في مثل هذا الوقت من كل عام تتزايد الأعراس في غزّة، وذلك استباقاً لفصل الشتاء وتزامناً مع عيد الأضحى. لكن الأمر يبدو مختلفاً تماماً في هذه الأيام، نتيجة ما خلّفه العدوان الإسرائيلي الأخير من حزن في نفوس أهالي القطاع.
وكان أهالي غزّة قد اعتادوا أن تكون أعراس أبنائهم صاخبة، وتستمرّ لأيام عدّة. لكنها اليوم تحوّلت أعراساً صامتة، كما لو أنهم مضطرون إلى الاحتفال بها، بعدما حجزوا قبل أشهر الصالات ولم يعد من الممكن التأجيل.
عادل (تحفّظ عن ذكر اسم شهرته) يبلغ من العمر 28 عاماً، وقد تزوّج قبل أيام بدون ضجة. حتى أنه لم يوجّه دعوات إلى معظم أصدقائه. ويقول إنه أمر لم يتخيّل حدوثه يوماً، هو الذي كان يعدّ منذ عام كامل لحفل زفاف مشهود.
يضيف: "لو كان الأمر بيدي، لأجّلت زفافي إلى العام المقبل. لكن ذلك غير ممكن. ويتابع بغصّة: "كلّ ما خططت له لم يُنفّذ، ومرّ الحفل بهدوء".
أسباب عديدة دفعت عادل إلى تقليص دائرة المدعوّين للمشاركة في "يوم العمر"، وإلى الاستعاضة عن الموسيقى الصاخبة بالأناشيد الوطنيّة. فأحد عشر شخصاً من أقربائه استشهدوا خلال الحرب الأخيرة، فضلاً عن عشرات من جيرانه وأقارب زوجته.
يقول: "لم يعد للفرحة أي طعم في غزّة بعد ما جرى خلال العدوان الأخير على غزة. من العبث الإفراط في الفرح في حين أن الجروح لم تندمل بعد". ويضيف: "كثيرون من الأهالي ما زالوا يعيشون في العراء، وذكريات عائلات استشهدت بأكملها تحت القصف ما زالت حاضرة".
من جهته، يستعدّ سمير النجار لحفل زفافه المقرّر. ففي الأسبوع المقبل، يتزوّج الشاب الثلاثيني الذي يقطن في بلدة خزاعة. هو يعترف بأن شعوراً غريباً يسيطر عليه هذه الأيام، لدرجة أنه يشعر بارتكاب "جرم" لمجرّد أنه سيتزوّج.
يقول النجار: "عقدت قراني قبل تسعة أشهر. واتفقت مع خطيبتي على الزواج قبل نهاية العام الحالي. لدي التزامات وارتباطات عديدة تجعلني مضطراً إلى إقامة حفل الزفاف، على الرغم من أن البلدة التي أعيش فيها لم تستفق بعد من أهوال الحرب الأخيرة، ولم تجف دماء أبنائها بعد".
أسوة بشقيقَيه، كان النجار يخطّط لحفل زفاف صاخب يستمرّ لثلاثة أيام كما هي عادة بعض الغزيّين. لكن ما حدث في البلدة وفي غزّة عموماً، دفعه إلى تغيير خطّته. بالتالي سيقتصر الحفل على "زفة" عاديّة بدون موسيقى، احتراماً لمشاعر الأقارب والجيران الذين فقدوا أبناءهم ومنازلهم".
الفدعوس إلى العطالة
التغيير الذي طرأ على أعراس الغزيّين، وإن وجد احتراماً وتقديراً من قبل معظم الأهالي، إلا أن ثمّة من تضرّر منه. ومن بين المتضرّرين، القائمون على ما يُعرف محلياً بفرق "فدعوس". وهي فرق تضمّ مجموعة من الشبان الذين يعزفون الموسيقى الصاخبة على الطبول والمزامير وغيرها، ويزفّون العروسَين إلى صالة الفرح.
بحسب ما جرت العادة، ينتظر مهنّد الشيخ وزملاؤه موسم حفلات الزواج بشغف كبير. فهذه هي الفترة الزمنيّة الوحيدة التي يعملون فيها طوال العام، ويحصلون على بعض المال. لكنهم حالياً باتوا عاطلين عن العمل، ولا أحد يطرق أبوابهم بعدما كانوا في مثل هذا الوقت من العام الماضي لا يعرفون الراحة.
يتلعثم مهنّد الشيخ وهو يقول: "لست مؤيداً بالتأكيد لجعل الأعراس كالمآتم، حتى لو كان الجرح عميقاً. نحن شعب اعتدنا الحزن منذ عقود. ولو فعلنا ذلك في كل مرّة، فلن يتزوّج أحد ولن يفرح أحد".
يضيف الشاب: "الفدعوس والموسيقى والدبكة لن تضرّ أحداً. بل على العكس، فبأفراحنا نؤكد للعالم أننا شعب حيّ، يستطيع أن يفرح على الرغم مما يعيشه من ويلات. من ثم فإن حفل الزفاف سيظل ذكرى لا تُنسى للعروسَين. ومن حقهما أن يكون بالطريقة التي لطالما حلما بها".