تتحوّل مرافق سياحية في مصر إلى قاعة حفلات وأعراس من أجل مواجهة انخفاض الإيرادات وضعف الموارد المالية، في ظلّ تراجع حجم السياحة الوافدة. وهو ما يثير غضب المصريين الذين يرون في مثل هذه الخطوة، إهانة لتراثهم وحضارتهم من أجل المال.
في الأيام القليلة الماضية، أقيم لأوّل مرة في التاريخ، حفل زفاف عروسَين في ساحة قلعة "قايتباي" في الإسكندرية، وهي الساحة التي تقع في الجهة الشرقية البحرية من القلعة. أتى ذلك كخطوة جديدة لوزارة الآثار في بحثها عن بدائل غير تقليدية للترويج السياحي، عن طريق تأجير تلك الساحة للأفراح بعد فتحها أمام الزائرين.
تُعَدّ قلعة "قايتباي" ثاني أهم القلاع الإسلامية التاريخية في مصر، هي التي دافعت عن المدينة الساحلية طوال مئات السنين. أما الحفل فيها، فأقيم داخل المبنى الأثري العتيق، على وقع موسيقى صاخبة وغناء شعبي. وقد بدأ في الثامنة مساءً وحضره 200 مدعو من أهل العروسَين.
بحسب متخصصين، فإنّ للقلعة وموقعها الفريد مخزوناً ثقافياً وتاريخياً بالغ الأهمية. لها كثير من الأسرار التي لم يُكشف عنها. من ذلك، آلاف القطع الأثرية النادرة الموجودة تحتها أو بين أحجارها وأسوارها. أيضاً، تصميمها المميّز يعكس اندماج وتعانق عبق التاريخ القديم مع البحر والطبيعة، ما يجعلها تحفة معمارية يحرص على زيارتها كثيرون من أجل استكشافها.
لطالما اهتمّ سلاطين مصر وحكامها على مرّ العصور، بمبنى القلعة العتيق للدفاع عن البلاد مذ بناها الملك، الأشرف قايتباي، في عام 1477 في الموقع القديم نفسه لمنارة الإسكندرية التي هُدمت في عام 1323 في زلزال مدمّر، بحسب ما يقول العالم الأثري، أحمد عبدالفتاح، وهو مستشار المجلس الأعلى للآثار والمشرف العام على آثار ومتاحف المحافظة الأسبق.
يوضح عبدالفتاح أنّ قايتباي، وهو من المماليك، بنى واحدة من أجمل القلاع الإسلامية في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط بالكامل. تأخذ القلعة شكلاً مربعاً يحيط به البحر من ثلاث جهات. وتبلغ مساحة الموقع نحو 18 ألف متر مربع. في الفترة الأخيرة زادت شهرتها بعدما تحوّلت إلى أكبر مزار سياحي في الإسكندرية، ما جعلها وجهة أساسية للمصريين والسيّاح من خارج البلاد.
يشير عبدالفتاح إلى معاناة جسم القلعة من آثار الحتّ الذي تسبّب في تشكّل فجوات كبيرة في الصخرة الأم التي شُيّدت عليها. وبلغ عرض إحدى الفجوات ستة أمتار وارتفاعها مترَين. كذلك انهار بعض السراديب البحرية، الأمر الذي استدعى إجراء صيانة لها قبل سنوات، ما أسهم في تقليل درجة الخطورة إلى حدّ ما.
من جهته، يقول مدير قلعة "قايتباي" أسامة الصياد، عن الحفل الأخير إنّه "أقيم بعد موافقة كتابية من وزير الآثار في الحكومة المصرية، خالد العناني، بهدف زيادة الدخل وتنشيط السياحة أسوة بما حدث من تنظيم أفراح وحفلات زفاف أخرى في قلعة صلاح الدين وقصر محمد علي وقصر البارون".
