تبدو الأزمة في السودان متجهة إلى حالة من انغلاق الأفق أمام أي حل، فالمعارضة لا تزال ترفض أي مفاوضات مع المجلس العسكري الانتقالي قبل تنفيذ شروطها، وأهمها التحقيق في مجزرة فض الاعتصام أمام مقر قيادة الجيش في الخرطوم، يوم الإثنين الماضي، والتي راح ضحيتها أكثر من مائة قتيل، وذلك بالتوازي مع استمرارها في تصعيد حراكها في الشارع عبر العصيان المدني والتلويح بخطوات أخرى. في المقابل، لا يبدو المجلس العسكري مستعداً للتجاوب مع شروط المعارضة، بل يبقى رهانه قائماً على إرهابها عبر العنف، وعلى سياسة النفس الطويل. وعلى الرغم من أن المجلس قام، أمس، بإطلاق سراح ثلاثة من قادة الحركة الشعبية - قطاع الشمال، كان قد اعتقلهم سابقاً، إلا أن المعارضة لا تزال تصر على إطلاق سراح كل المعتقلين.
وفي اليوم الثاني من العصيان المدني، عاشت الخرطوم، أمس، حالة شلل شبه تام، على الرغم من أن نسبة الالتزام بالعصيان كانت أقل من أول يوم، أي الأحد. وأفاد مراسل "العربي الجديد" بإغلاق تام لمعظم المحال التجارية في العاصمة، والصيدليات، فيما بدت الحركة في شوارع الخرطوم صباح أمس أكثر مما كانت عليه الأحد، مع انتشار أمني كثيف في العاصمة. جاء ذلك وسط استمرار نصب الحواجز من قبل معتصمين في أحياء العاصمة ومحاولات قوات الأمن إزالتها، فيما شوهدت طوابير طويلة أمام المخابز بسبب أزمة الخبز، إضافة إلى توافد مواطنين إلى منطقة السوق العربي لشراء حاجاتهم، نتيجة إغلاق المحلات التجارية. وقامت القوى الأمنية بفتح الطريق أمام مقر القيادة العامة بعد "تنظيف" موقع الاعتصام تماماً.
وفي بيان له فجر أمس، الإثنين، قال "تجمع المهنيين السودانيين"، أحد أبرز مكونات المعارضة السودانية، إن العصيان المدني الشامل سيستمر "من دون تراجع حتى إسقاط مجلس القتلة والمجرمين ومليشيات الجنجويد، ونقل مقاليد الحكم إلى سلطة مدنية انتقالية". وأضاف التجمع أن نجاح العصيان "إعلانٌ شعبي عن الرفض التام للمجلس العسكري الانقلابي ومليشياته المجرمة، والتي ما زالت تُمارس القتل المجاني، بل وتجاوزت كل القيم والأخلاق والأعراف بإطلاق الرصاص على مواكب تشييع الشهداء الذين اغتالتهم (أمس) الأحد، مع سبق الإصرار والترصد". وكان قد قُتل الأحد 4 أشخاص برصاص قوات الأمن التابعة للمجلس العسكري في السودان، رداً على محاولتهم وضع متاريس في الخرطوم ومدينة أم درمان، استجابة لدعوات "قوى الحرية والتغيير" لتنفيذ عصيان مدني.
في المقابل، أصدر المجلس العسكري بياناً، مساء الأحد، حمّل فيه "قوى الحرية والتغيير" "المسؤولية الكاملة عن كلّ الأحداث المؤسفة التي تسببت فيها الممارسات غير الرشيدة التي تقوم بها ما تسمّى بلجان المقاومة بالأحياء". وقرّر المجلس العسكري، "تعزيز الوجود الأمني للقوات المسلحة وقوات الدعم السريع والقوات النظامية الأخرى لإعادة الحياة إلى طبيعتها وتأمين المواطنين العزّل وفتح الطرق وتسهيل حركة الناس وحركة المركبات العامة والخاصة وحراسة المرافق الاستراتيجية والأسواق"، بحسب ما جاء في بيانه.
