مع وجود الكثير من التعليمات والقوانين التي تمت صياغة أغلبها والعمل بها في الفترة التي تلت الغزو الأميركي للعراق عام 2003 إلا أن خمسة منها، لم يجر عليها أي تغيير، تشكل قاسما مشتركا لمعاناة الكثير من العراقيين.
القانون الأول
لا يسمح للشخص القادم من 15 محافظة عراقية بشراء العقارات وتملكها في المحافظات الكردية الثلاث (أربيل والسليمانية ودهوك) في وقت يتم السماح لسكان هذه المحافظات الثلاث بالشراء في المحافظات الــ15.
المواطن عباس رهيف البكري من جنوب العراق حاول شراء عقار في مدينة أربيل، حتى يسخدمه مصيفاً، لكن جميع جهوده لتسجيل البيت باسمه، باءت بالفشل، كما نجا من محاولة احتيال على أيدي أشخاص طلبوا منه مبلغ أربعة آلاف دولار مقابل تسجيل العقار باسمه وبشكل رسمي، ولكنه تراجع عن إتمام الصفقة في اللحظة الأخيرة بعد نصيحة من شخص تعرض سابقاً لنفس عملية النصب التي تكررت أكثر من مرة.
بحسب المحامي أكرم زنكنه، فإنه لا يوجد نص قانوني يشير إلى منع سكان بقية المحافظات العراقية من الشراء والتملك في المناطق الكردية، فيما أشار إلى وجود إجراء إداري تم اتخاذه منذ خروج هذه المناطق عن سيطرة الحكومة وتمتعها بالإدارة الذاتية عقب حرب عام 1991 واستمرت الحكومات المتعاقبة بعد عام 2003 في العمل بهذا الإجراء، الرامي إلى منع أي محاولة لتغيير التركيبة القومية التي تسود هذه المناطق، كما يقول مؤيدوه.
يبين زنكنه في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد" أن الإجراء لم يمنع الراغبين بالشراء من الالتفاف عليه، وذلك عبر شراء العقارات وتسجيلها بأسماء المواطنين الأكراد الذين يتمتعون مع هؤلاء الملاك العراقيين بصداقة قديمة ودرجة عالية من الثقة أو بأخذ ضمانات مالية منهم، لافتاً إلى أن منع الشراء والتملك لا يشمل المجمعات السكنية الاستثمارية، إذ يحصل من يشتري فيها على وثائق مؤقتة تثبت ملكيتهم العقار الذي يشترونه.
اقرأ ايضا: المرشحون الخمسة لخلافة خامنئي.. هل يحسمها شاهرودي؟
القانون الثاني
يتم السماح لسكان العاصمة بغداد بقيادة سياراتهم الشخصية بحسب لوحات التسجيل، فإذا كانت تبدأ برقم فردي يخصص لها يوم، ويكون اليوم الذي يليه مخصصاً للأرقام الزوجية، ويستثنى من هذا الإجراء السيارات الحكومية والأجرة.
الموظف الحكومي علوان المحياوي اعتاد توصيل ابنه بلال إلى محله التجاري في سوق الشورجه ببغداد، ويتوجه بعدها إلى دائرته التابعة لوزارة الزراعة، ولكنه اضطر بعد صدور القرار المروري إلى شراء سيارة ثانية، تحمل رقما زوجيا، يخالف رقم سيارته الأولى حتى يتسنى له التأقلم مع القرار الذي يصفة بالغريب وغير المجدي.
المحياوي قال لـ"العربي الجديد" إن خطته كانت مكلفة مادياً ويقوم إلى الآن بسداد الأقساط المترتبة عليه، لافتاً إلى أن أصدقاء له اختصروا الموضوع بشراء سيارة أجرة كونها مستثناة من تعليمات دائرة المرور، فيما قام آخرون بتقديم طلبات تسمح لهم بالاستخدام الشخصي لسيارات المؤسسة والتي تحمل لوحات تسجيل حكومية ومعفية أيضاً من القرار، ما أفرغ القرار من مضمونه.
النقيب في مديرية مرور بغداد إيهاب كامل الحسني، أكد أن القرار الذي تم اتخاذه بقرار مشترك من قيادة عمليات العاصمة ووزارة الداخلية في نهاية عام 2013 وبقي سارياً إلى الآن ويرمي إلى معالجة الاختناقات المرورية التي تشهدها شوارع بغداد، مبيناً أنه ساهم بشكل فعلي في إيجاد حل وقتي للمشكلة.
لكن الضابط الذي يعمل في دائرة العلاقات والإعلام في مديرية المرور يقر بوجود حالات التفاف على القرار، من خلال حمل هويات بعض المهن التي تقرر لاحقاً استثناءها من التعليمات، ومنها بطاقات الصحافيين أو الأطباء فضلاً عن إيجاد حالات فساد ورشوة لدى بعض ضعاف النفوس من رجال المرور"على حد تعبيره"، فيما ينفي وجود أي نية قريبة لإلغاء هذا القرار.
اقرأ أيضا: الجهاديون الأردنيون.. التحوّل من "النصرة" إلى "داعش"
القانون الثالث
لا يسمح لأي شخص من خارج منطقة العامرية "غرب بغداد" بالدخول إليها، الإ بعد حضور كفيل من سكانها وترك بطاقته التعريفية التي يستطيع استرجاعها بعد انتهاء الزيارة.
يرى الأستاذ الجامعي صهيب الكبيسي أن القوانين المطبقة في منطقته العامرية، ليس لها مثيل أو حالة مشابهة في جميع أنحاء العاصمة بغداد، مشيراً إلى أنه يضطر للذهاب إلى النقطة الأمنية المكلفة بإدارة مدخل العامرية في كل مرة يقوم أصدقاؤه أو أقاربه بزيارته ويعود معهم مرة أخرى بعد انصرافهم من أجل استعادة بطاقتة الرسمية التي يتم الاحتفاظ بها كضمان لمغادرة الشخص الزائر.
