لم تشهد السينما العراقية، خلال عام 2018، بوادر نهضة تنتشلها من حالة السكون الموضوعة فيها منذ أكثر من 3 عقود، رغم أنّ الأعوام التالية لـ2003 عرفت حراكًا سينمائيًا واضحًا، وإنْ لم يكن على مستوى الطموح، أو بحجم الإنتاج العربي على الأقلّ. فالسينما العراقية، كصناعة وفن، لا تزال تشكو من التهميش والإهمال من قِبل المؤسّسات الرسمية المعنية بها، ومن الجمهور أيضًا.
شباب كثيرون، خصوصًا خرّيجي الكليات والمعاهد السينمائية، ساهموا قدر المستطاع بدفع الإنتاج إلى الأمام، فشَغَلهم تحقيق الأفلام القصيرة بشكلٍ أساسي، عسى أن تنفع لاحقًا في إنتاج أفلام روائية طويلة، بعد اكتسابهم الخبرة والتمرين المطلوبين. وكذلك عبر مهرجانات تقيمها هذه الجهة أو تلك، وتُعرض فيها أفلام تتدخّل في إنتاجها وصناعتها الجهة المنظِّمة التي تريد تسويق أفكارها، أو منظّمات المجتمع المدني التي يهتمّ أصحابها بالفن، ويسعون إلى مقاومة الممنوع بتنظيم مهرجانات للأفلام القصيرة أو الوثائقية، يُقيمها فنانون هواة لا تمكنهم مجاراة سرعة خطوات صناعة السينما.
عام 2018، أنجزت أفلام عديدة، كانت غالبيتها ذات إنتاج مشترك. فبعد جهود مضنية لسينمائيين شباب، ينتمي معظمهم إلى "المركز الوطني المستقلّ للسينما"، أصبح مشروع "الصندوق الوطني للسينما" حقيقة، بعد أن كان حلم السينمائيين العراقيين، خصوصًا الشباب منهم، إذْ وافق مجلس الوزراء عليه، وأحيل إلى وزارة الثقافة لمباشرة تنفيذه. هذا يمنح السينمائيين العراقيين فرصة كبيرة لتمويل أفلامهم، وإقامة النشاطات السينمائية.
لكن الإنتاج السينمائي العراقي الخاصّ بالفيلم الروائي الطويل لا يزال شبه متوقّف في بغداد. ولولا الأفلام المُنتجة في إقليم كردستان، وبعض الإنتاجات المشتركة لسينمائيي المهجر، لما كان هناك فيلم روائي طويل واحد عام 2018، باستثناء محاولة بعنوان "أحبّيني" لجمال عبد جاسم، عرفت فشلاً جماهيريًا وفنيًا.
في العام نفسه، أنهى مهنّد حيال التحضيرات اللازمة لتحقيق فيلمه الجديد "شارع حيفا" الذي تدور أحداثه حول ما شهده هذا الشارع العراقي من أحداث دموية وحروب أهلية ومآسٍ عام 2006، عبر حكاية قنّاص يتربّص بالمارّة من أعلى عمارة فيه، ويقتل شابًا جاء ذات يوم لإعلان رغبته في الارتباط بشابّة تُقيم في المنزل المُقابل لتلك العمارة. مقتله يُطلق أحداث الفيلم.
اقــرأ أيضاً
أما بالنسبة إلى إقليم كردستان، فقد أنتجت 3 أفلام طويلة ذات مستوى فني متوسّط، كانت الحرب والإرهاب غير بعيدين عنها: "كولجين" للقمان غريب، و"بطل القرن" لجوان بامرني، و"تضحية" لرزكار حسين.
إلى ذلك، شارك "يارا" لعباس فاضل (عراقي مغترب إلى فرنسا) في الدورة الـ71 (1 ـ 10 أغسطس/ آب 2018) لـ"مهرجان لوكارنو السينمائي"، فكان الفيلم العربي الوحيد في المسابقة الرسمية، وهو إنتاج مشترك بين العراق ولبنان وفرنسا، تدور أحداثه حول شابة تعيش مع جدّتها في إحدى القرى. وقدّم الفيلم (تمثيل ميخا وهبي وإلياس فريفر وماري القادي) صورة للطبيعة الجبلية الجميلة التي لم تدنّسها التقنية الحديثة. لكن بطء الإيقاع أثّر عليه سلبًا.
