أعداء نتنياهو... المجتمع الدولي والعرب والصحافة واليسار

01 فبراير 2017
يستخدم نتنياهو فيسبوك بكثافة (رونين زفولون/فرانس برس)
+ الخط -

يعتبر رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، أحد ثلاثة سياسيين إسرائيليين، برعوا عادة عند ظهورهم أمام الإعلام، وخصوصاً الإعلام الدولي، وأولوا أهمية كبيرة لعلاقة جيدة معه ومع الإعلام الإسرائيلي، وهم بالإضافة لنتنياهو، وزير خارجية إسرائيل الأسبق، آبا إيبان، والرئيس الإسرائيلي السابق شيمون بيريز. مع ذلك فإن علاقة نتنياهو بالإعلام الإسرائيلي، تراجعت منذ انتقاله من العمل في الحقل الدبلوماسي (منذ كان ملحقاً في السفارة الإسرائيلية في واشنطن عام 1982، وسفيراً لإسرائيل في الأمم المتحدة بين عامي 1984 ـ 1988)، إلى العمل السياسي والحزبي الداخلي. ومع أن نتنياهو حظي حتى دخوله المعترك الحزبي في إسرائيل مع انضمامه لليكود عام 1988 بترحيب وبتغطية مؤيدة ومتحمسة له، إلا أن هذه العلاقة سرعان ما تراجعت، بفعل انتقال نتنياهو من موقع يحظى دائماً بدعم من الصحافة الإسرائيلية، أي ممثل لإسرائيل في المحافل الدولية، إلى كونه سياسياً عرضة أيضاً لانتقادات وحملات معارضة له، وهو ما لم يكن نتنياهو على ما يبدو مستعداً لتقبّله وهضمه.

وشهدت علاقات نتنياهو منذ دخوله المعترك السياسي نائباً لليكود في الكنيست توتراً كبيراً وتراجعاً متواصلاً أيضاً، بفعل الهجمات التي بدأ نتنياهو بشنها على الإعلام الإسرائيلي ككل، واتهامه بأنه إعلام يساري يفتقر إلى المناعة القومية والوطنية، وعلى استعداد دائم لتقبّل مواقف أعداء وخصوم إسرائيل. وهي ادّعاءات رفضها الإعلام الإسرائيلي دائماً، لكن ذلك لم يمنع نتنياهو من مواصلة هذا الخط، حتى بعد اغتيال رئيس الوزراء إسحاق رابين، في نوفمبر/تشرين الثاني 1995، في أوج المعركة الانتخابية عام 1996 أمام خصمه بيريز، عندما أعلن أن الصحافيين ورجال الإعلام يخافون من صعود اليمين.

وعلى مرّ سنواته في الحكم منذ ولايته الأولى (1996 ـ 1998)، لم يتراجع نتنياهو عن الخط المناهض للإعلام، بل أمعن في محاربته لتبرير الانتقادات لأدائه السياسي، خصوصاً كلما تعرض لحملات تحقيق أمنية أو كلما صدرت تقارير لمراقب الدولة، تدين إدارة حكوماته، وآخرها التقرير الخاص بالعدوان على غزة عام 2014.

لم تخل اتهامات نتنياهو للإعلام من تصريحات وصلت إلى حد التحريض على الصحافيين الذين انتقدوه، مثل اتهامه قبل أشهر للصحافية الإسرائيلية، إيلانا ديان، على أثر تحقيق أجراه برنامجها "عوفدا" وتعني بالعربية "حقيقة" بأنها من اليسار المتطرف، وأنها هي وصحافيين آخرين مثل رافيف دروكر وأمنون أفراموفيتش، يعملون بدون كلل لإسقاط حكومة اليمين. ووصل الأمر بنتنياهو يوم الاثنين، إلى حدّ اتهام الصحافة الإسرائيلية، بأنها تقوم بحملات اصطياد منهجية وبلشفية له ولأفراد أسرته بغية إسقاط حكومته من الحكم.

لكن إلى جانب هذا العداء المعلن للصحافة، تبين أن نتنياهو وبحسب تحليل قامت به الجامعة المفتوحة لنشاطه على موقع "فيسبوك"، يكنّ عداءً شديداً لثلاث جهات، غير الإعلام، وهي: المجتمع الدولي، والعرب في الداخل، واليسار.



