الأطفال في سورية من أكثر الضحايا تأثراً بالحرب. من بقي منهم حياً يتعايش مع آثار نفسية مؤلمة ومشاعر سلبية تصل في بعض الأحيان إلى ترك المدرسة، واستخدام مفردات سيئة واللجوء إلى العنف
تقترب الحرب في سورية من عامها السادس، والبلاد تتجه إلى المزيد من التصعيد في مختلف أشكاله. مع الحرب يوميات صعبة لأناس يعيشون أقسى الظروف داخل مدنهم وقراهم، أو في مخيمات اللجوء ومراكز النزوح. هي حرب مدمرة لكلّ شيء في سورية، بمنشآتها وناسها وأنظمتها الحياتية. وسط هؤلاء لا ينتبه كثيرون إلى الأطفال الذين يذهبون ضحية الحرب. منهم من يقتل أو يصاب أو ينال إعاقة ما، وكلّهم يعاني آثاراً نفسية سترافقه في حياته حتى لو انتهت الحرب يوماً ما كما يرتجي معظم السوريين.
بين القصف والخطف والنزوح، بات الخوف جزءاً من يوميات أطفال سورية. كلّ واحد منهم يعبّر عنه بطريقته الخاصة. حمزة مثلاً يرسم عالماً يتخيله مليئاً بالألوان. حسام يعكس في المقابل واقعه المليء بالقنابل والطائرات. وئام تسعى للتغلب على خوفها بعد قتل والدها في المعتقل. كلّ هذا العنف الذي يمارس على الأطفال ينعكس لينتج أحياناً عنفاً متجدداً يتجسد في ألعابهم ورسومهم ومفرداتهم.
حمزة (12 عاماً) طفل يعيش مع عائلته في قلب مدينة الحسكة الواقعة تحت سيطرة النظام السوري. كان يذهب إلى مدرسته مع أصدقائه في الحي مشياً على الأقدام. لكنه، مع دخول الحرب إلى مدينته، انتابه الخوف وبات يطلب من والده أن يوصله إلى المدرسة. في أحد الأيام بينما كان حمزة عائداً من المدرسة مع والده، انفجرت سيارة مفخخة على مقربة منهما، ومن حسن حظهما أنهما نجوا ولم يصابا بأذى جسدي. إلاّ أنّ صور الانفجار وأشلاء الضحايا بقيت في ذاكرته ولم تمح. يقول حمزة: "شاهدت أشلاء القتلى أمامي وسمعت صراخ وعويل الناس في الشارع، ومنذ تلك اللحظة تغيرت حياتي ولم تعد كما كانت من قبل، وأصبحت أخشى الابتعاد عن والديّ وأريدهما إلى جانبي كلّ الوقت".
منذ التفجير فقد حمزة رغبته بالذهاب الى المدرسة وتراجع مستواه التعليمي بشكل كبير. يقول: "أريد أن أذهب إلى مكان لا حرب فيه ولا انفجارات، وتتوفر فيه الكهرباء والماء. لا أريد المدرسة، أريد فقط أن أصبح رساماً، أرسم أزهاراً وحيوانات أليفة وأسماكاً، فأنا أحبها أكثر من البشر".
مع حسام (9 أعوام) الوضع مختلف. لا أزهار ولا حيوانات أليفة في خياله، بل طائرات ودبابات وأشلاء قتلى فقط. حسام فقد بيته في قرية خربة غزالة في جنوب سورية بعد تدميره تماماً بالقصف. لجأت عائلته الى مدينة السويداء الواقعة تحت سيطرة النظام السوري. هو اليوم يعيش في مركز لإيواء النازحين. يسكن مع والدته وأربعة أشقاء في غرفة سكنية جاهزة قابلة للنقل، قريبة من المدرسة. يعيشون على الإعانات المقدمة إليهم من المنظمات الإغاثية.
التحق حسام بالمدرسة التي افتتحت في المركز. أدخل إلى الصف الثاني الابتدائي بدلاً من الثالث، بسبب انقطاعه عن المدرسة لسنة كاملة نظراً لظروف الحرب في قريته. بدا سعيداً مع بداية العام الدراسي الحالي، لكنه سرعان ما فقد رغبته بالدرس. يقول: "لم أعد أريد الذهاب إلى المدرسة. المدرّسون يعاملوننا بقسوة، ويقولون إنّ آباءنا إرهابيون".