بالإضافة إلى "تورن" للعراقي المغترب في ألمانيا نوزاد شيخاني، وهي تجربة تُعتبر الأنضج، تناول فيها مآسي الأيزيديين في العراق بأسلوب فني جميل، أثمر أكثر من 13 جائزة دولية.
وثائقيًا، برز "مرايا الشتات"، الذي يعود فيه مخرجه قاسم عبد إلى موضوعه الأثير: المنفى ومعاناته. لكنه، في جديده هذا، يتناول أثر الأعوام التي خلّفها الشتات على حيوات قريبة منه اختار أصحابها بعناية وقصد، في أماكن متفرقة من العالم. وإذا هَيْمَنَ موضوع المنفى والشتات على الأفلام الوثائقية كلّها لعبد، فإنه ـ وبانتباه ذكيّ ـ يعود إلى الموضوع نفسه الذي تناوله في فيلمه الأول "وسط حقول الذرة الغريبة" الذي أخرجه قبل أكثر من ربع قرن، مُصوّرًا فيه 7 فنانين عراقيين مهاجرين إلى بقاعٍ شتّى، وهم: جبر علوان وعفيفة لعيبي وكاظم الداخل وعلي عساف وفؤاد عزيز ورسمي الخفاجي وبالدين أحمد، مستعينًا حينها بكاميرا 16 م.، استعارها من صديق لمتابعة أعوامهم الأولى في الغربة، حيث مقاومة هذا البعد بالتكيّف مع قسوته ومتاعبه، يحدوهم الأمل في العودة الى أرضهم الأولى والعيش بحرية. ثم يعود إليهم، هم أنفسهم، في "مرايا الشتات"، وقد رسمت أعوام الشتات على وجوههم آثار الزمن، وخضّب رؤوسهم بياض التعب والخيبة، بعد أن طُعنت أرواحهم بسياط الغربة واليأس، فأصبحوا ينشدون وطنًا آخر في المنفى، يصنعونه من محنة الانتظار المُضني وتلاشي الأمل.
اقــرأ أيضاً
في مجال الفيلم الوثائقي القصير، برز "اسمي منذر" لعصام السراي، عن مخيمات النازحين ومعاناتهم؛ و"موت للحياة" لمحمد جوري، عن المأساة التاريخية في "سنجار" (مدينة في كردستان العراق) والجريمة التي ارتكبها تنظيم "الدولة الإسلامية (داعش)" بحقّ آلاف الأيزيديين.
ورغم إنتاج أكثر من 25 فيلمًا وثائقيًا قصيرًا، إلا أنّ هذه الأفلام كلّها لم تكن على المستوى المطلوب، بل مجرّد إضافة عددية فقط. والحال نفسه ينطبق على الأفلام الروائية القصيرة، إذْ تمّ إنجاز أكثر من 300 فيلم قصير عام 2018، توزّع صانعوها بين طلاب معاهد الفنون وكلياتها، والمؤسّسات الفنية، وبعضها حصيلة إنتاجات شخصية. لكن المميّز والجيّد منها قليل للغاية مقارنةً بحجم الإنتاج.
تمكن الإشارة هنا إلى "أحلام تحت الأنقاض" لمحمد خليل، الذي تدور أحداثه في ظل الحرب مع "داعش" من خلال قصة فتاة تهرب من المستشفى لتعيش طفولتها؛ و"الأنفاس الأخيرة" لمهند السوداني، وتدور أحداثه هو أيضًا في أجواء الحرب نفسها، مع التنبيه إلى مسألة "تفخيخ الأطفال"؛ و"حلاق" لحسن العزاوي، عن حلاّق يجمع الشعر المتساقط كي يصنع منه باروكة لابنه الذي يعاني مرضًا سرطانيًا؛ و"عبدالله وليلى" لعشتار الخرسان، عن أب يقاوم مرض "ألزهايمر" بالتواصل مع ابنته؛ و"لمسة" لستار الحربي، عن رجل معقّد يمارس عقده على الآخرين.
من الأفلام القصيرة الأخرى، هناك "نباح" لجمال أمين (مقيم في المملكة المتحدة)، الذي تُشرف عمليات المونتاج وتصحيح الألوان فيه على نهايتها: دراما اجتماعية تتناول العلاقات المتوترة بين أفراد العائلة الواحدة، ويحكي عن المشاكل التي يعانيها الجيل الثاني من المنفيين في أوروبا، ومدى التأثير السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي على الأسرة والأفراد عمومًا. هذا كلّه من خلال أب وابنه وابنته، يعيشون معًا تحت سقف واحد، بعد رحيل الأم. التقاطع في الأفكار يجعل أفراد هذه الأسرة في حالة صراخ دائم، يتحول عبر الدقائق إلى ما يشبه النباح.
