أطفال سوريا جوعى في لبنان

17 مارس 2014

الأطفال من ضحايا الصراع في سورية

+ الخط -

لبنان ليس سويسرا الشرق، كما يدّعون، ولا هو الملاذ الآمن، كما يفترض. إِنه مساحة مجاورة للمأساة السورية، وهذا ما جعله محطةً لنساءٍ وشيوخ وأَطفال وعائلات، جاؤوا بعدما دخلت سوريا غرفة العناية المشدّدة، وأَرتالٌ من أُمنياتٍ تتزاحم في خواطرهم. فضّلوا مفاجآت المجهول على الموت المعلوم، فكان التشرُّد والجوع والبؤس في انتظارهم، فتحوّلوا من حالة إنسانية إِلى مادة إعلامية، تلوكها وكالات الأنباء والهيئات والمنظمات المعنية. ودائماً ما يكون الأَطفال الحامل الموضوعي لأي نداءٍ إنساني، علماً أَن الألم واحد، بل أَستطيع القول إِن أَلم الكبار مُضاعَف، لأَنه يترافق مع انكسارٍ في النفس، وشعورٍ بالمذلّة. وفي كل مرة، يبقى الألم، ويتغيّر مصدره، وتتغيّر أَسبابه.

كان الشتاء، فاقتضت موجبات التغنّي بمآسي اللاجئين لحن البرد والمطر، علماً أَن كل موبقات العيش الكريم، بحده الأدنى، لم تكن موجودة، فغالبية الأطفال لم يلتحقوا بالمدارس، والمرضى لم يحصلوا على العلاج، والخيم بقيت في مستنقعات. وكان الجوع، وشح الماء الصالح للشرب، وما إلى ذلك مما يجعل الإنسان يزهد بحياته. وعندما بدأت تباشير وداع الشتاء تلوح، في تقويم المتابعين للشأن السوري، كان لا بد من أن يدقّوا ناقوس الخطر الذي يهدد اللاجئين السوريين في لبنان. ولكن، بنغمة جديدة، هي نغمة الجوع الذي يتهدد حياة نحو ألفي طفل دون الخامسة من العمر، نصفهم في منطقة البقاع، نتيجة سوء التغذية، وتدني مستوى النظافة، وعدم توافر المياه الصالحة للشرب. ووصفت ممثلة منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف" في بيروت، آنّا ماريا لوريني، سوء التغذية بأنه "تهديد جديد وصامت"، وكأن التهديدات القديمة تجاوزها اللاجئون، علماً أَنَّ المفوضية العليا لشؤون اللاجئين وثّقت، مع النصف الثاني من العام الدراسي الحالي، وجود 280000 طفل، أعمارهم بين ستة أَعوام و17 عاماً، لم يلتحق منهم في المدارس سوى 10%، وتم تسجيل عشرين ألفاً منهم.

لا جديد سوى الزيادة الملحوظة في عدد اللاجئين، وخصوصاً أن المعابر بين تركيا وسورية ليست كلها مفتوحة لاستقبال السوريين، وأَن الوصول إِلى الأردن والعراق شبه متعذّر، إِنْ لم نقل إِنه تعذَّر فعلًا، ولم يبق أمام اللاجئين السوريين إِلا لبنان. فأيّ نداءٍ إنساني نحتاجه ليدرك العالم الذي أَغمض عينيه عن مأساتنا وأَننا وصلنا إلى قاع البؤس، كلنا، صغاراً وكباراً، في المسائل الصحية والمعيشية والاجتماعية والإنسانية، وأنه لم تُحلّ ـ إلى الآن ـ أية مشكلة من مشكلاتنا كلاجئين، وقُدّمت علاجات موضعية، آنية، يمكن اعتبارها تجميلية. لا شك أن بؤس الأطفال السوريين تجاوز ما أَلفته الناس من بؤس، علماً أَن جمعيات وهيئات ومؤسسات وأفراداً يشتغلون على إنقاذ الأطفال السوريين في لبنان.

وأفادت لوريني، أَيضاً، بأن انتشار حالات سوء التغذية الحاد والشديد، في البقاع وشمال لبنان، تضاعف تقريباً في العام 2013، مقارنة مع 2012.  وأوضح مسؤول "يونيسيف" لشؤون الصحة والتغذية في لبنان، زروال عز الدين، أَن أَكثر الأطفال عرضةً لسوء التغذية هم الأطفال دون الخامسة من العمر، والذين يعيشون في أوضاع صعبة في مستوطنات الخيم. وتعمل المنظمة الأممية المعنية بالطفولة جاهدةً، مع وزارة الصحة العامة وغيرها من الأطراف الفاعلة لاتخاذ الإجراءات الطارئة. وبدأت جمعياتٌ وهيئات ومؤسساتٌ كثيرة تعملُ على إِغاثة اللاجئين، بدأت تفقد إِمكاناتها، وأَصبحت عاجزة أَمام الاحتياجات المتزايدة للاجئين، خصوصاً الجُدد منهم، وهم كُثُر. من هذه الجمعيات "مجموعة سوا" التي توجهت بنداءٍ إلى جميع المعنيين، للمساعدة في إِنقاذ حياة آلاف العائلات التي بدأت تتعرض لحالات السوء الغذائي والصحي. وغريبٌ أَن الحكومة اللبنانية لم تكلّف نفسها، إِلى الآن، مناقشة هذا الملف، كما في الدول التي تتعرض لمشكلاتٍ مماثلة، فهل ثمّة رغبة بأَن يتحول اللاجئون السوريون في لبنان إِلى قنبلة موقوتة؟

 

6936AD33-3819-43CB-9785-2AA538309826
إبراهيم الزيدي

إبراهيم الزيدي .. كاتب سوري مقيم في بيروت