"استطلاع المناطق لصالح المتظاهرين سابقاً والفصائل المسلحة المعارضة لاحقاً"، أو ما يطلق عليه اسم "كشاف"، تهمة تطارد الأطفال الذين يعتقلهم النظام السوري، إذ يرى بهؤلاء الأطفال، مشاريع "إرهابيين صغار".
يتعامل النظام مع الأطفال بنفس القسوة التي يتعامل بها مع ذويهم وأهالي منطقتهم، كما يستخدمهم عادة كأداة تعذيب أو ابتزاز لأقاربهم من المعتقلين.
يتحدث أبو اليمان الشامي (اسم مستعار)، لـ"العربي الجديد"، عن فترة اعتقاله لنحو ستة أشهر في أحد الأفرع الأمنية بدمشق، فيؤكد وجود أطفال في قبو الاعتقال.
ويقول "رأيت خلال اعتقالي نحو 10 أطفال، وقد يكون هناك غيرهم في باقي الزنازين، فهؤلاء كان جزء منهم في زنزانتي، ومنهم من رأيته خلال اقتيادي للتحقيق، بعض السجانين كان يسمح لهم بالبقاء في الممر لشدة ازدحام الزنازين، أكبرهم لم يكن يتجاوز العشرة أعوام".
ويتابع "أحدهم وصل إلى المعتقل مع والده وأخيه الأكبر سناً، بعد اعتقالهم على أحد الحواجز حيث كان يرافقهم بالسيارة. عندما رأيته في الزنزانة كان قد فقد والده وأخاه جراء التعذيب وسوء الرعاية الصحية، وأحدهما توفي إلى جانبه. كان قد مضى على اعتقاله أكثر من عامين. كان ولداً نحيلاً قليل الكلام، لكن يمتلك نظرة لم أرَ مثيلاً لها. مزيج غريب من القوة والقهر، كانت تهمته أنه كشاف للمسلحين، خرجت من المعتقل، وبقي هو ابن التسع سنوات، ولم تشفع له مدة الاعتقال أن يحوّل إلى محكمة أو إصلاحية للأحداث".
ومن الحالات الشاهدة على اعتقال الأطفال، تتردد باستمرار القصة التي رواها المعارض السوري، ميشيل كيلو في إحدى المقابلات التلفزيونية عام 2012، عن لقائه خلال اعتقاله في أحد الأفرع الأمنية، بشابة عشرينية، اعتقلت فقط لأنها ابنة أحد المعارضين الإسلاميين، حيث تم أخذها كرهينة لحين تسليم الأب نفسه، وبقيت في المعتقل لسنوات، وأنجبت طفلا في المعتقل عقب الاعتداء عليها جنسياً، وأصبح عمر الطفل نحو خمس سنوات وهو حبيس زنزانة أمه.
القصة ليست مستغربة أو صادمة، بحسب نبال، وهي ناشطة ومعتقلة سابقة في أحد الأفرع الأمنية ومن ثم أحد السجون المدنية، والتي تقول "في المعتقل كان هناك أطفال من مختلف الأعمار. بعضهم رضع، منهم من ولد في المعتقل، ومنهم من كان يجلب مع أمه للضغط على والده لتسليم نفسه، أو على والدته في التحقيق، وقد روت لي معتقلات أن بعض الأطفال تعرضوا للتعذيب أمام أهلهم لإجبارهم على الاعتراف".
كما يستشهد الكثير من الناشطين المعارضين بقصة اعتقال طبيبة الأسنان، رانيا العباسي، بطلة سورية والعرب في الشطرنج، مع أطفالها الستة، أصغرهم رضيعةً كانت لا تزال، وذلك عقب أيام قليلة من اعتقال زوجها، عام 2013 من منزلها في حي دمر بالعاصمة دمشق.
كانت تهمة الزوج أنه قدم مساعدة مالية لشاب من حمص، نزح إلى دمشق مع عائلته وبعدها بفترة عاد إلى حمص وانضم إلى أحد الكتائب المسلحة المعارضة. اختفت العائلة قسرياً من حينها، وإلى اليوم لا يعلم أحد مصير الطبيبة أو أطفالها، حيث لم تحول إلى أي محكمة أو توجه لهما أي تهم، رغم العديد من المناشدات لإطلاق سراح العائلة وخاصة الأطفال.
ويستخدم النظام ملف المعتقلين، المقدر عددهم بنحو 200 ألف على الأقل، كورقة تفاوض ضاغطة على المعارضة في حال تم عقد مفاوضات جدية للوصول إلى حل سياسي، وذلك لأثرها الاجتماعي الكبير، وخاصة الشق المتعلق بالأطفال والنساء، الذين لا توجد أرقام إحصائية دقيقة حول عددهم أو أوضاعهم في المعتقلات.