شباب كثيرون، خصوصًا خرّيجي الكليات والمعاهد السينمائية، ساهموا قدر المستطاع بدفع الإنتاج إلى الأمام، فشَغَلهم تحقيق الأفلام القصيرة بشكلٍ أساسي، عسى أن تنفع لاحقًا في إنتاج أفلام روائية طويلة، بعد اكتسابهم الخبرة والتمرين المطلوبين. وكذلك عبر مهرجانات تقيمها هذه الجهة أو تلك، وتُعرض فيها أفلام تتدخّل في إنتاجها وصناعتها الجهة المنظِّمة التي تريد تسويق أفكارها، أو منظّمات المجتمع المدني التي يهتمّ أصحابها بالفن، ويسعون إلى مقاومة الممنوع بتنظيم مهرجانات للأفلام القصيرة أو الوثائقية، يُقيمها فنانون هواة لا تمكنهم مجاراة سرعة خطوات صناعة السينما.
عام 2018، أنجزت أفلام عديدة، كانت غالبيتها ذات إنتاج مشترك. فبعد جهود مضنية لسينمائيين شباب، ينتمي معظمهم إلى "المركز الوطني المستقلّ للسينما"، أصبح مشروع "الصندوق الوطني للسينما" حقيقة، بعد أن كان حلم السينمائيين العراقيين، خصوصًا الشباب منهم، إذْ وافق مجلس الوزراء عليه، وأحيل إلى وزارة الثقافة لمباشرة تنفيذه. هذا يمنح السينمائيين العراقيين فرصة كبيرة لتمويل أفلامهم، وإقامة النشاطات السينمائية.
لكن الإنتاج السينمائي العراقي الخاصّ بالفيلم الروائي الطويل لا يزال شبه متوقّف في بغداد. ولولا الأفلام المُنتجة في إقليم كردستان، وبعض الإنتاجات المشتركة لسينمائيي المهجر، لما كان هناك فيلم روائي طويل واحد عام 2018، باستثناء محاولة بعنوان "أحبّيني" لجمال عبد جاسم، عرفت فشلاً جماهيريًا وفنيًا.
في العام نفسه، أنهى مهنّد حيال التحضيرات اللازمة لتحقيق فيلمه الجديد "شارع حيفا" الذي تدور أحداثه حول ما شهده هذا الشارع العراقي من أحداث دموية وحروب أهلية ومآسٍ عام 2006، عبر حكاية قنّاص يتربّص بالمارّة من أعلى عمارة فيه، ويقتل شابًا جاء ذات يوم لإعلان رغبته في الارتباط بشابّة تُقيم في المنزل المُقابل لتلك العمارة. مقتله يُطلق أحداث الفيلم.
أما بالنسبة إلى إقليم كردستان، فقد أنتجت 3 أفلام طويلة ذات مستوى فني متوسّط، كانت الحرب والإرهاب غير بعيدين عنها: "كولجين" للقمان غريب، و"بطل القرن" لجوان بامرني، و"تضحية" لرزكار حسين.
إلى ذلك، شارك "يارا" لعباس فاضل (عراقي مغترب إلى فرنسا) في الدورة الـ71 (1 ـ 10 أغسطس/ آب 2018) لـ"مهرجان لوكارنو السينمائي"، فكان الفيلم العربي الوحيد في المسابقة الرسمية، وهو إنتاج مشترك بين العراق ولبنان وفرنسا، تدور أحداثه حول شابة تعيش مع جدّتها في إحدى القرى. وقدّم الفيلم (تمثيل ميخا وهبي وإلياس فريفر وماري القادي) صورة للطبيعة الجبلية الجميلة التي لم تدنّسها التقنية الحديثة. لكن بطء الإيقاع أثّر عليه سلبًا.
بالإضافة إلى "تورن" للعراقي المغترب في ألمانيا نوزاد شيخاني، وهي تجربة تُعتبر الأنضج، تناول فيها مآسي الأيزيديين في العراق بأسلوب فني جميل، أثمر أكثر من 13 جائزة دولية.
