يبحث المواطن الأفغاني، محمد ماجد، عن منحة دراسية في القانون، منذ فترة طويلة، بعد أن صدق شهاداته الجامعية، من نائب في البرلمان الأفغاني، عله يوفق في محاولته للسفر خارج البلاد ودراسة القانون.
"ليست هذه هي المرة الأولى، التي أتقدم فيها للحصول على منحة دراسية" هكذا ابتدر محمد حديثه بينما كان يرتب أوراقه أمام وزارة التعليم العالي، متابعا في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد": "تعبت من الروتين الممل والطويل، فيما يحصل أبناء الأثرياء، وكل من يدفع مبالغ ضخمة عبر سماسرة، يقفون أمام وزارة التعليم، ويتواجدون في أسواق العاصمة والمدن الرئيسية، على المنح بكل بساطة وسهولة".
محمد ماجد ليس الطالب الأفغاني الوحيد، الذي يشكو من فساد في توزيع المنح الدراسية، وبيعها، إذ تخرج أحمد مجيد قبل عامين، في كلية القانون والشريعة في إحدى الجامعات الأفغانية، وعلى الرغم من كونه من أوائل المتقدمين إلى المنح الدراسية بمجرد الإعلان عنها، وتوثيق الأوراق المطلوبة من أعضاء في البرلمان، إلا أنه لم يحظ حتى الآن بأية فرصة، مُحَمِّلاً الفساد سبب حرمانه من المنح.
يقول مجيد لـ"العربي الجديد":"الفساد في قطاع التعليم في أفغانستان كبير جدا. الحكومة الأفغانية الحالية اعترفت أن نحو ألف مدرسة أفغانية تصرف رواتبها ومصاريفها شهريا، على مدى خمس سنوات مضت، لا وجود لها على أرض الواقع، فما بالك بقطاع المنح الدراسية؟".
طرق توزيع المنح الدراسية في أفغانستان
يحصل الطلاب الأفغان على مئات المنح الدراسية سنويا، في مجالات الدراسات العليا (بكالوريوس، ماجستير، دكتواره). تستلم وزارة التعليم العالي تلك المنح، وتوزعها على الطلاب. ولكن بعض الدول المانحة توزع الفرص الدراسية الممنوحة، من خلال السفارات المعتمدة لها في العاصمة الأفغانية كابول، كما ترسل دول باكستان وإيران والهند وروسيا، المنح الدراسية إلى أمراء الحرب المقربين لها، بحسب تصريح مصدر رفيع المستوى في وزارة التعليم العالي الأفغانية لـ"العربي الجديد".
يؤكد المصدر، لــ"العربي الجديد" أن وزارة التعليم العالي الأفغانية، ناقشت مرارا القضية مع تلك الدول (باكستان وإيران والهند وروسيا)، بغية تغيير تلك السياسة، غير أن تلك الدول مصرة على توزيع المنح الدراسية بين السفارات، ووزارة التعليم، وأمراء الحرب.
اقرأ أيضاً : أكاديميون وهميون في السعوديّة
السماسرة يبيعون المنح
رصد كاتب التحقيق، أمام وزارة التعليم العالي، والخارجية، وبالقرب من السفارات الأجنبية، عدداً من السماسرة والوسطاء، الذين يقبلون عليك بمجرد دخولك إلى وزارة التعليم العالي، والإدارة المعنية بالمنح الدراسية.
أحد هؤلاء السماسرة، رفض ذكر اسمه، يبرر ما يفعلونه بأن أبناء كبار المسؤولين في الحكومة، أو الوزارة، وأقارب نواب البرلمان، يحصدون المنح الدراسية كلها، فيما يعمل الوسطاء على توفير المنح للجميع عبر مبالغ بسيطة على حد قوله.
لكن محمد شفيع، خريج المرحلة الثانوية في إقليم ننجرهار شرقي البلاد، يرفض ما قاله سمسار المنح، لـ"العربي الجديد"، قائلا "توجهت إلى وزارة التعليم العالي، للسؤال عن إجراءات الحصول على منحة دراسية في أوروبا أو الهند. نصحني صديق بالتوجه إلى أحد السماسرة المتواجدين أمام الوزارة، بدلا من تضييع الوقت، لكن فوجئت بطلب السمسار مبلغ 12 ألف دولار أميركي حتى يسهل لي الأمر، بالطبع لا تملك أسرتي هذا المال".