يوضح الصياد أنّ تصريح وزير الآثار ينصّ على دفع 15 ألف جنيه مصري (1700 دولار أميركي) للحفل الذي يبلغ عدد مدعويه 200 فرد فقط، بالإضافة إلى دفع المصاريف الإدارية الأخرى المتمثلة في صندوق العاملين والإشراف الأثري ومرافق الكهرباء. بذلك، تبلغ الكلفة الإجمالية للعرس نحو 25 ألف جنيه (2800 دولار). ويلفت إلى أنّ العروسين وقّعا ما يسمى بمحضر تنسيق بين شرطة السياحة والآثار وإدارة القلعة، للحفاظ على المسطحات الخضراء في الساحة الشرقية للقلعة حيث أقيم الحفل، والالتزام بعدم المساس بالأسوار والبرج الرئيسي. كذلك يؤكّد أنّ الحفل جرى في أمان ولم يشهد أي تجاوزات أو سلبيات، فضلاً عن سداد كل الرسوم المستحقة للوزارة.
اقــرأ أيضاً
من جهتها، تقول العروس، شيماء حسن مؤنس، وهي من سكان منطقة بولكلي في شرق الإسكندرية، إنّها اتفقت مع عريسها المهندس، أحمد يوسف، أن يحتفلا بزفافهما في قلعة "قايتباي"، التي وافقت وزارة الآثار على إقامة حفلات الزفاف فيها. وبالفعل، أبرم العريس عقداً مع إدارة القلعة حضره ممثلون عن شرطة السياحة والآثار. تضيف العروس أنّها اختارت القلعة إذ هي "تمثّل عبق التاريخ في الإسكندرية"، فضلاً عن عشقها الأماكن التاريخية. تتابع إنّها "في قمة الفرحة بسبب هذا الزفاف لما يمثله من قيمة كبيرة بالنسبة لكلّ إسكندراني ومصري".
لكنّ هذا الحفل أثار ردود فعل مستنكرة. بالنسبة إلى محمد محروس وهو محاسب في أحد مكاتب البريد في الإسكندرية، فإنّ مشاهد الأفراح في ساحة قلعة "قايتباي" الأثرية في الإسكندرية هي إهانة حقيقية للتاريخ واستخفاف بما يمثله من عظمة هذا الشعب على مدار أزمنة مضت. يضيف: "لم أصدّق عينَيّ عندما رأيت زفافاً لعروسَين في ساحة القلعة وحضرة التاريخ، وما شمله من أغانٍ شعبية وأسلوب ركيك ومبتذل في الاحتفال، وإطلاق أعيرة نارية وخرطوش وصواريخ وشماريخ في الهواء". ويطالب بحملة موسعة للضغط على المسؤولين والمتخصصين "بهدف التحرك والتراجع عن هذه الأفكار الغريبة والشاذة".
أما حسنية عبدالصمد، وهي إحدى مرتادات قلعة "قايتباي"، فتقول: "انتقدت بشدّة قرار إقامة الحفلات في الأماكن الأثرية التي تحظى بحب واهتمام السيّاح الأجانب قبل المصريين. تلك الأفعال غير المنضبطة من السماح بإقامة أفراح شعبية وخلافه، تتسبب في تشويه صورتها وتطفيش زائريها". تضيف: "الأفراح لها أماكنها في القاعات أو الساحات الشعبية أو ملحقات المساجد، أما المواقع الأثرية فلا بدّ من أن يكون لها احترامها كجزء من احترام العالم لها وللشعب المصري وتاريخه وحضارته. لكن يبدو أنّ المسؤولين في البلاد يفعلون أيّ شيء من أجل المال وعلى حساب كرامتهم وتراثهم".
يُذكر أنّ السياحة، وهي قطاع رئيسي في الاقتصاد المصري، تعاني من آثار سلبية بسبب عدم الاستقرار السياسي في البلاد، والعنف الذي شهدته منذ الثورة التي أسقطت الرئيس المخلوع، حسني مبارك، في عام 2011. لكن، مع تصاعد التوترات الأمنية عقب الانقلاب العسكري الذي قاده الجيش ضدّ أول رئيس مصري منتخب في يوليو/ تموز 2013، هجر السيّاح تدريجياً الأماكن والمدن السياحية. وتسبّب الأمر في هبوط إيرادات السياحة بشكل سريع جداً عاماً بعد عام.
