أزمة كبيرة وتاريخية هي عمالة الأطفال في اليمن، لكنّ الأحوال في الحرب تفاقمت، وزاد عدد الأطفال الذين يتسربون من المدرسة إلى سوق العمل الخطير عليهم.
تحت أشعة الشمس الحارقة، يحمل إبراهيم الريمي (15 عاماً) حجارة الطوب الأحمر على كتفه ليوصلها إلى الدور الثاني في إحدى الشقق التي يجري بناؤها في شارع حدة، جنوبي صنعاء. الإجهاد واضح على ملامحه، والعرق يتصبب منه بالرغم من اعتدال الجو، فالمهمة التي يقوم بها ليست مناسبة لعمره الفتيّ.
يقول الريمي لـ"العربي الجديد" إنّه اضطر للعمل بعدما عجزت والدته عن توفير الاحتياجات. والده المتوفى تركهم ثلاثة أشقاء صغار، هو أكبرهم، ولا بد من أن يقوم بواجبه تجاه الشقيقين ومساعدة والدته: "أعمل مع عمي في البناء في صنعاء، وأحصل على أجرة يومية ضئيلة، لكنّ وجودها أفضل من لا شيء". يشير إلى أنّ عمه يوكل إليه بعض الأعمال الخفيفة، مقارنة بغيره من العمال في الموقع. ويؤكد الريمي حرصه الكبير على مواصلة التعلم، على الرغم من تغيبه المستمر عن المدرسة، من جراء ظروف العمل: "أذهب إلى المدرسة كلما تسنح لي الفرصة، بالرغم من كثرة العوائق، لإدراكي الكامل بأنّ التعلم هو الوسيلة الوحيدة لتغيير مستقبلي نحو الأفضل".
أما أيوب خالد (17 عاماً)، فقد لجأ للعمل في قطف وريقات شجرة القات (أوراق مخدرة تمضغ مضغاً) وبيعها في السوق أو في الطرقات، بعدما عجز والده عن العمل، لتوفير الدخل. يقول لـ"العربي الجديد" إنّه يستيقظ يومياً قبل صلاة الفجر، للعمل مع أحد البائعين في جني القات من مزارع منطقة همدان، غربي صنعاء، من أجل توفير ما يستطيع من المتطلبات الأساسية لأسرته، والإنفاق على والده المريض. يقول: "والدي لديه مشاكل صحية عديدة، ولا يستطيع العمل، كما أنّه في حاجة للعلاج، لذلك قررت قبل عام البحث عن عمل، ولم أجد أفضل من العمل في جني القات وبيعه". يشير إلى أنّه عانى كثيراً في بادئ الأمر، نتيجة عدم تأقلمه مع العمل، لكنّه سرعان ما اعتاد عليه، بمساعدة أحد أصدقائه الذي يعمل مع والده في تجارة القات، منذ سنوات طويلة. يؤكد خالد أنّه لولا المال الذي يتقاضاه نظير عمله، بالإضافة إلى بعض المساعدات الإغاثية التي تقدمها بعض المنظمات الإنسانية، بين الحين والآخر، لكانت أسرته في حالة سيئة جداً.
يدفع بعض الآباء بأبنائهم إلى سوق العمل ليساعدوهم في توفير احتياجات الأسرة، لا سيما مع الارتفاع الجنوني والمستمر لأسعار المواد الغذائية، منذ بدء الحرب. علي أحمد (13 عاماً)، من بين هؤلاء، يقول لـ"العربي الجديد" إنّ والده اشترى له عربة صغيرة، ينقل عليها حاجيات المتسوقين، بمقابل مادي، في سوق علي محسن للخضار، الواقع في شارع الستين، شمالي صنعاء. يضيف: "أذهب إلى المدرسة في الصباح، وأعمل منذ الثانية ظهراً وحتى الثامنة مساءً كلّ يوم، باستثناء الجمعة، لا أعمل فيه، وأحصل نظير ذلك، على مبالغ متفاوتة لكنّها لا تزيد عن ثلاثة آلاف ريال يمني (6 دولارات أميركية)، أعطيها كلّها لوالدي، لتغطية مصاريف الأسرة". يشير أحمد إلى أنّه يعود إلى المنزل منهكاً، من جراء العمل، ولا يستطيع مراجعة دروسه بانتظام، وهو ما أدى إلى تدني مستواه التعليمي، بعدما كان من المتفوقين في السابق: "كذلك، أتعرض للمضايقات أثناء العمل من قبل أشخاص يعملون في السوق. هناك من يزاحمني في العمل وهناك من يحاول الاعتداء عليّ لكنّي أصبر".
يفضّل بعض التجار، تشغيل الأطفال في متاجرهم بدلاً من الكبار. وفي السياق، يقول محمد الحبيشي، وهو تاجر مواد بناء في صنعاء، إنّ الأطفال أكثر طلباً في سوق العمل باليمن، نتيجة انخفاض أجرتهم، مقارنة بالكبار، بالإضافة إلى كونهم يعملون بنشاط أكبر. يضيف لـ"العربي الجديد": "بعض التجار الجشعين يستغلون حاجة الأطفال الماسة للعمل ويشغلونهم بمبالغ زهيدة جداً، ولأنّ الخيارات قليلة يقبل معظمهم بذلك، من أجل مساعدة أهاليهم على تأمين الحاجيات الضرورية".
يتعرض الأطفال العمال في اليمن إلى عدد كبير من الانتهاكات التي قد ترافقهم طوال حياتهم بحسب المتخصصة النفسية والاجتماعية هيفاء ناصر. تقول لـ"العربي الجديد" إنّ عمالة الأطفال زادت بشكل كبير منذ بدء الحرب في مارس/ آذار 2015. وتشير إلى أنّ الأطفال "يعملون غالباً في بيئة خطرة وغير ملائمة، إذ يمكن أن يتعرضوا للاعتداء والتحرش، فضلاً عن إمكانية استغلالهم في أعمال لا تتناسب مع أعمارهم، بمقابل مادي زهيد، كما يُحرمون من طفولتهم". وتوضح ناصر أنّ أغلب الأطفال الذين يعملون لا يذهبون إلى المدرسة، "هذا الواقع يجعلهم عبئاً على مجتمعاتهم مستقبلاً وإن كانوا اليوم يساهمون بشكل أو بآخر في توفير احتياجات أسرهم". تلفت إلى أنّ اختلاط الأطفال مع الكبار أثناء العمل قد يكسبهم عادات وسلوكيات سيئة "يصعب التخلص منها مستقبلاً، لذا ننصح الأهل بتفقد أماكن عمل أطفالهم، واختيارها بعناية فائقة، حرصاً على سلامتهم". وتدعو ناصر السلطات المعنية، إلى إيجاد حلول حقيقية للحد من ظاهرة عمالة الأطفال في البلاد، التي زادت السنوات القليلة الماضية، أسوة ببقية دول العالم.