اقــرأ أيضاً
هذه الأجواء تغلق أي أبواب أمام الوساطة، مع تأكيد المعارضة أن التفاوض متوقف بشكل كامل مع المجلس العسكري. وقال القيادي في "قوى الحرية والتغيير" أحمد الربيع، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "الحرية والتغيير" ستواصل التصعيد تجاه المجلس بكافة السبل، ولديها خطوات أخرى تصعيدية سلمية، رفض الكشف عنها في الوقت الراهن. ولفت إلى أن العصيان الذي تم تنفيذه أمس الأول الأحد، نجح بنسبة كبيرة جداً وشلّ الحركة تماماً في الخرطوم ومدن أخرى، مشيراً إلى أنهم سيحددون نسبة نجاح اليوم الثاني بعد وصول التقارير إليهم في نهاية يوم الإثنين (أمس). وشدد على أن غالبية القطاعات المهنية استجابت لدعوة العصيان والتي وجدت أيضاً استجابة شعبية واسعة، موضحاً أن "قوى الحرية والتغيير" استطاعت إيصال رسالتها عبر العصيان للمجلس العسكري المُطالَب بتسليم السلطة لحكومة مدنية بأسرع ما يكون.
وحول مصير الوساطة الإثيوبية التي يقودها رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، ذكر الربيع أن المفاوضات المباشرة متوقفة تماماً مع المجلس العسكري، لافتاً إلى أن "قوى الحرية والتغيير" في انتظار رد المجلس على مطالبها لتهيئة الأجواء للحوار، والمتمثلة في تحمّل المجلس مسؤولية مجزرة فض الاعتصام أمام مقر الجيش في الخرطوم، والتحقيق الدولي في تلك المجزرة، وإطلاق سراح المعتقلين وإعادة الإنترنت، إضافة إلى إتاحة حرية الاعلام، مؤكداً أنه لا تفاوض من دون تنفيذ تلك المطالب.
ورحب الربيع، بإطلاق سراح قيادات الحركة الشعبية-قطاع الشمال، ياسر عرمان، وإسماعيل خميس جلاب، ومبارك أردول، قائلاً إن ذلك حقهم الطبيعي، لكنه شدد على ضرورة إطلاق سراح جميع المعتقلين الآخرين، خصوصاً الموظفين في شركة الكهرباء والطيران المدني والمصارف، الذين احتُجزوا عقاباً لهم من المجلس العسكري على مشاركتهم في العصيان المدني.
من جهته، أكد القيادي في الحزب الشيوعي السوداني، صديق يوسف، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن نسبة نجاح العصيان وصلت إلى 90 في المائة، لكنه استبعد في الوقت نفسه أن تؤدي تلك النتيجة إلى تنازلات من جانب المجلس العسكري، الذي قال إنه "لا يزال مصراً على عجرفته واستخدامه العنف تجاه السودانيين، ولا تزال سياراته العسكرية تجوب الشوارع لإرهاب المواطنين اعتقاداً منهم بأن ذلك يمكن أن يبقيهم في السلطة بقوة السلاح". وأضاف يوسف أن المعارضة متمسكة باستخدام كافة الوسائل المدنية لإسقاط المجلس العسكري بما في ذلك الاستمرار في العصيان والإضراب العام والتظاهرات، مشيراً إلى أن "لا أمل في الوساطة الإثيوبية التي رفضها المجلس العسكري من خلال تصرفاته اللاحقة".
مقابل ذلك، ترى أطراف أخرى أن العودة للحوار شرط ضروري لحل المأزق القائم في السودان. وفي هذا السياق، أشاد النائب السابق عن كتلة المستقلين، أحمد صباح الخير، بوسيلة العصيان المدني كوسيلة متحضرة وسلمية، لكنه قدّر نسبة نجاح العصيان بأنها تزيد على الخمسين في المائة بقليل. وأضاف في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الحل للأزمة السودانية لن يكون إلا بالعودة للحوار بدلاً من الشد الدائر حالياً، داعياً المجلس العسكري و"قوى الحرية والتغيير" لتقديم التنازلات المطلوبة، خصوصاً الحد من مظاهر الانتشار الأمني في العاصمة وبقية المدن، لما يسببه ذلك من رعب لدى المواطنين.