اقــرأ أيضاً
في الأيام القليلة الماضية، أقيم لأوّل مرة في التاريخ، حفل زفاف عروسَين في ساحة قلعة "قايتباي" في الإسكندرية، وهي الساحة التي تقع في الجهة الشرقية البحرية من القلعة. أتى ذلك كخطوة جديدة لوزارة الآثار في بحثها عن بدائل غير تقليدية للترويج السياحي، عن طريق تأجير تلك الساحة للأفراح بعد فتحها أمام الزائرين.
تُعَدّ قلعة "قايتباي" ثاني أهم القلاع الإسلامية التاريخية في مصر، هي التي دافعت عن المدينة الساحلية طوال مئات السنين. أما الحفل فيها، فأقيم داخل المبنى الأثري العتيق، على وقع موسيقى صاخبة وغناء شعبي. وقد بدأ في الثامنة مساءً وحضره 200 مدعو من أهل العروسَين.
بحسب متخصصين، فإنّ للقلعة وموقعها الفريد مخزوناً ثقافياً وتاريخياً بالغ الأهمية. لها كثير من الأسرار التي لم يُكشف عنها. من ذلك، آلاف القطع الأثرية النادرة الموجودة تحتها أو بين أحجارها وأسوارها. أيضاً، تصميمها المميّز يعكس اندماج وتعانق عبق التاريخ القديم مع البحر والطبيعة، ما يجعلها تحفة معمارية يحرص على زيارتها كثيرون من أجل استكشافها.
لطالما اهتمّ سلاطين مصر وحكامها على مرّ العصور، بمبنى القلعة العتيق للدفاع عن البلاد مذ بناها الملك، الأشرف قايتباي، في عام 1477 في الموقع القديم نفسه لمنارة الإسكندرية التي هُدمت في عام 1323 في زلزال مدمّر، بحسب ما يقول العالم الأثري، أحمد عبدالفتاح، وهو مستشار المجلس الأعلى للآثار والمشرف العام على آثار ومتاحف المحافظة الأسبق.
يوضح عبدالفتاح أنّ قايتباي، وهو من المماليك، بنى واحدة من أجمل القلاع الإسلامية في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط بالكامل. تأخذ القلعة شكلاً مربعاً يحيط به البحر من ثلاث جهات. وتبلغ مساحة الموقع نحو 18 ألف متر مربع. في الفترة الأخيرة زادت شهرتها بعدما تحوّلت إلى أكبر مزار سياحي في الإسكندرية، ما جعلها وجهة أساسية للمصريين والسيّاح من خارج البلاد.
يشير عبدالفتاح إلى معاناة جسم القلعة من آثار الحتّ الذي تسبّب في تشكّل فجوات كبيرة في الصخرة الأم التي شُيّدت عليها. وبلغ عرض إحدى الفجوات ستة أمتار وارتفاعها مترَين. كذلك انهار بعض السراديب البحرية، الأمر الذي استدعى إجراء صيانة لها قبل سنوات، ما أسهم في تقليل درجة الخطورة إلى حدّ ما.
من جهته، يقول مدير قلعة "قايتباي" أسامة الصياد، عن الحفل الأخير إنّه "أقيم بعد موافقة كتابية من وزير الآثار في الحكومة المصرية، خالد العناني، بهدف زيادة الدخل وتنشيط السياحة أسوة بما حدث من تنظيم أفراح وحفلات زفاف أخرى في قلعة صلاح الدين وقصر محمد علي وقصر البارون".
