رغم أن الأفلام المختارة للمسابقة الرسمية الخاصّة بالدورة الـ71 (8 ـ 19 مايو/ أيار 2018) لمهرجان "كانّ" السينمائي غير معروضة سابقًا، إلاّ أن المروي عن مواضيعها دافع إلى حماسة الانتظار والمُشاهدة. مخرجون معروفون يعودون إلى المسابقة، وآخرون يُشاركون فيها للمرّة الأولى. التنافس على "السعفة الذهبية" لن يكون سهلاً أو مريحًا، لكن الاهتمام الفعلي سيبقى معنيًّا بالمُشاهدة.
21 فيلمًا تُعرض للمرة الأولى دوليًا في 10 أيام متتالية. اثنان منها عربيان: "يوم الدين" للمصري أبو بكر شوقي، و"كفرناحوم" للّبنانية نادين لبكي. المُنتظر؟ أكثر من عنوان. الأبرز: جان ـ لوك غودار. سينمائي إشكالي يُثير، بأفلامه وتاريخه واختباراته، سجالات كثيرة ومهمّة. يأتي هذا العام بجديده: "كتاب الصُورة". التوثيق المعتَمد في اشتغالات غودار يخرج على كلّ مألوف في صناعة الوثائقي، وعلى كل تجديد في لغته. في جديده، يختار صُورًا ليروي وقائع يعيشها العالم العربي في الأعوام الأخيرة. لن يكون الأمر جديدًا بالنسبة إلى المخرج السويسري الفرنسي. علاقته بالجغرافيا العربية قديمة. له، بخصوص فلسطين، مواقف وأعمال لن يستسيغها محتلّوها، لكنها تُشكِّل مساحة غنيّة بالمعطيات عن عيشٍ وتاريخ وصدام.
المعلومات شحيحة. غير أن لجان ـ لوك غودار نفسه تعريفًا بجديده: فيلمٌ من 6 أجزاء، تُشكِّل الأجزاء الـ5 الأولى منه "مقدّمة طويلة للغاية، تمامًا كما لو أننا قبل النظر إلى اليد نرى أصابعها الـ5 بشكل منفصل"؛ في حين أن الجزء الـ6 "نوعٌ من الخرافة"، يتعلّق بـ"ثورة كاذبة" يصنعها زعيم بلد متخيِّل. مع غودار، تنعدم الحدود الفاصلة بين الأنواع السينمائية، وبين الحياة والمتخيّل، وبين الواقع والتاريخ والتحوّلات، من أجل سينما مختلفة.
غليان الراهن في عالم اليوم حاضرٌ أيضًا في "كانّ 2018". عنف "تنظيم الدولة الإسلامية" ماثلٌ في يوميات كثيرين، ودافعٌ للفرنسية إيفا هوسّون إلى مقاربته سينمائيًا في "فتيات الشمس": الصحافية الفرنسية ماتيلد (إيمانويل بيركو) ترافق مقاتلات كرديات، بقيادة الشابّة باهار (غولشفته فرهاني)، يتصدّين لرجال التنظيم، لتحرير بلدتها من احتلالهم إياها. بينما الإيراني جعفر باناهي يُقدِّم "3 وجوه": ممثلة تستلم شريط فيديو لامرأة تطلب منها العون والمساعدة على خلاصٍ من مأزق خطر، فتتصل الممثلة بالسينمائي المعروف، لارتباكها إزاء إمكانية أن يكون الشريط "مُلفّقًا" لغايات أمنية. يُقرّر باناهي والممثلة التوجّه إلى قرية المرأة للتأكّد من الخبر.
نوعان من العنف يُحدّدان المناخ الدرامي العام: مبطّن ومباشر. في "دوغمان" للإيطالي ماتّيو غارّوني، هناك انتقام وحشي يقوم به مارسيلو بعد غوصه التدريجي في عالم الجريمة والمخدرات، إثر اكتشافه حجم الخيانات والتخلّي في دائرة محصورة بعنف يومي متنوّع.
هذا جزءٌ من لائحة طويلة تعد بمشاهدات مثيرة لسجالات منبثقة من أحوال عالمٍ يتغيّر سلبًا، ويقع في مساحات عنف قاسٍ ومختلف.