طغت حوادث اغتصاب الأطفال على أحاديث السودانيين، حتى أنها تصدرت في الآونة الأخيرة عناوين الصحف اليومية والبرامج التلفزيونية، التي بدأت تبحث في جذورها، باعتبارها دخيلة على المجتمع. صار الجميع موضع شك: صاحب الدكان وابن الجيران والأساتذة والأقارب...
خوفٌ لم يأتِ من فراغ، بعد أن شهد العام الماضي حادثتي اعتداء ضجت بهما وسائل الإعلام. بطل الأولى أستاذ في التعليم الأساسي تحرش بـ 26 طالباً، بينما كان بطل الثانية شيخ اعتدى على طفلة تبلغ من العمر ثماني سنوات، هي التي أرسلها والداها إليه لحفظ القرآن.
القصص كثيرة. مريم (اسم مستعار) انتظرت طويلاً قبل أن تُرزق بطفلة، حتى أنها تركت عملها لترعاها. تقول لـ "العربي الجديد" إنها "اضطرت ذات يوم للخروج من المنزل لأداء واجب العزاء، وتركت طفلتها (5 سنوات) مع عمها، الذي يقيم معهم في المنزل". وتضيف أنها "عادت لتجد ابنتها ممددة على السرير، وآثار الإعياء والتعب بادية عليها، فيما كان شقيق زوجها خارج المنزل. حملتها إلى المستشفى لتـُفاجأ بتعرضها للاغتصاب. لكن المستشفى رفضت الإخبار عن الحادثة خوفاً من الفضيحة".
وكانت رئيسة فرع البصمة الوراثية في الأدلة الجنائية، ندى سر الختم، أعلنت الأسبوع الماضي أن هناك ثلاث حالات اعتداء على أطفال يومياً بين تحرش واغتصاب، فيما تؤكد دراسات أعدها خبراء حقوقيون وجود ثلاث آلاف حالة اعتداء جنسي ضد الأطفال في المحاكم، 80 في المائة منها تحرّش.
وفي السياق نفسه، أكدت الباحثة الاجتماعية في جامعة "الأحفاد" السودانية، تقوى أحمد، التي أجرت دراسة حول الموضوع، أن 86.7 في المائة من الأطفال في العاصمة الخرطوم يتعرضون لمحاولات اغتصاب جنسي . وأضافت أن 67.7 في المائة من الأطفال يتم اغتصابهم بعد استدراجهم من قبل الجاني.
كذلك، تشير بعض الإحصائيات غير الرسمية إلى أن 30 في المائة من الجناة هم من أقارب الضحية، و60 في المائة من أصدقائه أو جيرانه، و10 في المائة لا تربطهم به أية صلة.
يتضمن قانون الطفل الجديد عقوبات رادعة بحق مغتصبي الأطفال تصل حد الإعدام. مع ذلك، طالب ناشطون حقوقيون، خلال احتجاجات أمام البرلمان السوداني، أن ينفذ الإعدام في ميدان عام ليكون الجاني عبرة لغيره.
الأسباب
تقول الطبيبة النفسية، ناهد جبر الله، لـ "العربي الجديد" إن "معدلات الاغتصاب وسط الأطفال تفوق تلك المعلن عنها، إذ تفضل بعض الأسر والجهات الرسمية التستر على المعلومات الحقيقية". وتعزو تزايد الظاهرة إلى أسباب عدة، منها "الحرب والفقر والكبت". لكنها تبدو متفائلة. وترى أنه يمكن مكافحة هذه الظاهرة من خلال "وضع استراتيجية وطنية للتصدي للعنف ضد الأطفال"، لافتة إلى أنه "في الكثير من الأحيان، تتدخل جهات رسمية وسياسية لإيقاف التداول بقضية تحرش معينة، وخصوصاً إذا مسّت جهات سياسية أو دينية".
من جهتها، تعزو الناشطة في جمعية "مناصرة الطفولة"، سنية الكركسي، هذه الظاهرة إلى "البطالة، وانتشار المخدرات بين الشباب، إضافة إلى الوضع الاقتصادي المتردي"، فيما تقول الأمينة العامة للمجلس القومي للطفولة، آمال محمود ايراد، إن "قانون الطفل من شأنه الحد منها"، مسلطة الضوء على الآثار السلبية المستقبلية على التماسك الاجتماعي. وتلفت إلى أن "الضغوطات الاقتصادية والانفتاح الرقمي يؤديان إلى انتشار هذه الظاهرة".
وتجدر الإشارة إلى أن مناطق النزاع في عدد من ولايات السودان، التي ينشط فيها عمال الإغاثة وقوات حفظ السلام، لم تكن بعيدة عن دائرة الاتهام باغتصاب الأطفال. وأكدت منظمة "إنقاذ الطفولة" في تقرير أصدرته عام 2008، أن "مئات الاطفال في غرب وجنوب السودان، إضافة إلى ساحل العاج وهاييتي، يتم استغلالهم جنسياً على يد من يناط بهم حمايتهم وتوفير الأمن لهم". وذكر أن "الأطفال يعانون من تلك الانتهاكات في صمت من دون أن تكون لديهم الجرأة على التبليغ".