يوضح الصياد أنّ تصريح وزير الآثار ينصّ على دفع 15 ألف جنيه مصري (1700 دولار أميركي) للحفل الذي يبلغ عدد مدعويه 200 فرد فقط، بالإضافة إلى دفع المصاريف الإدارية الأخرى المتمثلة في صندوق العاملين والإشراف الأثري ومرافق الكهرباء. بذلك، تبلغ الكلفة الإجمالية للعرس نحو 25 ألف جنيه (2800 دولار). ويلفت إلى أنّ العروسين وقّعا ما يسمى بمحضر تنسيق بين شرطة السياحة والآثار وإدارة القلعة، للحفاظ على المسطحات الخضراء في الساحة الشرقية للقلعة حيث أقيم الحفل، والالتزام بعدم المساس بالأسوار والبرج الرئيسي. كذلك يؤكّد أنّ الحفل جرى في أمان ولم يشهد أي تجاوزات أو سلبيات، فضلاً عن سداد كل الرسوم المستحقة للوزارة.
من جهتها، تقول العروس، شيماء حسن مؤنس، وهي من سكان منطقة بولكلي في شرق الإسكندرية، إنّها اتفقت مع عريسها المهندس، أحمد يوسف، أن يحتفلا بزفافهما في قلعة "قايتباي"، التي وافقت وزارة الآثار على إقامة حفلات الزفاف فيها. وبالفعل، أبرم العريس عقداً مع إدارة القلعة حضره ممثلون عن شرطة السياحة والآثار. تضيف العروس أنّها اختارت القلعة إذ هي "تمثّل عبق التاريخ في الإسكندرية"، فضلاً عن عشقها الأماكن التاريخية. تتابع إنّها "في قمة الفرحة بسبب هذا الزفاف لما يمثله من قيمة كبيرة بالنسبة لكلّ إسكندراني ومصري".
لكنّ هذا الحفل أثار ردود فعل مستنكرة. بالنسبة إلى محمد محروس وهو محاسب في أحد مكاتب البريد في الإسكندرية، فإنّ مشاهد الأفراح في ساحة قلعة "قايتباي" الأثرية في الإسكندرية هي إهانة حقيقية للتاريخ واستخفاف بما يمثله من عظمة هذا الشعب على مدار أزمنة مضت. يضيف: "لم أصدّق عينَيّ عندما رأيت زفافاً لعروسَين في ساحة القلعة وحضرة التاريخ، وما شمله من أغانٍ شعبية وأسلوب ركيك ومبتذل في الاحتفال، وإطلاق أعيرة نارية وخرطوش وصواريخ وشماريخ في الهواء". ويطالب بحملة موسعة للضغط على المسؤولين والمتخصصين "بهدف التحرك والتراجع عن هذه الأفكار الغريبة والشاذة".
أما حسنية عبدالصمد، وهي إحدى مرتادات قلعة "قايتباي"، فتقول: "انتقدت بشدّة قرار إقامة الحفلات في الأماكن الأثرية التي تحظى بحب واهتمام السيّاح الأجانب قبل المصريين. تلك الأفعال غير المنضبطة من السماح بإقامة أفراح شعبية وخلافه، تتسبب في تشويه صورتها وتطفيش زائريها". تضيف: "الأفراح لها أماكنها في القاعات أو الساحات الشعبية أو ملحقات المساجد، أما المواقع الأثرية فلا بدّ من أن يكون لها احترامها كجزء من احترام العالم لها وللشعب المصري وتاريخه وحضارته. لكن يبدو أنّ المسؤولين في البلاد يفعلون أيّ شيء من أجل المال وعلى حساب كرامتهم وتراثهم".
يُذكر أنّ السياحة، وهي قطاع رئيسي في الاقتصاد المصري، تعاني من آثار سلبية بسبب عدم الاستقرار السياسي في البلاد، والعنف الذي شهدته منذ الثورة التي أسقطت الرئيس المخلوع، حسني مبارك، في عام 2011. لكن، مع تصاعد التوترات الأمنية عقب الانقلاب العسكري الذي قاده الجيش ضدّ أول رئيس مصري منتخب في يوليو/ تموز 2013، هجر السيّاح تدريجياً الأماكن والمدن السياحية. وتسبّب الأمر في هبوط إيرادات السياحة بشكل سريع جداً عاماً بعد عام.