 تجمّد الصراع في الاتجاهين. ليس للمعارضة أدنى أمل في الاستيلاء على المركز الحضري. والجيش ليست لديه أي وسيلة لاسترجاع الغوطة أو الأرياف التي خسرها. إنها وضعية تروق الغرب. الشيء الوحيد الذي يزعجه، أنه كان يأمل لو أن بشار لم يقتل بهذا الحجم، حتّى يستطيع دعمَه كما يفعل مع السيسي في مصر".
لكن يجب علينا أن نَقلقَ مما يحدث في سورية والعراق. فهذان البلدان جاران لنا. وإذا ما نسيناهما، فإنهما سيتذكراننا بأسوأ طريقة ممكنة: عبر صور العنف، وعبر اعتداءات ستكون مَظاهِرَ يأسهما، التي ستنفجر في وجوهنا. يجب أن نحتفظ في أذهاننا بقوّة السوريين. وترى هالة قضماني، بدهاء، أن "أفضل مقاومة يبديها السوريون ليست مقاومة الرجال بالسلاح، بل مقاومة المدنيين، الذين يعثرون على قوّة الضحك عاليًا، من أعماق مخابئهم، وهم مُحاصرون بين غارات النظام ونقاط تفتيش الجهاديين". لكن كم من الزمن سيستمر هذا الضحك؟ يَدُقّ المحلل السياسي، هاميت روزارسلان، ناقوسَ الخطر: "من الممكن أنه في سنة 2020 لن يكون من وُجود لمجتمع سوري ولا مجتمع عراقي ولا مجتمع يمني كذلك. ولست متأكدًا أن الجميع واعٍ بخطورة الوضع".
هذا الوعي هو الشرط المسبّق لردّنا على التحدّيات التي يطرحها تنظيم الدولة الإسلامية.
**********************
نكتشف أنه يتوجب علينا، في نهاية الأمر، قبول بعض درجات التدخّل. أعرف جيدًا كم هي ملعونة هذه الكلمة منذ غزو أفغانستان والعراق من جيوش جورج بوش. ومن الساذج جدًا الظنّ بأن تنظيم القاعدة عُوقب بسبب اعتداءات 11 سبتمبر حين أنشأت الولايات المتحدة الأميركية، كرد فعل، تحالفاتٍ لغزو هذين البلدين.
لقد استطعنا أن نكتشف كم كانت المُقاومَات لهذا التدخّل، قويةً في الأوساط المعادية للعسكرتارية والعالم- ثالثية، ومن المدافعين عن مبدأ السيادة. إلا أن الواقع، هو أن جيوشنا منخرطةٌ اليوم في العراق، وبعضها في سورية. فهل يمكننا تحمّل رؤية قاذفات أميركية تلتقي في السماء السورية، مع مروحيات تابعة للنظام، وهي تطلق براميل تحوي مادة تي إن تي على أحياء حلب، من دون أن تفعل تلك القاذفات شيئًا، بحجّة أن ذلك ليس من مهمتها، التي ليست إلا محاربة الدولة الإسلامية، وأن حماية المدنيين لا تشكّل جزءاً من مهمتها تلك؟ حين نرى غارات تنفذها الطائرات السورية، مثل تلك التي وقعت يوم 25 نوفمبر/تشرين الثاني في مناطق مدنية في مدينة الرقة، وتسبّبت في مقتل أكثر من مئة شخص، وتدمير قسم كبير من متحف المدينة، الذي لم يتجرأ حتّى الجهاديون على المساس به، لا يمكننا منع أنفسنا من الاعتقاد بأن ذلك لم يتمّ من دون موافقة ضمنية من البنتاغون. وعلى كل حال، فإن الطائرات الأميركية رأت، بالتأكيد، الطائرات السورية وهي تُقلع، وقررت، عن علم، ترْكَها تنجز مهمتها.
المساهمون