وثائقيًا، برز "مرايا الشتات"، الذي يعود فيه مخرجه قاسم عبد إلى موضوعه الأثير: المنفى ومعاناته. لكنه، في جديده هذا، يتناول أثر الأعوام التي خلّفها الشتات على حيوات قريبة منه اختار أصحابها بعناية وقصد، في أماكن متفرقة من العالم. وإذا هَيْمَنَ موضوع المنفى والشتات على الأفلام الوثائقية كلّها لعبد، فإنه ـ وبانتباه ذكيّ ـ يعود إلى الموضوع نفسه الذي تناوله في فيلمه الأول "وسط حقول الذرة الغريبة" الذي أخرجه قبل أكثر من ربع قرن، مُصوّرًا فيه 7 فنانين عراقيين مهاجرين إلى بقاعٍ شتّى، وهم: جبر علوان وعفيفة لعيبي وكاظم الداخل وعلي عساف وفؤاد عزيز ورسمي الخفاجي وبالدين أحمد، مستعينًا حينها بكاميرا 16 م.، استعارها من صديق لمتابعة أعوامهم الأولى في الغربة، حيث مقاومة هذا البعد بالتكيّف مع قسوته ومتاعبه، يحدوهم الأمل في العودة الى أرضهم الأولى والعيش بحرية. ثم يعود إليهم، هم أنفسهم، في "مرايا الشتات"، وقد رسمت أعوام الشتات على وجوههم آثار الزمن، وخضّب رؤوسهم بياض التعب والخيبة، بعد أن طُعنت أرواحهم بسياط الغربة واليأس، فأصبحوا ينشدون وطنًا آخر في المنفى، يصنعونه من محنة الانتظار المُضني وتلاشي الأمل.
في مجال الفيلم الوثائقي القصير، برز "اسمي منذر" لعصام السراي، عن مخيمات النازحين ومعاناتهم؛ و"موت للحياة" لمحمد جوري، عن المأساة التاريخية في "سنجار" (مدينة في كردستان العراق) والجريمة التي ارتكبها تنظيم "الدولة الإسلامية (داعش)" بحقّ آلاف الأيزيديين.
ورغم إنتاج أكثر من 25 فيلمًا وثائقيًا قصيرًا، إلا أنّ هذه الأفلام كلّها لم تكن على المستوى المطلوب، بل مجرّد إضافة عددية فقط. والحال نفسه ينطبق على الأفلام الروائية القصيرة، إذْ تمّ إنجاز أكثر من 300 فيلم قصير عام 2018، توزّع صانعوها بين طلاب معاهد الفنون وكلياتها، والمؤسّسات الفنية، وبعضها حصيلة إنتاجات شخصية. لكن المميّز والجيّد منها قليل للغاية مقارنةً بحجم الإنتاج.
تمكن الإشارة هنا إلى "أحلام تحت الأنقاض" لمحمد خليل، الذي تدور أحداثه في ظل الحرب مع "داعش" من خلال قصة فتاة تهرب من المستشفى لتعيش طفولتها؛ و"الأنفاس الأخيرة" لمهند السوداني، وتدور أحداثه هو أيضًا في أجواء الحرب نفسها، مع التنبيه إلى مسألة "تفخيخ الأطفال"؛ و"حلاق" لحسن العزاوي، عن حلاّق يجمع الشعر المتساقط كي يصنع منه باروكة لابنه الذي يعاني مرضًا سرطانيًا؛ و"عبدالله وليلى" لعشتار الخرسان، عن أب يقاوم مرض "ألزهايمر" بالتواصل مع ابنته؛ و"لمسة" لستار الحربي، عن رجل معقّد يمارس عقده على الآخرين.
من الأفلام القصيرة الأخرى، هناك "نباح" لجمال أمين (مقيم في المملكة المتحدة)، الذي تُشرف عمليات المونتاج وتصحيح الألوان فيه على نهايتها: دراما اجتماعية تتناول العلاقات المتوترة بين أفراد العائلة الواحدة، ويحكي عن المشاكل التي يعانيها الجيل الثاني من المنفيين في أوروبا، ومدى التأثير السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي على الأسرة والأفراد عمومًا. هذا كلّه من خلال أب وابنه وابنته، يعيشون معًا تحت سقف واحد، بعد رحيل الأم. التقاطع في الأفكار يجعل أفراد هذه الأسرة في حالة صراخ دائم، يتحول عبر الدقائق إلى ما يشبه النباح.