تشهد السينما بشكل دائم موجات من الاعتماد على الأغنيات في الأفلام والمسلسلات. لكن ما يحصل أحياناً هو أن تتفوّق الأغنية على الفيلم. فيمرّ الفيلم مرور الكرام، لكن يذيع صيت الأغنية وتصير مشهورة وراسخة في عقول الناس وآذانهم.
بعض الأغنيات لم تتفوّق على الأفلام فقط، بل حقّقت أعلى نسب مشاهدة واستماع على اليوتيوب وعلى مواقع تحميل الأغنيات أونلاين. وراح المستمعون يلاحقون النجوم والفنانين الذين غنّوها في حفلاتهم وفي المهرجانات للاستماع إلى هذه الأغنيات.
تعلق في الذاكرة من العام 1989 أغنية "أزأز كابوريا"، من فيلم "كابوريا"، التي غنّاها النجم المصري أحمد زكي، وهي من كلمات وألحان حسين الإمام.
تدور أحداث الفيلم حول قصّة حسن هدهد، الشاب الفقير الذي يهوى الملاكمة، ويحلم مع صديقيه محمود ومصطفى في الوصول إلى الأوليمبياد، ويعجز عن تحقيق هذا الحلم ويكتفي بإقامة حلبات ملاكمة في الحيّ الشعبي الذي يقطنه، كما يفشل في إقناع والد الفتاة التي يحبّها بتزويجه منها. وحين يصادف مرور حسن وأصدقائه أمام عوامة المليونير سليمان، تدعوهم زوجته حورية إلى المشاركة في مباريات الملاكمة داخل قصرها مقابل مكافآت مالية مغرية.
الفيلم من إخراج خيري بشارة، وكان ناجحاً، لكنّ الأغنية، "أز أز كابوريا"، تحوّلت إلى واحدة من أشهر أغنيات تلك الفترة. وكانت كلمات الأغنية تقول: "أنا في اللابوريا، إيه إيه حنبكي عليه، أموت في البوريا، ليلي ونهاري يا بيه، صيّاد كابوريا، صيد الكابوريا كيفي ولا يُعلى عليه، أز أز كابوريا أز أز كابوريا لو أز أزوني ح أزأز إيه".
أغنية عبثية حاولت القول إنّ البطل "صيّاد" وكلماتها العبثية ساهمت في انتشارها، على أنّها "طقطوقة" لكن تحمل بعض النقد لطبقة رجال الأعمال، وكانت تحتمل وضعها في سياق "نقد السلطة" في حينه، لكن بأقلّ الأضرار الممكنة.
وفي العام 1997 اشتهرت أغنية "كامنّنا" من فيلم "اسماعيلية رايح جاي" للفنان محمد فؤاد، من كلمات عنتر هلال وألحان رياض الهمشري. كان ذلك الفيلم من أوائل الأفلام التي فتحت الطريق أمام السينما الشبابية في مصر والعالم العربي وقدّمت نجوما غير تقليديين، بعد عقدين تقريبا من سيطرة الوجوه نفسها على السينما المصرية.
حقّقت الأغنية نجاحاً جماهيرياً كبيراً قبل عرض الفيلم، ثم نجح الفيلم وحقّق ما يقارب 23 مليون جنيه وجعل محمد فؤاد نجما استثنائياً، بالفيلم ومن خلال الأغنية. وبقيت الأغنية على كلّ لسان إلى أيّامنا هذه، بعدما تجاوزت السينما المصرية فيلم "اسماعيلية رايح جاي".
تدور أحداث الفيلم حول الطالب الجاد والمستقيم والخجول الذي يلعب دوره محمد فؤاد، لكنّه شديد الفقر وانسدّت كلّ الطرق أمامه وأمام أسرته، ولم يكن يملك غير الحلم في أن يصبح مغنّياً. وأخيرًا يقدّم نفسه لعزت أبو عوف (يظهر بشخصيته الحقيقية)، فينضمّ إلى فريقه الغنائي ويواصل مشوار النجاح.
قصة الحبّ كانت من نصيب حنان ترك، زميلته في الدراسة. أما الشرّ الذي مثّله خالد النبوي في دور الأخ "الفهلوي"، غير المحبوب، فهو الذي صنع حبكة النهاية عندما فرّق بين أخيه وحبيبته قبل أن يعود إلى صوابه ويصلح ما أفسده.
الأغنية تتحدّث عن الحلم. و"كامنّنا" هو المال، والنساء، والسيارات والأحلام الكبيرة، إذ تقول الكلمات: "كاتي كادري في الألولو، كامنّنا، حبّ ناديا وحبّ لولو، كامنّنا، ولا يا بتاع الفلّ، يا بو قلب زيّ الفلّ، لو النهاردا لبّ بكرا ح تبقى فلّ.. نفسك في إيه؟ كمانّنا، تحلم بإيه؟ كمانّنا، سمّعني إيه، كمانّنا...".
وحقّقت نجاحاً كبيراً الأغنية الرومنسية "بحبّك وحشتيني"، للفنان حسين الجسمي، من فيلم "الرهينة"، من بطولة الممثّل أحمد عزّ والممثّلة ياسمين عبد العزيز. حقّق الفيلم والأغنية أرباحاً كبيرة. والأغنية من كلمات أيمن بهجت قمر وألحان وليد سعد. وهي شديدة الرومانسية: "وبحبّك وحشتيني، بحبّك وانت نور عيني، لفّيت قدّ إيه لفّيت، ما لقيت غير في حضنك بيت، وبقلّك أنا حنّيت بعلو الصوت..."
بالإضافة إلى نجاح فيلم "العشق والهوى"، من بطولة الممثّل أحمد السقا والممثلة منى زكي، نجحت أغنية "كثير بنعشق" للفنانة المصرية شيرين عبد الوهاب، من كلمات بهاء الدين محمد وألحان محمد يحيى: "كتير بنعشق ولا منطول، وكتري بنعشق ولا منقول، وما فيش حكاية بتستمرّ، زيّ ما بدأت ليه على طول، في عشق بيستنّانا، وعشق منستنّاه، وعشق بينسّينا، العشق اللي عشقناه...".
هذه "الخدعة" المحبّبة يستعملها كثيرون في السينما حول العالم، وبات منتجو المسلسلات يستعملونها. فالأغنية تساهم في تسويق الإعلان الترويجي للمسلسل أو الفيلم، أي "الترايلور"، خصوصاً في شبكات التواصل الاجتماعي. لكن حين يكون العمل متواضعاً، غالبا ما يُنسى الفيلم أو المسلسل، وتبقى الأغنية في الذاكرة.