أطفال بلا حقوق في مخيمات العراق

20 مايو 2019
كم طفلاً منهم يملك أوراقاً ثبوتية؟ (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -

كثيرون هم أطفال العراق الذين عايشوا الأوضاع الأمنية المتدهورة في البلاد. إلى جانب هؤلاء الذين يعانون من آثار ذلك، ثمّة آخرون يعانون من فقدانهم أبسط حقوقهم... الحصول على هوية.

عشرات آلاف الأطفال الذين وُلدوا في خلال فترة سيطرة تنظيم "داعش" على مناطق عدّة في العراق، ما زالوا من دون أوراق ثبوتية أو هويات، الأمر الذي يُهددهم بالحرمان من الدراسة والمعاملات الحكومية، بالإضافة إلى الاستجوابات الدائمة في مخيّمات النزوح حيث يوجدون. هذا ما تشير إليه منظمات إنسانية وحقوقية دولية وكذلك جهات عراقية، في حين يصف المجلس النرويجي للاجئين الأمر بأنّه "قنبلة موقوتة" في مدن شمال البلاد وغربها.

يفيد تقرير أصدره المجلس النرويجي للاجئين أخيراً بأنّ 45 ألف طفل عراقي يعيشون في مخيمات النزوح ويفتقدون إلى الوثائق الرسمية التي تُثبت تاريخ ولادتهم ومكانها. وهذا الرقم يؤكّده أعضاء في مجلس محافظة نينوى (شمال)، فيما تُتّهم وزارة الداخلية العراقية بعدم تبنّيها الملف، بالإضافة إلى عملها بـ"رتابة" لا تتناسب مع حجم تلك الكارثة الإنسانية. يُذكر أنّ الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين، يان إيغلاند، كان قد أكّد، الأسبوع الماضي، في تصريحات صحافية: "نحن نواجه قنبلة بشرية موقوتة، فلا يمكن أن يكون المجتمع في سلام إذا سُمح لجيل من الأطفال لا يمتلك وثائق مدنية بأن يكبر في وسطه. والسماح لهؤلاء الأطفال بالحصول على التعليم والرعاية، وبكل بساطة الحصول على حقهم في الوجود، هو أمر أساسي لضمان مستقبل مستدام لهم ولبلادهم".




من جهتها، رمت وزارة الهجرة والمهجرين العراقية الكرة في ملعب وزارة الداخلية، بحسب ما يقول موظف في شعبة الإعلام في الوزارة فضّل عدم الكشف عن هويته لـ"العربي الجديد". يضيف أنّ "تسجيل العراقيين وما يتعلق بملف الهويات والوثائق للمواطنين العراقيين من مسؤولية الوزارة، وهي الملتزمة بذلك بحسب الدستور". في السياق، يشير عضو مجلس محافظة نينوى، أضحوي الصعيب، لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "الروتين الذي تتّبعه الحكومة في إصدار الهويات والإجراءات المعقدة التي تمارسها وزارة الداخلية يحرمان الأطفال المولودين في فترة سيطرة داعش على مناطق نينوى من تلك الهويات". ويوضح أنّ "من بين الأطفال من توفي والداه (أو أحدهما) نتيجة الأعمال الإرهابية والانتهاكات التي مارسها التنظيم في المدينة. كذلك ثمّة أطفال ذووهم على قيد الحياة، لكنّهم لا يملكون أيّ أوراق ثبوتية بسبب ضياعها خلال النزوح، الأمر الذي يتطلب الشروع في الحصول على مستمسكات كاملة جديدة ومن ثمّ توثيق ولادة هؤلاء الأطفال".

ويتابع الصعيب أنّ "الأطفال في المخيمات ليسوا جميعهم من أبناء العرب والأجانب المنتمين إلى داعش والذين قتلوا خلال العمليات العسكرية، بل هم بمعظمهم من أبناء محافظة نينوى ومحافظات عراقية أخرى"، لافتاً إلى أنّ "مجلس المحافظة يُلام كثيراً من قبل جهات ومنظمات محلية، مع العلم أنّ السلطة المحلية في المدن ومجلس المحافظة غير قادرَين على فكّ الزحام الموجود في الدوائر المتخصصة بتغيير الهويات وإصدارها، لأنّهما من دون صلاحيات. هذا الأمر مرتبط حصراً بوزارة الداخلية".

هويّته مجهولة وقد وُلد في المخيّم (أحمد الربيعي/ فرانس برس)

بالنسبة إلى عضو "ائتلاف الوطنية" في محافظة نينوى، جميلة العبيدي، فإنّ "معاناة إصدار الوثائق للمواطنين والأطفال في مدينة الموصل (مركز المحافظة) لا تعني فقط المتضررين من الإرهاب والنازحين، إنّما تشمل المواطنين العاديين الذين يقضون أشهراً من أجل إتمام معاملاتهم، وسط فساد كبير في دوائر الدولة الخدمية". وتشدّد لـ"العربي الجديد" على أنّ "الجميع في دائرة الاتهام فيما يتعلق بضياع مستقبل آلاف الأطفال وحقوقهم من قبيل الصحة والتعليم. فالمدارس الانتقالية في المخيمات، على سبيل المثال، لم تَعد تستقبل الأطفال الذين لا يملكون وثائق رسمية، وبذلك نحن أمام كارثة كبيرة".

تجدر الإشارة إلى أنّ المجلس النرويجي للاجئين أوضح في تقريره الأخير أنّ شروط الالتحاق بالمدارس تشمل امتلاك التلميذ أوراقاً ثبوتية (وثائق مدنية) ومن دونها لا يمكنه التسجيل أو إجراء الامتحانات أو الحصول على شهادات التخرّج. أضاف المجلس أنّه مع بلوغ هؤلاء الأطفال سنّ الرشد، فإنّهم سوف يُحرَمون من حقهم في امتلاك وثائق ملكية خاصة أو التعيينات الحكومية أو وثائق الزواج الرسمية. كذلك توقّع المجلس في تقريره نفسه أن تشهد الأسابيع المقبلة ارتفاعاً كبيراً في عدد الأطفال غير المسجلين، وذلك بالتزامن مع عودة أكثر من 30 ألف عراقي من سورية، 90 في المائة منهم زوجات وأطفال المشتبه في تعاملهم مع تنظيم "داعش".




في سياق متصل، يقول ضابط من وزارة الداخلية العراقية، فضّل عدم الكشف عن هويته، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الوزارة هي من دون وزير حالياً، وقرار صعب مثل تجنيس الأطفال يحتاج إلى وزير أو رئيس مجلس الوزراء". يضيف أنّ "الأمر يتطلّب التحقيق مع أهالي الأطفال وإجراء فحوصات عدّة للتأكد من نسب الأطفال قبل تسجيلهم". ويشير الضابط نفسه إلى أنّ "استكمال تسجيلهم أمر سهل ولا يتطلب سوى أيام تُرسَل في خلالها فرق مختصة إلى المخيمات. لكنّ الصعوبة تتعلّق بتسجيل أطفال عناصر داعش، لأنّ الحكومة العراقية لا تعرف حتى الآن كيفية التعامل معهم. ولعلّ تأخّر تسجيل الأطفال في المخيمات هو بسبب أطفال مقاتلي داعش".
دلالات