ووفقاً لدراسة المنشورات التي نشرها نتنياهو على صفحته على "فيسبوك"، يتضح أن الرجل الذي امتنع في السنوات الأخيرة، بشكل عام عن إجراء مقابلات مع الإعلام الإسرائيلي، في مقابل إجراء مقابلات مع وكالات وشبكات تلفزة أميركية، انتقل إلى العمل عبر شبكات التواصل بشكل لافت للنظر. وارتفع معدل منشوراته على صفحات التواصل الاجتماعي، وعلى صفحته على "فيسبوك" من 51 منشوراً في الشهر الواحد في مطلع عام 2016، إلى 91 منشوراً في الشهر الواحد في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام عينه، مع وصوله إلى عدد هائل من المتابعين، إذ وصل عدد متابعي صفحته إلى نحو مليوني شخص، مليون منهم من الولايات المتحدة و500 ألف من إسرائيل. ما يجعل التواصل عبر "فيسبوك" فرصة لنتنياهو للاستفادة من الإعلام البديل، ويتيح له توجيه رسائله كما يشاء، من دون أن يضطر للرد على أسئلة محرجة من الصحافيين أو الخصوم. في المقابل، بلغ عدد متابعي صفحات خصوم نتنياهو الرئيسيين في السياسة الإسرائيلية: يئير ليبيد ونفتالي بينيت واسحاق هرتسوغ وزهافا غلئون، مجتمعين، نحو مليون ومائة ألف متابع.

وكشف تحليل منشورات نتنياهو خلال هذه الفترة أنه كان يشن هجومه على مجموعات كاملة، وليس على أفراد، مما يساعده في تقويض شرعية هذه المجموعات. كما هو الحال في المنشورات التي نشرها ضد جمعيات اليسار وأحزاب اليسار في إسرائيل، إذ يردف دائماً بعد ذكر اسم الجمعية أو الحزب بعبارة "كباقي حركات وأحزاب اليسار المتطرف". وأحيانا يقوم نتنياهو بجمع كل هذه الجهات معاً عندما تحدث مثلاً في 25 ديسمبر/كانون الأول الماضي، بعد اتخاذ القرار الأممي 2334 ضد الاستيطان الإسرائيلي، بأن "جمعيات اليسار وأحزاب اليسار ووسائل الإعلام اليسارية مجتمعة، التي فرحت من القرار المعادي لإسرائيل في الأمم المتحدة، تماماً مثلما كان تقريباً الموقف العام في السلطة الفلسطينية وحركة حماس". وبهذه الطريقة رسخ نتنياهو معادلة واحدة تخدم أهدافه، إذ يضع الجميع في سلة واحدة "اليسار والإعلام والعرب يعملون ضد إسرائيل بنفس الدرجة". كما أظهرت الدراسة أن الهجمات التي يشنّها نتنياهو على المجتمع الدولي والأمم المتحدة مثلاً، كانت مجدية له.

لكن أبرز ما جاء في الدراسة المذكورة في تحليل نشاط نتنياهو، هو القول بأن نمط الرئيس الأميركي دونالد ترامب وأسلوبه، مع الإعلام باتا يسيطران على خطاب نتنياهو على صفحات "فيسبوك"، لا سيما منذ تولى ترامب مهام منصبه في 20 يناير/كانون الثاني الماضي. وهو ما برز في الأسبوع الأخير، إذ مضى نتنياهو قدماً في حربه ضد الإعلام الإسرائيلي وتغطيته لقضايا الفساد الخاصة به، ليصل إلى حدّ الادعاء بأن وسائل الإعلام اليسارية في إسرائيل تبث يومياً دعاية وتحريضاً ضده، وأن هناك تحالفاً بين صحافيين ورجال السياسة لتنفيذ انقلاب ضده في الحكم.

وبطبيعة الحال فقد كان للفلسطينيين في الداخل نصيب بارز في كل ما يتعلق بخطاب نتنياهو على "فيسبوك"، منذ أن بث يوم الانتخابات العامة في مارس/آذار 2015 شريطاً مصوّراً ادعى فيه أن "العرب يتدفقون على صناديق الاقتراع وأن جمعيات اليسار تنقلهم إلى مراكز الاقتراع بكميات كبيرة". وكرر نتنياهو هذا النسق من التحريض، عندما اشتعلت موجة الحرائق الأخيرة في إسرائيل، وكتب على صفحته حتى قبل إخماد الحرائق أن "هذه الحرائق هي بفعل فاعل وأننا نواجه إرهابا من نوع جديد". وقبل أسبوعين، وبعد ساعات من هدم 12 بيتاً في بلدة قلنسوة في الداخل الفلسطيني، قال إن "قواتنا قامت اليوم بهدم بيوت للعرب، وإن حكومتي لن تقبل بأقل من المساواة في تطبيق القانون بشكل متساو عند العرب واليهود".


المساهمون