أعراس تتحدى كورونا

20 اغسطس 2020
عادت الأعراس في مختلف مدن اليمن (محمد حويس/ فرانس برس)
+ الخط -

أحبط فيروس كورونا أحلام مئات الشباب اليمنيين بتوديع حياة العزوبية طوال فترة الإغلاق ما بين مارس/آذار ويوليو/تموز الماضيين. لكن منذ عيد الأضحى، حتى يومنا هذا، تستمر حفلات الزفاف الجماعية في مختلف المدن اليمنية بلا استثناء، خصوصاً مع تقليص الإجراءات الاحترازية ضد الوباء.
وهكذا كانت سمة هذه الفترة الأبرز أغاني الأعراس الصادحة في الأحياء السكنية، خصوصاً مع تنظيم حفلات تقليدية مليئة بالأهازيج الراقصة والأغاني الشعبية. وتقام الأعراس عادة في خيام واسعة أو في الهواء الطلق. ويتوافد الضيوف من أهل وأقارب من المحافظات كافة إلى مساقط رؤوسهم.

يقول أيمن المقطري، وهو من سكان مدينة تعز لـ"العربي الجديد"، إنّ حي الثورة الذي يقطنه شهد خلال الأيام الماضية، منذ الأضحى، عدداً كبيراً من حفلات الأعراس، بدأت منذ عشية الأضحى واستمرت إلى اليوم. يضيف المقطري، الذي أقام حفل زفاف لشقيقه الأصغر في الأيام الماضية، أنّ تقليص الإجراءات الاحترازية ضد فيروس كورونا الجديد، وانحسار الوباء بشكل كبير، ساهما في الزيادة القياسية في حفلات الزفاف. وبالمقارنة مع الفترة السابقة، فقد أقام بعض الشباب اليمنيين حفلات زفافهم في عيد الفطر الماضي، لكنّ مراسم الحفل، التي أقيمت في المنازل وليست صالات الأفراح، كانت مقتصرة على عدد قليل من أفراد الأسر.
وسمحت السلطات اليمنية، منذ منتصف يوليو/تموز الماضي، باستئناف عمل صالات الأفراح بعد إغلاقها منذ أواخر مارس/آذار الماضي. ومنذ ذلك الوقت، انهالت الحجوزات عليها بشكل كبير، كما طغت دعوات الزفاف على مواقع التواصل الاجتماعي، خلافاً لما كان عليه الوضع قبل أشهر عندما كانت أخبار الموت هي المخيمة وحدها.
يذكر أكرم، وهو متعهد حفلات، لـ"العربي الجديد"، أنّ الموسم الحالي يشهد ازدحاماً غير مسبوق في حفلات الزفاف، ويقول إنّ نفاد الحجوزات حتى نهاية أغسطس/آب الجاري، جعل العشرات من الشباب يلجؤون إلى إقامة مراسم زفافهم في مخيمات كبيرة يجري تشييدها لساعات في نواصي الأحياء السكنية. ويضيف: "الزيادة الهائلة في الأعراس خلال هذه الفترة جاءت بسبب التأجيلات المستمرة من جراء فيروس كورونا، وهو ما جعل مالكي صالات الأفراح والفرق الموسيقية التي تحيي الأعراس، يرفعون الأجور الخاصة بهم إلى الضعفين، ليصل إيجار صالات الزفاف المتوسطة والفرق الموسيقية إلى 600 ألف ريال يمني (900 دولار أميركي).
واختفت الإجراءات الاحترازية من فيروس كورونا بشكل كبير في المدن اليمنية، بالرغم من تحذيرات أطلقتها منظمات دولية من موجة تفشٍّ جديدة، ونشر مئات العرسان صوراً لهم على مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية، ظهروا فيها وهم يحتضنون المهنئين الذين وقفوا في طوابير مزدحمة من أجل تقديم التهاني.
وخلافاً للمدن، تحتضن الأرياف، الأرقام الأكبر من حفلات الزفاف في الفترة الراهنة، فضلاً عن إقامة أعراس جماعية لأكثر من 30 شاباً وشابة في ريف تعز الجنوبي. ويعتقد الصحافي اليمني، محمد مقبل، أنّ لجوء غالبية الشباب إلى إقامة حفلات زفافهم بمسقط رأسهم في الأرياف، يعود إلى انخفاض التكاليف مقارنة بالمدن، فضلاً عن الأجواء الحميمية والطقوس التقليدية المصحوبة بالرقصات الشعبية ودق الطبول التي يتمسك بها الريفيون.
وتتفاوت طقوس الأعراس اليمنية بين مدينة وأخرى، وبين الحواضر والأرياف، إذ تقام مراسم الحفل في الأرياف على مدار ثلاثة أو أربعة أيام، خلافاً للمدينة التي تكون مقتصرة على يوم واحد أو يومين في الأكثر. يتابع مقبل لـ"العربي الجديد" أنّ الأرياف ما زالت متمسكة بالتكافل الاجتماعي الذي تفتقر إليه المدن، بالرغم من الظروف الاقتصادية التي خلّفتها الحرب، إذ يحرص أبناء الريف على زيارة العريس وإعانته بمبالغ مادية، تعينه على الوفاء ببعض الالتزامات، على الرغم من رمزيتها في غالب الأحيان.
ويتفنن العرسان في اختيار الملابس التقليدية التي يرتدونها يوم الزفاف، ويحرص معظمهم خصوصاً في صنعاء، على الزيّ الذي جرى توارثه منذ العهد العثماني في اليمن قبل أكثر من قرن، وحمل السيوف أو البنادق التقليدية، واعتمار قبعات الرأس بألوان زاهية. أما في المدن الجنوبية فزيّ العريس مؤلف من المئزر والشال على الكتف، كلباس تقليدي. ويحرص سكان الأرياف، على إطلاق الأعيرة النارية الحية في الأعراس، خصوصاً لحظة وصول العروس إلى منزل زوجها واستقباله لها، بالإضافة إلى بعض المهنئين الذين يتفاخرون بإطلاق وابل من الرصاص في الهواء لحظة وصولهم لتقديم التهاني.

ويقول سكان محليون في ريف تعز لـ"العربي الجديد" إنّ عادة إطلاق الرصاص الحي ما زالت متوارثة، وإنّ ارتفاع أسعار الذخيرة الحية، اضطر كثيرون إلى استبدالها بالألعاب النارية التي تُطلَق لحظة وصول العروس أو في المساء، من سطح منزل العريس.
وتمنع السلطات الأمنية في المدن إطلاق الرصاص الحي في حفلات الزفاف. وعلى الرغم من تسجيل خروق، فإنّ وقائع ضبط كثيرة تعرضت لها مواكب زفاف من قبل دوريات أمنية، تقوم بتطويق الموكب الذي يطلق النيران، واقتياد من فيه حتى العريس نفسه لقضاء ليلة الدخلة في السجن، وإذاعة الخبر بوسائل الإعلام الرسمية، بهدف جعله عبرة لبقية المجتمع.

المساهمون