يجمع العراق مزيجاً من الأعراق والأطياف المتنوعة، بعضهم قادم من بلدان أخرى، ومن أجل ذلك يقال إن العراق سمي عراقاً. سكان من شعوب القوقاز قدموا من روسيا، شيشانيون وداغستان هم جزء من هذا التنوع، استوطنوا بلاد الرافدين منذ أكثر من قرن واستطاعوا أن ينصهروا في مجتمع يختلف عنهم اختلافاً جذرياً، تاركين بصمة رغم قلة أعدادهم.
يقول التربوي المتقاعد محمد الداغستاني (77 عاماً)، لـ"العربي الجديد"، "يعتبر الشيشان والداغستان جزءاً من الشعب العراقي، وهم من مسلمي الجمهوريات السوفييتية، قدموا إلى العراق عقب عمليات التهجير القسري التي تعرضت لها شعوب بلاد شمال القوقاز، وبضمنها الهجرة الكبرى التي امتدت من 1859 ولغاية 1864 إلى تركيا ومن ثم إلى باقي البلدان، عقب ثورات صغيرة قام بها الشيشانيون، مثل ثورة الأرغون.
وفي عام 1865، أصدرت أوامر من الحكومة الروسية بترحيل أهالي القوقاز الشمالي، إذ تم تهجيرهم في زمن القياصرة والشيوعية، بزمن ستالين، إلى سيبيريا، وكان يبلغ تعدادهم آنذاك ثلاثة ملايين نسمة، وقد مات قسم منهم غرقاً في البحر الأسود، حيث يتم تحميل السفن أكثر من استيعابها". وأوضح بأن العراق حظي بأعداد كبيرة من الأسر الشيشانية التي استوطنت بصورة رئيسية في مدن وريف محافظات كركوك والأنبار وبغداد والموصل وديالى، حيث كانت قرية الزندان في ديالى أكبر تجمع لهم في العراق وبمثابة المقر الرئيسي لهم".
ويشير الضابط في الجيش العراقي السابق محمد محسن، لـ"العربي الجديد"، إلى أن الشيشانيين والداغستان تبوأوا مناصب بارزة نظرا لشجاعتهم وإخلاصهم في الجيش العثماني آنذاك، ومن ثم في الجيش والوظائف الحكومية العراقية، ومن أحفادهم اللواء الركن الشهيد خليل باشا الداغستاني ونجله اللواء الركن غازي الداغستاني، الذي شارك في معركة تحرير فلسطين عام 1948، وغازي الداغستاني، رئيس أركان الجيش العراقي في الفترة الملكية، وكان مرشحا ليكون رئيس وزراء العراق، والفريق الركن محمد عبد القادر الشيشاني، وآخرون كثر.
وأضاف "أما في وقتنا الحالي، فالبعض منهم قادة في الجيش العراقي، والآخرون تقلّدوا مناصب في الوزارات، كمدراء عامين، ومنهم إعلاميون وسياسيون وشعراء".
توزيعهم في العراق
بحسب الشيشان والداغستان المتواجدين في العراق، ومنهم الناشط المدني محمد الفاتح محمد، الذي تحدث لـ"العربي الجديد"، فإن ثمة مناطق ومحافظات يتوزعون فيها داخل العراق من الشمال إلى الجنوب، فهناك تجمعات في البصرة وبغداد وكركوك والسليمانية وأربيل والموصل والأنبار، وفي محافظة ديالى قرية الحميدية المعروفة بـ"الزندان"، وقد أطلق عليها الحميدية نسبة إلى السلطان العثماني عبد الحميد، والتي أكمل تشييدها الشيشانيون والشركس عام 1880، كما شيدت أول مدرسة ابتدائية فيها عام 1974 والمركز الصحي 1963، وكلاهما على نفقة المرحوم شمس الدين خالص، مشيرا إلى أن العوائل القاطنة في القرية تتحدّر من عشائر معروفة في شمال القفقاس، كالأرشتغوي والغلغاي والنشغوي، ولهذه العائلات صلات حميمة وقوية ودائمة مع أقربائهم من الشركس والداغستان في البلدان المجاورة، وخاصة في الأردن، وكذلك هم على صلة بعوائل الشيشان في سورية. ومن أبرز شخصياتها: مراد آغا ومحمد عارف آغا وغوبا وصالح بيبرت.
وتابع: كما أن تواجد العوائل الشيشانية في شمال العراق كان بسبب أن معظمهم كانوا قادة في الجيش العثماني وانتشروا حسب مراكز الخدمة، إضافة إلى عمليات التهجير القسري. واندمجت هذه العوائل مع باقي المكونات القوقازية الوافدة إلى العراق (الداغستان والشركس)، حتى أصبح العراقيون يعتبرونهم مكوناً واحداً، فنلاحظ أن الشيشاني والشركسي والداغستاني يلقبون بالچيچان باللهجة المحلية أو الداغستان بسبب شيوع التسمية، كون معظم الأسماء البارزة في العراق تحمل تلك التسمية، نسبة إلى محمد فاضل باشا الداغستاني، والي بغداد ومفتش الجيش العثماني في العراق.