التحق حسام بورشة للرسم تقيمها منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) لدعم الأطفال في مراكز الإيواء. تشكل الورشة متنفسه الوحيد الذي يخرج ما يحمله في صدره عبر الفرشاة والألوان. لكنّ لوحاته دائماً مليئة بالطائرات والقنابل.
جلّ ما يتمناه حسام أن تتوقف الحرب ليعود إلى منزله ومدرسته، وما زال يردد: "بيتنا أجمل بكثير من هذه الغرفة، ومدرستي كانت كبيرة وفيها ساحات واسعة للعب كرة القدم. عندما أعود إلى هناك سألعب مع أصدقائي لأنني اشتقت لهم، وسأتابع دراستي لأصبح مدرّساً كوالدي الشهيد".
من جهته، يصف أحد الاختصاصيين المسؤول عن ورشات الرسم في مركز الإيواء حالة الأطفال بالصعبة: "يعيش الأطفال هنا في سجن كبير، مع إحساس دائم بأنهم مراقبون. يعانون مع عائلاتهم في كلّ جوانب الحياة، من تأمين الطعام والملابس إلى التدفئة".
يتابع: "قد تخفف الفعاليات التي نقوم بها بعضاً من معاناة الأطفال لأنها تفتح لهم فضاءات واسعة للتعبير، فهم يعيشون هنا في تناقض كبير، لأنّ معظمهم جاء من مناطق مشتعلة تابعة للمعارضة. وقد قصف النظام بيوتهم وتسبب في تهجيرهم. في المقابل، هم يدرسون هنا مناهج النظام المليئة بمديح جيشه، ويقوم بتدريسهم مدرسون تابعون للنظام لا يتوقفون عن شتم المعارضة (والتي يمثلها أهالي هؤلاء الأطفال وذووهم) ووصفها بالإرهاب".
قد تختلف معاناة الأطفال في مراكز الإيواء داخل سورية عن معاناة أقرانهم في كثير من مخيمات اللجوء في الدول المجاورة. ففي مخيم الزعتري في الأردن، يعيش الأطفال في ظروف قاسية جداً داخل خيام لا تحميهم من حر الصيف ولا برد الشتاء. ويذهبون إلى مدارسهم المقامة داخل المخيم شبه حفاة على طرقات يغمرها الوحل، في محاولة لاستمرار الحياة رغم صعوبتها.
أما في تركيا، فتختلف معاناة الأطفال السوريين اللاجئين باختلاف مناطق تواجدهم. ويصل بعضها إلى حدّ تسرب الأطفال من المدارس ليعملوا متسولين في الطرقات. لكنهم جميعاً سواء دخلوا المدارس أم لا، يحملون هموماً أكبر بكثير من قدرتهم على التحمل.
وئام (9 سنوات) تلميذة في الصف الرابع الابتدائي. انتقلت مع أسرتها إلى تركيا، مهجرين من مدينة حلب قبل نحو 8 أشهر. السبب كما تشرحه: "تهدمت أجزاء كبيرة من منزلنا ببرميل متفجر. مات الكثير من جيراننا، لكننا نجونا". تجتهد وئام في إخفاء دموعها، لكنها تنهال بغزارة أثناء حديث مدرّسها عن ضرورة الإحسان للوالدين. يفاجأ الجميع بصوت نحيبها يرتفع من دون أن يعرفوا سبب بكائها هذا. يلتف التلاميذ الآخرون حولها، ويسألها المدرّس عن سبب بكائها، فتهمس وئام: "اشتقت إلى أبي. قالوا إنه مات ولم أره. فقدته منذ سنتين عندما اعتقله النظام أثناء توجهه لقبض راتبه الشهري ولم نره حتى اليوم، ولا أحد يعرف عنه شيئاً".
تعيش وئام اليوم مع أشقائها الثلاثة في منطقة فقيرة في جنوب تركيا، قريبة من مدينة أنطاكيا. ليست كثيرة الاختلاط واللعب مع أقرانها، بل تتسم بالشرود والعزلة في معظم الأوقات.
بحسب مدرس وئام، فقد كانت في الفترة الأولى داخل الصف قليلة المشاركة في الدرس بالرغم من مستواها الجيد. لكنها تغيرت بعض الشيء أخيراً وباتت تحقق نتائج أفضل.