على العكس من حالة محمد شفيع، فإن محمد آغا، تاجر في مدينة جلال أباد شرقي، ووالد الطالب أحمد، نجح في الحصول على منحة لابنه في الهند، عبر أحد السماسرة. يقول: "السماسرة لهم علاقة مباشرة بالمسؤولين في وزارة التعليم العالي والسفارات الأجنبية. المنح الدراسية في الدول الأوروبية قيمتها تترواح بين 7000 دولار أميركي إلى 10000 دولار أميركي، بينما قيمة المنح الدراسية في الهند بين 2500 دولار إلى 3500 دولار، أما باكستان وتركيا فقيمة المنح الدراسية فيها حسب التوافق بين الطرفين".
اقرأ أيضاً : تزييف الشهادات الجامعية.. تجارة الوجاهة الاجتماعية في السعودية
السفارات الأجنبية
رغم مطالبة الحكومة الأفغانية المتكررة بتوزيع المنح الدرسية عبر وزارة التعليم العالي فحسب، إلا أن السفارات الأجنبية تصر على توزيع المنح الدراسية عبر الوزارة والسفارة معا، وهو ما أضر بعابد، أحد خريجي الثانوية، الراغبين في الحصول على منحة دراسية، إذ سعى عدة مرات إلى نيل منحة دراسية عبر السفارة الهندية، لكن لم يحصل على مبتغاه، لعدم تمكنه من تصديق أوراقه من أعضاء البرلمان المعتمدين لدى سفارة الهند في أفغانستان.
يقول عابد: "أبلغني مندوب أحدهم أن عليّ دفع 3000 دولار حتى أنال المنحة، لكن فقر أسرتي حال بيني وبين تحقيق حلمي".
أمراء الحرب
قبل أشهر حذر محمد عثمان بابري، نائب وزير التعليم الأفغاني، في خطاب له أمام البرلمان من أن بعض دول المنطقة تعطي المنح الدراسية لأمراء الحرب وذوي السلطة المقربين لديها، الأمر الذي يتسبب في مشاكل بين الأفغان. وأكد بابري أن الحكومة تحدثت مرارا مع كل من سفارة باكستان والهند وروسيا، وطالبتها بعدم توزيع المنح الدراسية عبر أمراء الحرب وأصحاب السلطة في البلاد. بيد أن تلك السفارات رفضت مطلب الحكومة، وذلك بالرغم من أن الرئيس الأفغاني السابق، حامد كرزاي، طلب من جميع الدول مرارا وتكرارا التعامل مع وزارة التعليم العالي بهذا الخصوص، وليس الأشخاص.
حديث بابري يوافق ما وثقه كاتب التحقيق من إرسال قيادي في جبهة الشمال (تحتفظ "العربي الجديد" باسمه)، عددا كبيرا من الطلبة إلى باكستان، معظمهم ينتمون إلى حزبه أو من أفراد عائلته.
لا تتوقف ظاهرة بيع المنح الدراسية على الداخل الأفغاني، إذ وثق كاتب التحقيق حادثة وقعت في سوق بورد بازار في مدينة بشاور الباكستانية. في السوق كان أحد السماسرة ويُعرَف باسم وسيم يعمل على بيع المنح الدراسية للطلاب الأفغان اللاجئين. باع السمسار 70 منحة دراسية إلى الطلاب الأفغان المتواجدين في باكستان، في حين أن الحكومة الأفغانية أرسلت قائمة الطلاب المستحقين للمنح من كابل إلى وزارة التعليم الباكستاني، مما أدى إلى تضارب في الطلاب المستحقين للمنح، وطرد الطلاب كلهم كما روى أحدهم لـ"العربي الجديد"، فيما اختفى سمسمار المنح تماما، بعد جمع مبلغ كبير من المال.
آثار بيع المنح الدراسية
بسبب بيع المنح الدراسية تضيع فرصة التعليم على مئات الطلاب الأفغان المستحقين للدراسة في الخارج، إذ كشف مصدر مطلع من وزارة التعليم العالي لـ"العربي الجديد": أن "وازرة التعليم العالي في أفغانستان أرسلت قبل ثلاثة أعوام نحو ستين طالبا إلى جامعات مختلفة في باكستان، وخلال ثلاثة أعوام ماضية غادر أكثر من أربعين طالبا الدارسة، إذ أن معظمهم حصلوا على المنح الدراسية مقابل المال، وغير قادرين على مواصلة الدارسة".