وتابع محمد "كما يقطن بعضهم قرى كردية، وهذا ما يجعلهم يتحدثون اللغة الكردية والتركمانية بحسب المنطقة التي يقطنونها، ومن هذه القرى ينكجة بابلان، في قضاء طوز خروماتو، قرية بيوكة الواقعة في منطقة برزنچة في محافظة السليمانية، ثم انتشروا منها إلى بقية القرى، قرية جارشلو في محافظة كركوك، وهناك من سكن بلدة الفلوجة في محافظة الأنبار، غرب العراق".
اقــرأ أيضاً
إلى ذلك، تحدث مدرّس التربية الرياضية معاذ فراس الداغستاني (40 عاماً)، لـ"العربي الجديد"، عن عاداتهم وأعرافهم، فما زال الكثير من الشيشانيين يحافظون على الأعراف المتوارثة، ومنها زواجهم من أبناء القبيلة حصرا، وهذا ما دأب عليه غالبية الشركس في العراق، إلا أن ذلك لا يعني عدم خروج بعض العائلات عن تلك الأعراف بتزويج أبنائهم وبناتهم من العراقيين.
كما حافظ الشركس على توريث أكلة "الحلطمش" من جيل إلى آخر والتي يطبخونها في الأعياد والمناسبات السعيدة، وهي عبارة عن عجينة من الدقيق والماء كعجينة الخبز لكنها أكثر سماكة، ويتم صنع أصابع من تلك العجينة ومن ثم سلقها بماء اللحم أو الدجاج أو الكوارع، كما يمكن حشوها باللحم، وبعد نضجها يتم تقديمها مع الثوم المنقوع باللبن الحامض. ومن أجل الحفاظ على الروابط الأسرية والعادات والتقاليد والهوية الشيشانية، قام بعض من رجال الشيشان والداغستان في العراق بتأسيس أول جمعية مجتمع مدني خاصة بهم بعد عام 2003 وأطلقوا عليها اسم (جمعية التضامن الخيرية لعشائر الداغستان والشركس في العراق)، ومقرها في محافظة كركوك، إضافة إلى جمعية الخير الشيشـانية ـ الأنكوشـية ومقرها في محافظة ديالى، والجمعيتان تعملان في المجالات الاجتماعية والإنسانية والثقافية.
أما عن تجمعات أبناء القبيلة، فيقول الداغستاني: كان أبناء العشيرة يجتمعون أسبوعيا في قرية الحميدية (الزندان)، في بلدة المقدادية، ضمن محافظة ديالى، في ديوان بيت شيخ القبيلة سعد شمس الدين، لغاية سبتمبر/ أيلول من عام 2007، حيث هاجمت المليشيات القرية وأحرقت منازلها بما فيها من أمتعة، ولم يتسنَّ لسكانها إخراج شيء منها، بل خرجوا من قريتهم بملابسهم تاركين القرية تحترق بما فيها من بساتين ومنازل ومحال تجارية، ولم يتمكنوا من فعل شيء، ولم يعودوا إلى القرية حتى وقتنا الحاضر، بل قام بعضهم بالعودة إلى جمهوريتي الشيشان والداغستان في روسيا، والبعض الآخر نزحوا إلى باقي المحافظات العراقية، وخاصة إلى محافظة كركوك، داخل بلدة الحويجة، التي أصبحت مقرا لهم بعد تركهم قرية الحميدية.
وفي عام 1865، أصدرت أوامر من الحكومة الروسية بترحيل أهالي القوقاز الشمالي، إذ تم تهجيرهم في زمن القياصرة والشيوعية، بزمن ستالين، إلى سيبيريا، وكان يبلغ تعدادهم آنذاك ثلاثة ملايين نسمة، وقد مات قسم منهم غرقاً في البحر الأسود، حيث يتم تحميل السفن أكثر من استيعابها". وأوضح بأن العراق حظي بأعداد كبيرة من الأسر الشيشانية التي استوطنت بصورة رئيسية في مدن وريف محافظات كركوك والأنبار وبغداد والموصل وديالى، حيث كانت قرية الزندان في ديالى أكبر تجمع لهم في العراق وبمثابة المقر الرئيسي لهم".
ويشير الضابط في الجيش العراقي السابق محمد محسن، لـ"العربي الجديد"، إلى أن الشيشانيين والداغستان تبوأوا مناصب بارزة نظرا لشجاعتهم وإخلاصهم في الجيش العثماني آنذاك، ومن ثم في الجيش والوظائف الحكومية العراقية، ومن أحفادهم اللواء الركن الشهيد خليل باشا الداغستاني ونجله اللواء الركن غازي الداغستاني، الذي شارك في معركة تحرير فلسطين عام 1948، وغازي الداغستاني، رئيس أركان الجيش العراقي في الفترة الملكية، وكان مرشحا ليكون رئيس وزراء العراق، والفريق الركن محمد عبد القادر الشيشاني، وآخرون كثر.
