أغانٍ تصوّر البؤس

28 يونيو 2020
الشاعر الراحل أحمد فؤاد نجم Getty)
+ الخط -
لعلّ مسرحية "صح النوم" للرحابنة والسيدة فيروز، تعكس نموذجاً مختلفاً من الطرح الذي كان يسود مسرح الرحابنة، بما فيه من علاقات إنسانية ونقد يناسب الواقع آنذاك.ولكن هذه المسرحية تتجاوز الحالة الضيقة لتسمو بنا لحالة مختلفة من النقد تعبّر عن عجز الحكام عن تحقيق متطلبات شعوبهم، وتتلخص هذه الحالة بوصف السيدة فيروز من خلال أغنية: "مين ما كان بيتمرجل علينا ومين ما كان بيتنمرد علينا"، لعل هذه الأغنية لبست ثياب الجوع والفساد التي انتهت باليقظة عند الشعب، أو من خلال عنوان المسرحية: "صح النوم".

بس الجوع كافر... بس المرض كافر
الحالة عند الأخوين الرحباني تختلف عن زياد، ابن الحرب الأهلية اللبنانية، الذي أطلق العنان لمسرحه لنقل واقع الحال المتردي، ضمن قالب سياسي واقعي جداً يعيشه كل لبناني وكل عربي، من خلال كلمات شعبية نرددها بشكل يومي في مختلف أنواع الحروب، ربما وحتى في حالات الرخاء التي قد تمر صدفةً على بلداننا كاستراحة محارب، خصوصًا خلال مسرحية "سهرية" التي اعتبرها زياد بمثابة "حفلة أغاني". وربما تكون أغنية "الحالة تعبانة يا ليلى" هي الأبرز، وتعبر عن كل شاب عربي يتعذّر عليه تأمين متطلباته، وتحقيق مشروعه الحياتي، وكأن الرحابنة الأوائل جعلوه ينام بالعسل ويحلم بمثالية، ليأتي ابنهم ويصفعه درساً واقعياً، يجعله يرى كيف أن الأرض بلا سجادة!

شحادين يا بلدنا!
عندما تقلب زر "الريموت كونترول" على نشرة سياسية عربية في سورية أو لبنان أو العراق، ربما تجد رأي الناس يقول بشكل علني "عم يخلونا نشحد". ولعل المسرحي اللبناني حسن علاء الدين، والمعروف فنياً باسم "شوشو"، غنّى منذ أربعين عاماً أغنية "شحادين يا بلدنا قالوا عنا شحادين"، ليعبر عن واقع حال السواد الأعظم من سكّان الأقطار العربية الذين صاروا يبحثون عن أيَّ طريقة لتأمين الرز والطحين والماء. وربما تفاصيل الحياة اليومية، بعيداً عن التشابيه الفنية اللاذعة، يمكن أن نستقرئها في عدد من الأغاني، مثل "تنكة تنكة مش من ما كان بياخد تنكة".


والبقرة حلوب... تحلب قنطار لكن مسلوب
من أهم التجارب في الشارع المصري الشعبي، أو بين من يسمونهم "الغلابة"، كانت ثنائية الشيخ إمام مع الشاعر أحمد فؤاد نجم، التي تعززت ما بعد نكسة يونيو/ حزيران 1967، ونقلت واقع الخسائر والآلام والمتناقضات التي عاشها كل مصري آنذاك. رغم بساطة الكلمة بأسلوبها السهل الممتنع وفرادة اللحن، استطاع الثنائي نسج تراكيب من الشارع المصري الذي عانى ويعاني من حكامه الذين، كما وصفاهما في الأغنية، يأخذون حليب البقرة "حاحا"، ويسلبونه دون إبقاء قطرة للشعب. كذلك أحمد عدوية بتجربته الشعبية، وبواحدة من أشهر أغنياته "يا بنت السلطان حنّي على الغلبان"، يذكرنا بزياد الذي كتب ليلى وأخبرها بأنه "خطبة مفيش". تتقاطع التجربتان المصرية واللبنانية في تحطم أحلام الشباب العربي وازدياد فقره وفاقته.


ناس بسمنة .. وناس بزيت
نسمع العديد من الأغاني ونرقص عليها في الحانات، وربما أحدهم يدخن السيجار وهو يردد أغنية أيمن زبيب "شو بعملك أنا حبيت ومش قادر افتحلك بيت"، دون أن يدقق بأنه ليس الفئة المستهدفة. وهنا يلفت زبيب لقضية ورْثة الوالد التي بدونها لا يستطيع الشباب تحقيق طموحاتهم، وينتقلون للخطة "ب" عند فارس كرم في أغنية الغربة "قلنا منسافر سنتين ومنرجع عالضيعة"، والهدف في الحالتين موجود عند محمد إسكندر في أغنية "مصاري مصاري"، غير آبهين بنصيحة حمود الخضر بأننا لا نحتاج إلى المال كي نزداد جمالاً. فلا يمكن اعتبار لقمة العيش ضرباً من ضروب الجمال، ليعود حينها كل مواطن عربي ليسمع هذه الأغنيات ليشعر بالقليل من الراحة، أو ممتثلاً لنصيحة جورج خباز بأغنيته "فش خلقك فش، مصاري مافش"، لعل وعسى أن يقول حقيقةً لحكامه كما قالت فيروز .. "صح النوم".


دلالات
المساهمون