لا تكاد تخلو أي من المهرجانات الوطنية أو الأفراح التراثية الفلسطينية وحتى الأفراح العادية في الشوارع الفلسطينية من الأغاني الداعمة للمقاومة، والتي أصبحت تمتزج مع رقصة الدبكة الفلسطينية أو الدحية البدوية، وهي تتطوّر بشكل ملحوظ، تدفع المغنيين في غزّة أو الضفة الغربية إلى اختيار الأغنية التي تثير تفاعل الحضور في كل المناسبات بدمج أنواع موسيقية صاخبة لتحيي فيهم الفكر الثوري على المحتل.
مع اندلاع انتفاضة الأقصى وعمليات الطعن التي بدأت تنتشر العام الماضي، وهبة المقدسيين الأخيرة في الأيام القليلة الماضية ضد سياسة التفتيش في القدس، بدأت تنتشر أغانٍ داعمة للمقاومة في كل الأفراح، وأصبح من الضروري أن تقام احتفالات في فلسطين بأغنية تمجد الشهداء والمقاومة بأسلوب مختلف من فرقة لأخرى، إلى جانب ذلك بدأت كل فرقة في الأفراح والاحتفالات تبدأ بالسلام الوطني الفلسطيني قبل أي عرض، وتطلب من الحضور الوقوف لتحيّة الوطن.
سطعت أسماء منتجين ومغنين لتلك الأغاني، لكن في غزّة يجدون حريّة أكبر في إنتاج هذا النوع من الأغاني من الضفّة الغربية، حيث يلاحقون من الاحتلال بعد أن تنتشر أسماؤهم، تزامنًا مع سعي الاحتلال الصهيوني لتغيبيها عن الساحة الفلسطينية واعتبارها جريمة تحريضية على دولة الاحتلال.
يرى كثيرون أن أهم الصور الإيجابية للأغاني الداعمة للمقاومة أنها توحّد شقي الوطني الفلسطيني لدعم سبل المقاومة ضد الاحتلال، وقد سبق لعدد من الفنانين في الضفة الغربية أن أنتجوا أغاني تدعم المقاومة على العدوان الإسرائيلي على غزّة في عام 2012 وعام 2014، أهمّها كانت أغنية "أضرب أضرب تل أبيب" و"والله وعملوها الفدائية" لقاسم النجار وشادي البوريني بعد أن وصلت صواريخهم لمدينة تل أبيب المحتلة.
لكن لم يسلم الفنانان من الاحتلال ومنعا بعد إنتاجهما تلك الأغاني من دخول الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، وهما حتى الآن ممنوعان منها، وهنا أكمل فنانو غزة الدور بإنتاج أغاني المقاومة.
أسامة قاسم أحد أبرز الموزّعين الموسيقيين المعروفين في ساحة الإنتاج الفني، ينتج هذا النوع من الأغاني منذ أن كان في السادسة عشرة من عمره، وهو الآن يبلغ 29 عامًا، يركز على أعماله في الوقت الحالي على مناهضة المقاومة بأشكالها المتنوّعة، خصوصًا أنه أنتج عددًا من الأغاني تعرض في أفراح فلسطينية في الخليل ونابلس وقام بمزج أغانٍ تعود لفترة الثمانينيات وإعادة توزيعها الموسيقي ودمج آلات موسيقية حديثة لتزيد من التفاعل معها.
يقول في حديث إلى "جيل": "نتنياهو ذات يوم قال إن الأغاني الوطنية الفلسطينية تحرّض على المقاومة والجهاد أكثر من أساليب عديدة للمقاومة، لذلك أصبحنا نعزّز من هذا النوع كموسيقى تُدرس ضمن المدارس الفنية في الغناء الملتزم والغناء الحرّ، ولاقت إقبالًا لأن من يغنيها هو ثائر بشكل قوي جدًا".
ينبّه قاسم إلى أنه يقوم بإنتاج أعمال طلبتها منه استوديوهات في الضفّة الغربية لعدم مقدرتها على إنتاجها هناك بسبب سياسة الاحتلال في محاربتهم ومحاولة مصادرة أجهزتهم، كما حدث مع شركتين مطلع العام الماضي 2016، عندما قامت قوات الاحتلال بتخريب المعدّات ومصادرة الأجهزة الثقيلة من داخلهما لكي لا يعاد فتحها.
في الخارج أيضًا انتشرت الأغاني المقاومة. أحد المنتجين الفلسطينيين في النرويج، أحمد البنا، يقوم مع فرقة "مهاجر حرّ" بإنتاج أغانٍ عدة لدعم المقاومة الفلسطينية لاسترجاع الحقوق الفلسطينية، وتحوّلت أغانيهم التي تجمع أنواع الراب والهيب هوب على شكل حكاية وهي تعرّف العالم الغربي بالقضية الفلسطينية باللغة النرويجية والإنكليزية، ويقوم الفلسطينيون في الشتات بإحيائها في أفراحهم ومناسباتهم أيضاً.
يقول البنا "فن المقاومة فن راقٍ، كسر كل التوقّعات في الغرب، في البداية كان بعضهم يعتبر هذا الشكل من الأغاني أغاني عبثية وأن الذين يؤدّونها يدعون إلى العنف الغنائي وضدّ السلام، لكن منهم من تغيرت أفكاره لأنه شاهد أسلوباً فنياً راقياً وقضية مهمّة عندما يبحث عنها، لأن الأسلوب الغنائي أثاره".
لكن المشكلة، بحسب البنا، أن القضية الفلسطينية والمقاومة على الرغم من وصولها للعالم الغربي إلا أنها باتت ضعيفة، لأن القيادة الفلسطينية لا تدعم التوجه الثقافي والفني في الخارج، مثل ما تقوم به الحكومات الإسرائيلية في سفاراتها، ويضيف "إحياؤنا الأغاني المقاومة في الأفراح العربية في الخارج هو رسالة تؤدّي هدفها، وهو ما أعطى صورة بأن المقاومة الثقافية أقوى نوع من المقاومة في الخارج، خصوصًا في الدول الغربية".
المطرب الفلسطيني أحمد يونس يتحدث كذلك إلى "جيل" بأن التحرّك الذي تشهده الساحة الفلسطينية في الأغاني المقاومة هو نوع راقٍ يدخل قلب المستمع والمشاهد، ويستشهد بأغنية محمد عساف عندما كان مشتركًا في برنامج "Arab idol"، إذ غنى "يا طير الطاير" واستذكر كل المدن الفلسطينية المحتلة، وعلى أثرها كثيرون تفاعلوا معها وباتوا يعرفون المدن المحتلة.
عندما تابع يونس ردود الأفعال إثر أغاني محمد عساف الفلسطينية، وجد أنها أزعجت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وعبّر عن انزعاجه عندما غنّى محمد بالعودة، إذ اتهم نتنياهو الفلسطينيين بأنهم لا يحبون السلام حتى في الموسيقى والغناء.
يقول يونس "كان الفلسطيني عندما يغنّي للمقاومة قبل الانتفاضة الأولى تتم ملاحقته وضربه وتهديده من قبل الاحتلال، اليوم بات العالم واسعًا والأغنية تؤدي هدفها على مواقع التواصل الاجتماعي وفي الاحتفالات، وهي أجمل طرق المقاومة الثقافية الحديثة".