وأضاف "أما في وقتنا الحالي، فالبعض منهم قادة في الجيش العراقي، والآخرون تقلّدوا مناصب في الوزارات، كمدراء عامين، ومنهم إعلاميون وسياسيون وشعراء".
توزيعهم في العراق
بحسب الشيشان والداغستان المتواجدين في العراق، ومنهم الناشط المدني محمد الفاتح محمد، الذي تحدث لـ"العربي الجديد"، فإن ثمة مناطق ومحافظات يتوزعون فيها داخل العراق من الشمال إلى الجنوب، فهناك تجمعات في البصرة وبغداد وكركوك والسليمانية وأربيل والموصل والأنبار، وفي محافظة ديالى قرية الحميدية المعروفة بـ"الزندان"، وقد أطلق عليها الحميدية نسبة إلى السلطان العثماني عبد الحميد، والتي أكمل تشييدها الشيشانيون والشركس عام 1880، كما شيدت أول مدرسة ابتدائية فيها عام 1974 والمركز الصحي 1963، وكلاهما على نفقة المرحوم شمس الدين خالص، مشيرا إلى أن العوائل القاطنة في القرية تتحدّر من عشائر معروفة في شمال القفقاس، كالأرشتغوي والغلغاي والنشغوي، ولهذه العائلات صلات حميمة وقوية ودائمة مع أقربائهم من الشركس والداغستان في البلدان المجاورة، وخاصة في الأردن، وكذلك هم على صلة بعوائل الشيشان في سورية. ومن أبرز شخصياتها: مراد آغا ومحمد عارف آغا وغوبا وصالح بيبرت.
وتابع: كما أن تواجد العوائل الشيشانية في شمال العراق كان بسبب أن معظمهم كانوا قادة في الجيش العثماني وانتشروا حسب مراكز الخدمة، إضافة إلى عمليات التهجير القسري. واندمجت هذه العوائل مع باقي المكونات القوقازية الوافدة إلى العراق (الداغستان والشركس)، حتى أصبح العراقيون يعتبرونهم مكوناً واحداً، فنلاحظ أن الشيشاني والشركسي والداغستاني يلقبون بالچيچان باللهجة المحلية أو الداغستان بسبب شيوع التسمية، كون معظم الأسماء البارزة في العراق تحمل تلك التسمية، نسبة إلى محمد فاضل باشا الداغستاني، والي بغداد ومفتش الجيش العثماني في العراق.
وتابع محمد "كما يقطن بعضهم قرى كردية، وهذا ما يجعلهم يتحدثون اللغة الكردية والتركمانية بحسب المنطقة التي يقطنونها، ومن هذه القرى ينكجة بابلان، في قضاء طوز خروماتو، قرية بيوكة الواقعة في منطقة برزنچة في محافظة السليمانية، ثم انتشروا منها إلى بقية القرى، قرية جارشلو في محافظة كركوك، وهناك من سكن بلدة الفلوجة في محافظة الأنبار، غرب العراق".
كما حافظ الشركس على توريث أكلة "الحلطمش" من جيل إلى آخر والتي يطبخونها في الأعياد والمناسبات السعيدة، وهي عبارة عن عجينة من الدقيق والماء كعجينة الخبز لكنها أكثر سماكة، ويتم صنع أصابع من تلك العجينة ومن ثم سلقها بماء اللحم أو الدجاج أو الكوارع، كما يمكن حشوها باللحم، وبعد نضجها يتم تقديمها مع الثوم المنقوع باللبن الحامض. ومن أجل الحفاظ على الروابط الأسرية والعادات والتقاليد والهوية الشيشانية، قام بعض من رجال الشيشان والداغستان في العراق بتأسيس أول جمعية مجتمع مدني خاصة بهم بعد عام 2003 وأطلقوا عليها اسم (جمعية التضامن الخيرية لعشائر الداغستان والشركس في العراق)، ومقرها في محافظة كركوك، إضافة إلى جمعية الخير الشيشـانية ـ الأنكوشـية ومقرها في محافظة ديالى، والجمعيتان تعملان في المجالات الاجتماعية والإنسانية والثقافية.
أما عن تجمعات أبناء القبيلة، فيقول الداغستاني: كان أبناء العشيرة يجتمعون أسبوعيا في قرية الحميدية (الزندان)، في بلدة المقدادية، ضمن محافظة ديالى، في ديوان بيت شيخ القبيلة سعد شمس الدين، لغاية سبتمبر/ أيلول من عام 2007، حيث هاجمت المليشيات القرية وأحرقت منازلها بما فيها من أمتعة، ولم يتسنَّ لسكانها إخراج شيء منها، بل خرجوا من قريتهم بملابسهم تاركين القرية تحترق بما فيها من بساتين ومنازل ومحال تجارية، ولم يتمكنوا من فعل شيء، ولم يعودوا إلى القرية حتى وقتنا الحاضر، بل قام بعضهم بالعودة إلى جمهوريتي الشيشان والداغستان في روسيا، والبعض الآخر نزحوا إلى باقي المحافظات العراقية، وخاصة إلى محافظة كركوك، داخل بلدة الحويجة، التي أصبحت مقرا لهم بعد تركهم قرية الحميدية.