تقول وئام: "أطمح في أن أصبح مستقبلاُ محاسبة كوالدي، فأنا أفتخر به وأريده أن يفتخر بي أينما كان. اليوم، بعد مرور ثمانية أشهر على خروجي من حلب، أشعر ببعض الأمان. لم أعد أخاف من الأصوات العالية والخروج من المنزل، وأصبحت أكثر سعادة هنا، بالرغم من ضيق الحال واضطرار أخي الأكبر (13 عاماً) إلى ترك المدرسة والعمل لمساعدتنا على الاستمرار".
في المقابل، يتولى المدرّس السوري حسام الجبلاوي التدريس في المدرسة التركية التي تقصدها وئام. هو حاول جاهداً مساعدتها في تخطي حزنها والعودة إلى الحياة الطبيعية في المدرسة. يتحدث الجبلاوي عن أوضاع الأطفال في هذه المنطقة: "يعاني الأطفال النازحون هنا من الضغوط المادية التي تثقل كواهل أسرهم. فبسبب ساعات العمل الطويلة، يبتعد أولياء الأمور عن رعاية أطفالهم على الصعيدين التعليمي والنفسي. كما تعتبر مشكلة الاندماج مع المجتمع الجديد ولغته والتواصل معه من أبرز التحديات التي يواجهها الأطفال. الطفل السوري يجد نفسه غريباً تماماً عند اللعب مع الأولاد الآخرين في الحي".
كذلك، يلاحظ الجبلاوي وغيره من المدرّسين، في مراقبتهم للأطفال بعض المظاهر الغريبة: "حالة أخرى تبدو جلية عند الأطفال السوريين النازحين، وهي اكتسابهم صفة العنف. معظم ألعابهم باتت تتخذ شكل الحرب والمعارك، أو الألعاب القتالية العنيفة. وبالإضافة إلى ذلك، بات الأطفال يستخدمون ألفاظاً ومصطلحات سيئة قد يكونون حملوها معهم من البيئة التي خرجوا منها في سورية والحرب الجارية فيها".
ويشير الجبلاوي كذلك إلى جانب سلبي آخر: "ترتفع أعداد عمالة الأطفال ويزداد تسربهم من المدرسة بشكل مستمر. بعض التلاميذ يعملون في المدرسة ويدرسون فيها في الوقت نفسه بسبب حاجة العائلة للمورد المالي".
اقرأ أيضاً: أطفال سورية وجدوا طريقهم إلى المدرسة
تقترب الحرب في سورية من عامها السادس، والبلاد تتجه إلى المزيد من التصعيد في مختلف أشكاله. مع الحرب يوميات صعبة لأناس يعيشون أقسى الظروف داخل مدنهم وقراهم، أو في مخيمات اللجوء ومراكز النزوح. هي حرب مدمرة لكلّ شيء في سورية، بمنشآتها وناسها وأنظمتها الحياتية. وسط هؤلاء لا ينتبه كثيرون إلى الأطفال الذين يذهبون ضحية الحرب. منهم من يقتل أو يصاب أو ينال إعاقة ما، وكلّهم يعاني آثاراً نفسية سترافقه في حياته حتى لو انتهت الحرب يوماً ما كما يرتجي معظم السوريين.
بين القصف والخطف والنزوح، بات الخوف جزءاً من يوميات أطفال سورية. كلّ واحد منهم يعبّر عنه بطريقته الخاصة. حمزة مثلاً يرسم عالماً يتخيله مليئاً بالألوان. حسام يعكس في المقابل واقعه المليء بالقنابل والطائرات. وئام تسعى للتغلب على خوفها بعد قتل والدها في المعتقل. كلّ هذا العنف الذي يمارس على الأطفال ينعكس لينتج أحياناً عنفاً متجدداً يتجسد في ألعابهم ورسومهم ومفرداتهم.
حمزة (12 عاماً) طفل يعيش مع عائلته في قلب مدينة الحسكة الواقعة تحت سيطرة النظام السوري. كان يذهب إلى مدرسته مع أصدقائه في الحي مشياً على الأقدام. لكنه، مع دخول الحرب إلى مدينته، انتابه الخوف وبات يطلب من والده أن يوصله إلى المدرسة. في أحد الأيام بينما كان حمزة عائداً من المدرسة مع والده، انفجرت سيارة مفخخة على مقربة منهما، ومن حسن حظهما أنهما نجوا ولم يصابا بأذى جسدي. إلاّ أنّ صور الانفجار وأشلاء الضحايا بقيت في ذاكرته ولم تمح. يقول حمزة: "شاهدت أشلاء القتلى أمامي وسمعت صراخ وعويل الناس في الشارع، ومنذ تلك اللحظة تغيرت حياتي ولم تعد كما كانت من قبل، وأصبحت أخشى الابتعاد عن والديّ وأريدهما إلى جانبي كلّ الوقت".