بحسب الأستاذ الكبيسي فإن الأمور لا تقف عند هذا الحد، إذ إنه مجبر وبشكل دائم على حمل البطاقة الخاصة التي تثبت أنه من سكان هذه المنطقة، والتي يتوجب عليه إبرازها من أجل السماح له بالدخول في كل مرة يعود فيها إلى منزله.
من جهته ينفي الرائد في قيادة عمليات العاصمة بغداد، علاء فاهم التميمي، أن يكون هذا الإجراء هو قانون تم فرضه من القيادة، مرجحاً أن يكون الضابط المكلف بحماية المنطقة هو من قام باتخاذه وفق المعطيات الموجودة لديه.
الرائد التميمي يشير في حديث لـ"العربي الجديد" أنهم تسلموا مجموعة شكاوى من الأهالي بخصوص الإجراءات المتخذة في منطقة العامرية، وأن هناك دراسة لها تجري في الوقت الحالي وبعد الانتهاء منها سيتم رفع مجموعة من التوصيات بشأنها إلى المختصين.
اقرأ أيضا: عزة الدوري.. 3 سيناريوهات لمصير آخر رجال صدام
القانون الرابع
يتم استيفاء مبلغ مالي قدره 15 ألف دينار عراقي (12 دولاراً) من المراجعين لدوائر المرور التابعة لوزارة الداخلية، وتخصص العائدات إلى عوائل ضحايا مجزرة سبايكر التي جرت عام 2014 في محافظة صلاح الدين (شمال بغداد).
ومجزرة سبايكر هي العملية التي أعدم فيها تنظيم داعش أكثر 1500 طالب عسكري كانوا يتدربون في قاعدة سبايكر بمحافظة صلاح الدين بعد السيطرة عليها في حزيران/يونيو من العام الماضي.
أبو سجاد تاجر سيارات ويمتلك معرضا متخصصاً في منطقة البياع (جنوب غربي بغداد) يبين أنه في كل مرة يراجع دوائر المرور من أجل تحويل ملكية السيارة أو تجديد بطاقة ملكية السيارة أو تجديد رخصة القيادة أو استبدال اللوحات القديمة بالجديدة، يطلب منه دفع مبلغ 15 ألف دينار يذهب إلى صندق يسمى (رعاية ذوي ضحايا سبايكر).
التاجر الذي أمضى أكثر من ثلاثة عقود زمنية في هذه المهنة يؤكد لـ"العربي الجديد" أنه قام مع زملاء في المهنة بإجراء عملية حسابية بسيطة توصلوا من خلالها إلى أن دوائر المرور في العاصمة فقط تحصل على مبلغ لا يقل عن مئة ألف دولار يومياً من هذا القرار.
ومع أن الإيرادات يفترض أن يتم توزيعها على عوائل المعدومين في سبايكر إلا أن ذوي الضحايا ومصادر أخرى التقاها "العربي الجديد"، نفوا وبشكل قاطع استلامهم أي تعويضات مادية من أي جهة حكومية.
اقرأ أيضا: تردي بيئة العرب [5/7].. العراقيون يتناولون اليورانيوم في طعامهم
القانون الخامس
تتطلب عملية نقل الأثاث بين مناطق العاصمة العراقية في حال الانتقال إلى سكن جديد مراجعة المجلس البلدي للمنطقتين المنقول منها وإليها، بالإضافة إلى مقر قيادة عمليات بغداد من أجل الحصول على الموافقة الأمنية التي تستغرق في أفضل الأحوال فترة عشرة أيام.
وبالرغم من قرب المسافة بين منطقتي اليرموك والمنصور، إلا أن الموافقة الأمنية لنقل الأثاث بينهما استغرقت من سيف حمادي الربيعي ثلاثة أسابيع، وهو وقت أطول حتى من الفترة التي أمضاها في إتمام عمليات شراء وترميم المنزل الجديد.
الربيعي يشرح لـ"العربي الجديد"، وباختصار عملية الموافقة على نقل الأثاث والتي تبدأ بتقديم ملف يضم الوثائق الثبوتية الأربع مع عقد إيجار أو ملكية المنزل في المنطقة الجديدة، إذ يتم الانتقال بهذا الملف بين المجلس البلدي للمنطقة القديمة وقيادة عمليات بغداد والمجلس البلدي للمنطقة الجديدة، وبعد الانتهاء من هذه الجولة المكوكية يتم تهيئة أكثر من نسخة من الموافقة لغرض توزيعها على النقاط الأمنية الموجودة في الطريق الواصل بين المنطقتين.
ويضيف الربيعي أن أحد معارفه نصحه باختصار الطريق، واللجوء إلى مسؤولي النقاط الأمنية والتفاهم معهم ليسمحوا له، مقابل مبلغ من المال، بأن يقوم بعملية النقل في أوقات الليل، أو يقوم بالاتفاق مع معرض متخصص في بيع الأثاث، لتزويده بأوراق جديدة، تثبت أن هذا الأثاث تم شرائه منهم، وليس منقولا من منطقة أخرى.
وبالعودة إلى الضابط في عمليات بغداد، الرائد علاء فاهم التميمي، فإنه يؤكد أن الإجراء تم وضعه في وقت العنف الطائفي خلال سنتي 2005 و2006 ويرمي إلى منع حالات سرقة محتويات منازل العوائل التي تم تهجيرها أو سافرت إلى الخارج بسبب حوادث العنف الطائفي.