من جهته، رأى الصحافي أحمد حمدان أن العصيان نجح إلى حد بعيد، غير أنه استبعد أن يكون له تأثير على قرارات المجلس العسكري ومواقفه التفاوضية إلا إذا أثر بصورة أكبر على سير العمل في الدولة. وأضاف في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "قوى الحرية والتغيير" ستجد نفسها خلال الأيام المقبلة بحاجة إلى تطوير أدواتها السلمية بالعودة للتظاهرات والمواكب وزيادة المتاريس، موضحاً أن المجلس العسكري سيظل في رهانه على سياسة النفس الطويل وإرهاب قوى المعارضة.
في سياق آخر، أطلقت السلطات السودانية، أمس، سراح نائب رئيس الحركة الشعبية - قطاع الشمال ياسر عرمان، والأمين العام للحركة إسماعيل خميس جلاب، والمتحدث باسمها مبارك أردول. وقال مسؤول في الحركة طلب عدم ذكر اسمه، لوكالة "رويترز"، إن الثلاثة رُحّلوا على متن طائرة إلى جوبا، عاصمة جنوب السودان، عقب إطلاق سراحهم.
وفي اليوم الثاني من العصيان المدني، عاشت الخرطوم، أمس، حالة شلل شبه تام، على الرغم من أن نسبة الالتزام بالعصيان كانت أقل من أول يوم، أي الأحد. وأفاد مراسل "العربي الجديد" بإغلاق تام لمعظم المحال التجارية في العاصمة، والصيدليات، فيما بدت الحركة في شوارع الخرطوم صباح أمس أكثر مما كانت عليه الأحد، مع انتشار أمني كثيف في العاصمة. جاء ذلك وسط استمرار نصب الحواجز من قبل معتصمين في أحياء العاصمة ومحاولات قوات الأمن إزالتها، فيما شوهدت طوابير طويلة أمام المخابز بسبب أزمة الخبز، إضافة إلى توافد مواطنين إلى منطقة السوق العربي لشراء حاجاتهم، نتيجة إغلاق المحلات التجارية. وقامت القوى الأمنية بفتح الطريق أمام مقر القيادة العامة بعد "تنظيف" موقع الاعتصام تماماً.
في المقابل، أصدر المجلس العسكري بياناً، مساء الأحد، حمّل فيه "قوى الحرية والتغيير" "المسؤولية الكاملة عن كلّ الأحداث المؤسفة التي تسببت فيها الممارسات غير الرشيدة التي تقوم بها ما تسمّى بلجان المقاومة بالأحياء". وقرّر المجلس العسكري، "تعزيز الوجود الأمني للقوات المسلحة وقوات الدعم السريع والقوات النظامية الأخرى لإعادة الحياة إلى طبيعتها وتأمين المواطنين العزّل وفتح الطرق وتسهيل حركة الناس وحركة المركبات العامة والخاصة وحراسة المرافق الاستراتيجية والأسواق"، بحسب ما جاء في بيانه.
هذه الأجواء تغلق أي أبواب أمام الوساطة، مع تأكيد المعارضة أن التفاوض متوقف بشكل كامل مع المجلس العسكري. وقال القيادي في "قوى الحرية والتغيير" أحمد الربيع، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "الحرية والتغيير" ستواصل التصعيد تجاه المجلس بكافة السبل، ولديها خطوات أخرى تصعيدية سلمية، رفض الكشف عنها في الوقت الراهن. ولفت إلى أن العصيان الذي تم تنفيذه أمس الأول الأحد، نجح بنسبة كبيرة جداً وشلّ الحركة تماماً في الخرطوم ومدن أخرى، مشيراً إلى أنهم سيحددون نسبة نجاح اليوم الثاني بعد وصول التقارير إليهم في نهاية يوم الإثنين (أمس). وشدد على أن غالبية القطاعات المهنية استجابت لدعوة العصيان والتي وجدت أيضاً استجابة شعبية واسعة، موضحاً أن "قوى الحرية والتغيير" استطاعت إيصال رسالتها عبر العصيان للمجلس العسكري المُطالَب بتسليم السلطة لحكومة مدنية بأسرع ما يكون.