منذ التفجير فقد حمزة رغبته بالذهاب الى المدرسة وتراجع مستواه التعليمي بشكل كبير. يقول: "أريد أن أذهب إلى مكان لا حرب فيه ولا انفجارات، وتتوفر فيه الكهرباء والماء. لا أريد المدرسة، أريد فقط أن أصبح رساماً، أرسم أزهاراً وحيوانات أليفة وأسماكاً، فأنا أحبها أكثر من البشر".
مع حسام (9 أعوام) الوضع مختلف. لا أزهار ولا حيوانات أليفة في خياله، بل طائرات ودبابات وأشلاء قتلى فقط. حسام فقد بيته في قرية خربة غزالة في جنوب سورية بعد تدميره تماماً بالقصف. لجأت عائلته الى مدينة السويداء الواقعة تحت سيطرة النظام السوري. هو اليوم يعيش في مركز لإيواء النازحين. يسكن مع والدته وأربعة أشقاء في غرفة سكنية جاهزة قابلة للنقل، قريبة من المدرسة. يعيشون على الإعانات المقدمة إليهم من المنظمات الإغاثية.
التحق حسام بالمدرسة التي افتتحت في المركز. أدخل إلى الصف الثاني الابتدائي بدلاً من الثالث، بسبب انقطاعه عن المدرسة لسنة كاملة نظراً لظروف الحرب في قريته. بدا سعيداً مع بداية العام الدراسي الحالي، لكنه سرعان ما فقد رغبته بالدرس. يقول: "لم أعد أريد الذهاب إلى المدرسة. المدرّسون يعاملوننا بقسوة، ويقولون إنّ آباءنا إرهابيون".
التحق حسام بورشة للرسم تقيمها منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) لدعم الأطفال في مراكز الإيواء. تشكل الورشة متنفسه الوحيد الذي يخرج ما يحمله في صدره عبر الفرشاة والألوان. لكنّ لوحاته دائماً مليئة بالطائرات والقنابل.
جلّ ما يتمناه حسام أن تتوقف الحرب ليعود إلى منزله ومدرسته، وما زال يردد: "بيتنا أجمل بكثير من هذه الغرفة، ومدرستي كانت كبيرة وفيها ساحات واسعة للعب كرة القدم. عندما أعود إلى هناك سألعب مع أصدقائي لأنني اشتقت لهم، وسأتابع دراستي لأصبح مدرّساً كوالدي الشهيد".
من جهته، يصف أحد الاختصاصيين المسؤول عن ورشات الرسم في مركز الإيواء حالة الأطفال بالصعبة: "يعيش الأطفال هنا في سجن كبير، مع إحساس دائم بأنهم مراقبون. يعانون مع عائلاتهم في كلّ جوانب الحياة، من تأمين الطعام والملابس إلى التدفئة".
يتابع: "قد تخفف الفعاليات التي نقوم بها بعضاً من معاناة الأطفال لأنها تفتح لهم فضاءات واسعة للتعبير، فهم يعيشون هنا في تناقض كبير، لأنّ معظمهم جاء من مناطق مشتعلة تابعة للمعارضة. وقد قصف النظام بيوتهم وتسبب في تهجيرهم. في المقابل، هم يدرسون هنا مناهج النظام المليئة بمديح جيشه، ويقوم بتدريسهم مدرسون تابعون للنظام لا يتوقفون عن شتم المعارضة (والتي يمثلها أهالي هؤلاء الأطفال وذووهم) ووصفها بالإرهاب".
قد تختلف معاناة الأطفال في مراكز الإيواء داخل سورية عن معاناة أقرانهم في كثير من مخيمات اللجوء في الدول المجاورة. ففي مخيم الزعتري في الأردن، يعيش الأطفال في ظروف قاسية جداً داخل خيام لا تحميهم من حر الصيف ولا برد الشتاء. ويذهبون إلى مدارسهم المقامة داخل المخيم شبه حفاة على طرقات يغمرها الوحل، في محاولة لاستمرار الحياة رغم صعوبتها.
