لا تنتهي أزمة صحية أو طبية في غزة، إلا لتبدأ أخرى. وتتفاقم الأزمات بفعل الحصار، في حين يضطر آلاف الغزيين إلى التوجه نحو المستشفيات الفقيرة بالمعدات واللوازم الطبية والأدوية. وتظهر حاجة ملحة إلى مستشفيات جديدة تلبّي الحاجة اليومية، وتخفف العبء عن بعض المستشفيات المأزومة.
أخطر ما يُلاحظ في غزة هذه الأيام، هو في مناطق محافظة الوسطى، حيث مخيمات النصيرات والبريج والمغازي، بالإضافة إلى المناطق الحدودية المحاذية والقريبة من البحر. في هذه المناطق، ما من مستشفى حكومي يعمل على مدار الساعة لاستقبال الحالات، بل فقط عيادات حكومية وأخرى تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) صغيرة جداً، لا يعمل بعضها إلا سبع ساعات يومياً، ولا تستطيع تغطية الحالات المرضية الكبيرة أو الطارئة. هي تؤمّن فقط استشارات طبية وتمنح بعض الأدوية.
تجدر الإشارة إلى أن 60% من المواطنين يقصدون مجمّع الشفاء الطبي لتلقي العلاج، وتُجرى فيه 80% من العمليات الجراحية في القطاع، إذ إن المستشفيات الأخرى غير قادرة على ذلك، بسبب قلة الإمكانيات وعدم إدخال معدات صحية إليها بسبب الحصار وإغلاق المعابر. بالتالي، فاقم ذلك معاناة القطاع الصحي في السنوات الأخيرة، ليزيد العبء على مجمع الشفاء بنسبة 300%. ومع ارتفاع الكثافة السكانية، فإن قطاع غزة مهدد بكارثة في العام المقبل، خصوصاً في مناطق الوسطى.
ومن المعاناة في تلك المناطق، أن تتطلب حالة ما إسعافاً سريعاً، إذ لا تتوفر فيها إلا ثماني سيارات إسعاف. وفي حال استجدّ طارئ، يمكن التوجه إما إلى مجمع الشفاء في مدينة غزة أو مستشفى شهداء الأقصى في مدينة دير البلح. لكن الأمر قد يتطلب وقتاً طويلاً.
مؤمن الحاج (35 عاماً) من سكان مخيم النصيرات. كان بحاجة إلى نقل سريع إلى المستشفى. لكنه انتظر سيارة إسعاف لنصف ساعة تقريباً وهو ينزف. وتطلبت عملية نقله إلى مجمع الشفاء نصف ساعة أخرى، فوصل في حالة حرجة استدعت تزويده سريعاً بستّ وحدات من الدم، واستمر علاجه أربعة أشهر. يخبر الحاج "العربي الجديد"، أنه لم يعِ ما حصل معه إلا بعد ثلاثة أيام، موجهاً اللوم إلى وزارة الصحة، لأنها لم تتمكن من إنشاء مستشفى خلال الأعوام الماضية في منطقة النصيرات أو في أي من مناطق الوسطى القريبة.
اقرأ أيضاً: "السكري" و"الفقر" يفتكان بأطفال غزة المحاصرة
من جهتها، نجت إيمان الصرصور (30 عاماً) بفضل جارها الطبيب الذي لبّى نداء زوجها عند الساعة الثالثة من بعد منتصف الليل وقدّم لها الإسعافات اللازمة. ويؤكد الزوج أن "النصيرات والمخيمات المحاذية لها تختلف عن مدينة غزة. لو أصيب فيها المرء بأمر خطير ليلاً، فإنه سيضطر إلى انتظار حلول الصباح لتلقي العلاج، وعليه تحمّل الألم".
وباتت العيادات الحكومية مهددة بالخطر في مناطق الوسطى، بعدما أعلنت وزارة الصحة، في أواخر شهر أغسطس/آب الماضي، عن توقف بعض خدمات المراكز الصحية التابعة لها في قطاع غزة، بسبب جملة مشاكل مادية ولوجستية. وقد اتهمت حكومة الوفاق بعدم القيام بمهامها تجاه مؤسسات الوزارة في غزة. وتعاني عيادات الرعاية الأولية في محافظة الوسطى من نقص في الأطباء، بعد تقاعد ستة أطباء وعدم قدرة وزارة الصحة في غزة على توفير أطباء يناوبون عنهم. بالتالي، أدى ذلك إلى تقليص خدمات العمل في بعض العيادات إلى مناوبة عمل واحدة بدلاً من اثنتَين، مع معدّل ساعات لا يتخطّى السبع ساعات يومياً.
من جهة أخرى، نظمت مجموعة من سكان مخيم النصيرات، قبل ثلاثة أسابيع، وقفة احتجاجية أمام العيادة الصحية الحكومية في النصيرات، تنديداً بتقليص ساعات العمل فيها. ورفع المحتجون شعارات طالبوا فيها وزارة الصحة بعدم إغلاق العيادات، بل تطوير العمل فيها وتوفير نقطة للإسعاف والطوارئ، إذ هي الأقرب إلى سكان المخيمات وأطرافها.
عيادة النصيرات من الأفضل
تقدّم العيادة الصحية الحكومية في النصيرات الرعاية لمائة ألف مواطن يعتمدون عليها بشكل أساسي. صحيح أنها تُعَدّ رئيسيّة ومن أفضل العيادات المتوفرة، إلا أنها لا تؤمّن الرعاية كاملة لهؤلاء. أما العيادات الصحية الأخرى في محافظة الوسطى، فهي تتبع للحكومة أو لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، وهي تغطي حاجة السكان الصحية لكن خلال ساعات الصباح فقط. وهذا ما يُفاقم أزمة نحو 290 ألف مواطن.
اقرأ أيضاً: أطفال غزّة المرضى مهدّدون