أطفال العراق في ساحات التظاهر

15 ديسمبر 2019
إشارة نصر صغيرة (العربي الجديد)
+ الخط -

في أحيان كثيرة، يتورّط الأطفال في قضايا لا يفقهونها. لكنّهم، في مواقف معيّنة، يبدون مدركين ما يدور من حولهم، وهذه هي حال بعضهم في العراق اليوم.

في ساحة التحرير بالعاصمة العراقية بغداد، لا يمكن لأحد تفويت مشاركة أطفال بأعمار مختلفة في الاحتجاجات المستمرة في البلاد منذ أكتوبر/ تشرين الأوّل الماضي. هؤلاء، بصحبة ذويهم، يرفعون علم العراق الذي رُسم كذلك على وجوههم، وينخرطون في نشاطات مختلفة تُنظَّم هنا. والصغار، بحسب ما يؤكدون هم وذووهم، يطيب لهم الحضور إلى ساحة الاحتجاج. وهم، بعضهم على أقلّ تقدير، صاروا يفضّلون ساحات التظاهر على ساحات اللعب والمتنزّهات وكذلك الألعاب الإلكترونية.

تقول سوسن الجنابي، التي تدير روضة أطفال أهلية في جانب الكرخ من بغداد، لـ"العربي الجديد"، إنّ "أناشيد المحتجّين صارت مفضّلة لدى الأطفال"، لافتة إلى أنّ "ثمّة منهاجاً تعليمياً وتربوياً في الروضة يتضمّن تحفيظ الصغار النشيد الوطني ومعلومات مبسّطة حول الوطن، لكنّ الأطفال يرددون أناشيد وهتافات سياسية لم تلقّنهم إيّاها معلمّاتهم". وتؤكد أنّ "ثمّة حالة فريدة نسجّلها اليوم، فكلام الصغار بمعظمه يتناول التظاهرات وتعرّض المتظاهرين للقتل. وهم يقاطعون حصص التعليم أو اللعب ليطرحوا على معلماتهم أسئلة حول موضوع التظاهرات، بعضها أسئلة محرجة، إذ تتعلق بالسياسة والحكم، وهو ما لا يتناسب لا مع سنّهم ولا مع طبيعة المكان".




ويبدو تأثّر الأطفال بالتظاهرات واضحاً من خلال أساليب لعبهم في الأحياء التي يقطنونها، وفي أوقات كثيرة تؤدّي مجموعات من الصغار دور المتظاهرين، فتسير في الأزقة وهي تردد شعارات وأهازيج وطنية حفظوها من مواقع التظاهر، حاملين علم البلاد. في هذا الإطار، تقول إسراء البكري، لـ"العربي الجديد"، إنّ "ولدَينا البالغَين من العمر سبعة أعوام وثمانية، باتا يقلقاننا أنا وزوجي بشكل كبير، فهما يعبّران دائماً عن رغبتهما في المبيت في ساحة التحرير حيث التظاهرات". تضيف أنّهما "يطالباننا دائماً باصطحابهما إلى ساحة التظاهر، لكنّنا بسبب ظروف عمل زوجي وارتباطاته التي تستدعي السفر المستمر إلى محافظات أخرى، لا يمكننا ذلك بوتيرة يومية". وتخبر البكري أنّهما "رفضا في مرّة الذهاب إلى المدرسة وأعلنا أنّهما سوف يعمدان إلى الإضراب لأربعة أيام تضامناً مع المتظاهرين، لكنّ والدهما نجح في إقناعهما بضرورة الالتزام بالدوام المدرسي، فيما يصطحبهما إلى الساحة كلّما سمح له الوقت بذلك". وتؤكد أنّ "اهتمام أصدقائهما جميعاً تحوّل إلى التظاهر والتردّد على ساحة التحرير".

يلوّن وجهه بعلم الوطن (العربي الجديد)

ويقرّ العراقيون بفخر بأنّ أولادهم صاروا أكثر وعياً ووطنية وحبّاً لبلدهم منذ بدء التظاهرات التي يحرصون على متابعة تطوّراتها. وكثر حفظوا أسماء متظاهرين بارزين وآخرين سقطوا بسبب العنف المفرط الذي استخدمته القوات الأمنية لفضّ التظاهرات. بالنسبة إلى بهاء الذهبي، الذي يشارك في التظاهرات منذ انطلاقها ويبيت باستمرار في ساحة التحرير، فإنّ عدد الأطفال كبير في ساحة التظاهر، موضحاً لـ"العربي الجديد"، أنّ "ثمّة حالات تثير الاستغراب. فقد رأيت أطفالاً يبكون في مرّات عديدة وهم يستمعون إلى الأغاني الوطنية في ساحة التظاهر أو حين يضيئون الشموع أمام صور شهداء. تأثّرهم بالأحداث إلى هذا الحدّ أمر يثير الدهشة". يضيف الذهبي أنّ "الأطفال يحاولون أن يجدوا لأنفسهم مكاناً ودوراً في التظاهرات. ونراهم كيف يساعدون في توزيع الطعام والشراب وفي التنظيف وفي أعمال كثيرة. هم يحاولون التصرّف كالكبار، وكثيرون يقلّدون المتظاهرين بالهتاف وبأمور أخرى". ويشدد على أنّ "هؤلاء الصغار يشعروننا نحن المتظاهرين بالفخر. هم يؤكّدون أنّ مستقبل وطننا بخير، بوجودهم".



والأطفال اليوم يحفظون عدد الضحايا وأسماءهم وأنواع الأسلحة المستخدمة من قبل القوات الأمنية في قتل المتظاهرين، ويسألون عن الأحداث التي تحصل في ساحات التظاهر بالعاصمة بغداد وبقية المدن. يفعلون ذلك، بحسب ما تقول رواء عبد الله، "في حين أنّ من هم في مثل سنّهم يحفظون عادة أنواع ألعابهم وأسماء أفلام الرسوم المتحركة وبرامج الأطفال". وعبد الله، المنتظمة في العمل التطوعي الإغاثي في ساحة التحرير، تخبر "العربي الجديد"، بأنّ "من أكثر ما يشدّ انتباهها في ساحة التظاهر هم الأطفال الذين يحضرون ويشاركون في الاحتجاجات"، مؤكدة أنّهم "جميعهم يحضرون برغبة منهم وليسوا مرغمين من قبل ذويهم، بخلاف ما صرّح به سياسي معارض للاحتجاجات بأنّ المتظاهرين يستغلون الأطفال ويحضرونهم إلى ساحات التظاهر ويعرّضونهم للخطر".