أكدت إحصائية لوزارة العمل الأفغانية أخيراً أنّ مليوناً و900 ألف طفل يعملون في أنحاء أفغانستان، في قطاعات مختلفة، فيما كشفت تقارير المنظمات الدولية أنّ أعداداً كبيرة من هؤلاء الأطفال يعملون في مصانع الطوب، لا سيما في العاصمة كابول وإقليم ننجرهار في شرق البلاد وإقليم مزار في الشمال.
من جهتها، أعربت منظمة العمل الدوليّة في تقريرها الأخير، عن قلقها البالغ إزاء الوضع المأساوي الذي يعيشه الأطفال العاملون في مصانع الطوب. وكشفت المنظمة بعد النظر في حالة نحو 400 طفل يعملون في مصانع الطوب في كابول وننجرهار، أنّ معظمهم يعيشون أوضاعا صحية متردية، ويعانون من أمراض عضوية ونفسية. كذلك فإنّ بعضهم لاقوا حتفهم أو أصيبوا، بعد تعرضهم لأعمال عنف من قبل أصحاب المصانع.
وفي هذا الإطار، يقول المستشار القانوني في منظمة العمل الدولية هارو بارغر الذي التقى مسؤولين في وزارة العمل الأفغانية، إنّ نسبة كبيرة من الأطفال العاملين في مصانع الطوب يعانون من مرض الربو بسبب دخان المصانع. كذلك يعاني أكثر من 70 في المائة منهم من أمراض نفسية.
ويطالب المسؤول في الحكومة الأفغانية باتخاذ تدابير ضروريّة وفوريّة لتحسين أوضاع الأطفال العاملين في مصانع الطوب، وتحسين ظروفهم الصحية والمعيشية السيئة. ويشير إلى أنّ أصحاب المصانع يستغلون طفولتهم، ويوظفونهم بأجور زهيدة.
من جهتهما، يعيش الطفلان الشقيقان وحيد الله وشاهد مع أسرتهما الصغيرة داخل أحد مصانع الطوب في مديرية سرخرود المجاورة لمدينة جلال آباد، عاصمة إقليم ننجرهار. هما يعملان في المصنع منذ الصباح الباكر حتى المساء وسط الطين والدخان الأسود، ليحصلا معاً على 500 أفغانية (8 دولارات أميركية تقريباً) في اليوم الواحد. فيشتريان بها ما تحتاجه أسرتهما التي فقدت الأب قبل ثلاثة أعوام في انفجار في مدينة جلال آباد.
يتمنى الطفلان الذهاب إلى المدرسة والخروج نهائياً من مصنع الطوب، لكن الظروف المعيشية الصعبة تحول دون ذلك. وهو ما يكشفه وحيد الله لـ "العربي الجديد" في قوله: "كنا ندرس وكان والدي محمد هاشم يبيع الطماطم في مدينة جلال آباد. لكننا فقدناه في انفجار، وبقينا بلا راع. من بعدها، لم يكن أمام والدتي من خيار سوى إرسالنا إلى العمل".
أما شاهد الذي عمل طوال سنتَين في مصنع للسجاد اليدوي قبل أن يتوجه إلى مصنع الطوب، فيشعر بالملل. ويقول: "نعمل طوال النهار بين الطين والتراب. لكن ماذا نفعل؟ ليس أمامنا من خيار آخر إلا هذا العمل الشاق والممل".
من جهتها، وضعت الحكومة الأفغانية بحسب المسؤولين، خطة عمل العام الماضي لإخراج هؤلاء الأطفال من مصانع الطوب وحقول العمل وإرسالهم إلى المدارس. لكنّ الخطة فشلت تماماً بسبب الظروف المعيشية المعقدة والصعبة في البلاد. فالأسر الفقيرة لا تتمكن من منع أولادها من العمل، بسبب عدم وجود مصدر دخل لديها إلا عمل هؤلاء. وهو ما يؤكده نائب وزارة العمل حسام الدين همراه.
يضيف المسؤول أنّ الحكومة الأفغانية وبالتعاون مع المجتمع الدولي، أطلقت حملة جديدة للحد من الوضع السيئ لأطفال أفغانستان، وذلك من خلال مساعدات نقدية لأسر الأطفال العاملين في مختلف قطاعات العمل. لكن بشرط موافقة الأسر على منع أطفالها من العمل، وإرسالهم إلى المدرسة.
من جهتها، تؤكد اتحادية العمال في أفغانستان أنّ الأسر تعيش داخل مصانع الطوب، بسبب عمل أطفالها فيها. وترك هؤلاء الأطفال العمل يعني حرمان تلك الأسر من الدخل ومكان السكن في وقت واحد. وتوضح أنّ الأطفال ما دون 15 عاماً، يشكلون 55 في المائة من مجموع العاملين في مصانع الطوب. كذلك فإنّ 58 في المائة من الأطفال العاملين في مصانع الطوب ذكور و42 في المائة إناث.
وقد أثبتت الإحصاءات الأخيرة أنّ نحو 50 ألف طفل يعملون في مصانع الطوب في ضواحي العاصمة الأفغانيّة كابول. كذلك يزداد عدد الأطفال العاملين في مصانع الطوب في الأقاليم، خصوصاً إقليم ننجرهار بسبب الأوضاع الأمنية المتدهورة في المناطق النائية.
وفي هذا الإطار، يشير الناشط الحقوقي معلم جمعة جل إلى أنّ "الأوضاع الأمنية تتدهور يوماً بعد آخر في مديريات مختلفة من إقليم ننجرهار، ما يجبر سكان تلك المناطق على النزوح إلى مدينة جلال آباد والمناطق المجاورة لها. ويتوجه معظم هؤلاء النازحين إلى مصانع الطوب التي توفر لهم العمل والمسكن في آن واحد".
ويرى الناشط أنّ ملف الأطفال معقد للغاية والتصدي له يحتاج إلى خطط طويلة الأمد، تكفل تحسين الأوضاع المعيشية للأسر الفقيرة، وتوفّر فرص العمل. كذلك يرى أنّ تحسن الأوضاع الأمنية يلعب دوراً هاماً في تحسين وضع الأطفال.