أما في تركيا، فتختلف معاناة الأطفال السوريين اللاجئين باختلاف مناطق تواجدهم. ويصل بعضها إلى حدّ تسرب الأطفال من المدارس ليعملوا متسولين في الطرقات. لكنهم جميعاً سواء دخلوا المدارس أم لا، يحملون هموماً أكبر بكثير من قدرتهم على التحمل.
وئام (9 سنوات) تلميذة في الصف الرابع الابتدائي. انتقلت مع أسرتها إلى تركيا، مهجرين من مدينة حلب قبل نحو 8 أشهر. السبب كما تشرحه: "تهدمت أجزاء كبيرة من منزلنا ببرميل متفجر. مات الكثير من جيراننا، لكننا نجونا". تجتهد وئام في إخفاء دموعها، لكنها تنهال بغزارة أثناء حديث مدرّسها عن ضرورة الإحسان للوالدين. يفاجأ الجميع بصوت نحيبها يرتفع من دون أن يعرفوا سبب بكائها هذا. يلتف التلاميذ الآخرون حولها، ويسألها المدرّس عن سبب بكائها، فتهمس وئام: "اشتقت إلى أبي. قالوا إنه مات ولم أره. فقدته منذ سنتين عندما اعتقله النظام أثناء توجهه لقبض راتبه الشهري ولم نره حتى اليوم، ولا أحد يعرف عنه شيئاً".
تعيش وئام اليوم مع أشقائها الثلاثة في منطقة فقيرة في جنوب تركيا، قريبة من مدينة أنطاكيا. ليست كثيرة الاختلاط واللعب مع أقرانها، بل تتسم بالشرود والعزلة في معظم الأوقات.
بحسب مدرس وئام، فقد كانت في الفترة الأولى داخل الصف قليلة المشاركة في الدرس بالرغم من مستواها الجيد. لكنها تغيرت بعض الشيء أخيراً وباتت تحقق نتائج أفضل.
تقول وئام: "أطمح في أن أصبح مستقبلاُ محاسبة كوالدي، فأنا أفتخر به وأريده أن يفتخر بي أينما كان. اليوم، بعد مرور ثمانية أشهر على خروجي من حلب، أشعر ببعض الأمان. لم أعد أخاف من الأصوات العالية والخروج من المنزل، وأصبحت أكثر سعادة هنا، بالرغم من ضيق الحال واضطرار أخي الأكبر (13 عاماً) إلى ترك المدرسة والعمل لمساعدتنا على الاستمرار".
في المقابل، يتولى المدرّس السوري حسام الجبلاوي التدريس في المدرسة التركية التي تقصدها وئام. هو حاول جاهداً مساعدتها في تخطي حزنها والعودة إلى الحياة الطبيعية في المدرسة. يتحدث الجبلاوي عن أوضاع الأطفال في هذه المنطقة: "يعاني الأطفال النازحون هنا من الضغوط المادية التي تثقل كواهل أسرهم. فبسبب ساعات العمل الطويلة، يبتعد أولياء الأمور عن رعاية أطفالهم على الصعيدين التعليمي والنفسي. كما تعتبر مشكلة الاندماج مع المجتمع الجديد ولغته والتواصل معه من أبرز التحديات التي يواجهها الأطفال. الطفل السوري يجد نفسه غريباً تماماً عند اللعب مع الأولاد الآخرين في الحي".
كذلك، يلاحظ الجبلاوي وغيره من المدرّسين، في مراقبتهم للأطفال بعض المظاهر الغريبة: "حالة أخرى تبدو جلية عند الأطفال السوريين النازحين، وهي اكتسابهم صفة العنف. معظم ألعابهم باتت تتخذ شكل الحرب والمعارك، أو الألعاب القتالية العنيفة. وبالإضافة إلى ذلك، بات الأطفال يستخدمون ألفاظاً ومصطلحات سيئة قد يكونون حملوها معهم من البيئة التي خرجوا منها في سورية والحرب الجارية فيها".
ويشير الجبلاوي كذلك إلى جانب سلبي آخر: "ترتفع أعداد عمالة الأطفال ويزداد تسربهم من المدرسة بشكل مستمر. بعض التلاميذ يعملون في المدرسة ويدرسون فيها في الوقت نفسه بسبب حاجة العائلة للمورد المالي".
اقرأ أيضاً: أطفال سورية وجدوا طريقهم إلى المدرسة