وحول مصير الوساطة الإثيوبية التي يقودها رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، ذكر الربيع أن المفاوضات المباشرة متوقفة تماماً مع المجلس العسكري، لافتاً إلى أن "قوى الحرية والتغيير" في انتظار رد المجلس على مطالبها لتهيئة الأجواء للحوار، والمتمثلة في تحمّل المجلس مسؤولية مجزرة فض الاعتصام أمام مقر الجيش في الخرطوم، والتحقيق الدولي في تلك المجزرة، وإطلاق سراح المعتقلين وإعادة الإنترنت، إضافة إلى إتاحة حرية الاعلام، مؤكداً أنه لا تفاوض من دون تنفيذ تلك المطالب.
ورحب الربيع، بإطلاق سراح قيادات الحركة الشعبية-قطاع الشمال، ياسر عرمان، وإسماعيل خميس جلاب، ومبارك أردول، قائلاً إن ذلك حقهم الطبيعي، لكنه شدد على ضرورة إطلاق سراح جميع المعتقلين الآخرين، خصوصاً الموظفين في شركة الكهرباء والطيران المدني والمصارف، الذين احتُجزوا عقاباً لهم من المجلس العسكري على مشاركتهم في العصيان المدني.
من جهته، أكد القيادي في الحزب الشيوعي السوداني، صديق يوسف، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن نسبة نجاح العصيان وصلت إلى 90 في المائة، لكنه استبعد في الوقت نفسه أن تؤدي تلك النتيجة إلى تنازلات من جانب المجلس العسكري، الذي قال إنه "لا يزال مصراً على عجرفته واستخدامه العنف تجاه السودانيين، ولا تزال سياراته العسكرية تجوب الشوارع لإرهاب المواطنين اعتقاداً منهم بأن ذلك يمكن أن يبقيهم في السلطة بقوة السلاح". وأضاف يوسف أن المعارضة متمسكة باستخدام كافة الوسائل المدنية لإسقاط المجلس العسكري بما في ذلك الاستمرار في العصيان والإضراب العام والتظاهرات، مشيراً إلى أن "لا أمل في الوساطة الإثيوبية التي رفضها المجلس العسكري من خلال تصرفاته اللاحقة".
من جهته، رأى الصحافي أحمد حمدان أن العصيان نجح إلى حد بعيد، غير أنه استبعد أن يكون له تأثير على قرارات المجلس العسكري ومواقفه التفاوضية إلا إذا أثر بصورة أكبر على سير العمل في الدولة. وأضاف في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "قوى الحرية والتغيير" ستجد نفسها خلال الأيام المقبلة بحاجة إلى تطوير أدواتها السلمية بالعودة للتظاهرات والمواكب وزيادة المتاريس، موضحاً أن المجلس العسكري سيظل في رهانه على سياسة النفس الطويل وإرهاب قوى المعارضة.
في سياق آخر، أطلقت السلطات السودانية، أمس، سراح نائب رئيس الحركة الشعبية - قطاع الشمال ياسر عرمان، والأمين العام للحركة إسماعيل خميس جلاب، والمتحدث باسمها مبارك أردول. وقال مسؤول في الحركة طلب عدم ذكر اسمه، لوكالة "رويترز"، إن الثلاثة رُحّلوا على متن طائرة إلى جوبا، عاصمة جنوب السودان، عقب إطلاق سراحهم.