أطباء مصر... الإجهاد يقتلهم والحكومة في منأى

19 نوفمبر 2019
من أحد الاحتجاجات المطالبة بتحسين القطاع الصحي(خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

الإجهاد هي العبارة الأكثر تعبيراً عن حال الأطباء في مصر، في ظلّ نقص الكوادر في عدد من التخصصات. وليس مستغرباً أن تحدث حالات وفاة نتيجة العمل المتواصل. وإن كان هناك حديث عن حلّ للأزمة، تبقى الشكوك سيدة الموقف

أثار خبر وفاة طبيب التخدير المصري أحمد برج، داخل غرفة العمليات أخيراً، بعد عمله بشكل متواصل لمدة 36 ساعة، حالة من الغضب في أوساط الأطباء والقطاع الصحي في مصر، وأعاد فتح ملفات نقص كوادر الأطباء في تخصصات التخدير والحالات الحرجة، وضعف رواتب العاملين في القطاع الطبي، ما تسبب في إفراغ المستشفيات والمراكز الطبية من الأطباء المهرة.

وفي 11 يوليو/ تموز الماضي، تُوفي الطبيب حسام حمدي أثناء إجرائه عملية جراحية في غرفة العمليات، بعد إصابته بسكتة قلبية. وفي 11 يونيو/ حزيران الماضي، توفيت الطبيبة مارغريت نبيل حنا، وهي مستشارة التخدير في مستشفى الساحل التعليمي، أثناء أدائها واجبها الطبي.




وفي واقعة ملفتة وشديدة المأساوية، أغلقت مستشفى الجلاء للولادة، أشهر مستشفى نساء وتوليد في مصر، أبوابها أمام استقبال المرضى، نظراً لعدم وجود أطباء تخدير في المستشفى عام 2006، بسبب عدم وجود ميزانية للتعاقد معهم.

وعلى صفحة "أطباء مصر" المعنية بنشر أخبار وأزمات الأطباء في مصر، تُوفي 18 طبيباً مصرياً خلال ثلاثة أشهر فقط، نتيجة ضغط العمل.

الأزمة تمتد
وانتقد أطباء مصريون ناشطون في المجال الطبي والحقوقي، مثل لجنة الشباب في النقابة العامة لأطباء مصر، وعضو مجلس نقابة الأطباء منى مينا، و"صوت أطباء مصر"، التغطية الإعلامية لخبر وفاة الطبيب، خصوصاً بعد التقرير الذي نشرته صحيفة "المصري اليوم" في عددها الصادر في 31 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، حمل عنوان "دقائق الموت.. قصة طبيب تخدير توفي داخل غرفة العمليات". وجاء فيه أن "طبيب التخدير مات أثناء عمله، بعدما عمل مدة 17 ساعة متواصلة بحثاً عن المال"، من دون الإشارة إلى عمله في مستشفى حكومي.



وعلّق عضو مجلس نقابة الأطباء المصريين سابقاً، خالد أمين، قائلاً إن الصحافي الذي صوّر الزميل يموت وهو يجني الأموال لم يمنعه غباؤه من ذكر اسم المستشفى، فالزميل تُوفي في مستشفى بركة السبع المركزي وهي مستشفى حكومية صغيرة يتقاضى فيها الزميل راتباً هزيلاً لا يتجاوز 3 آلاف جنيه (نحو 186 دولاراً أميركياً). والزميل سواء قام بتخدير عملية واحدة أو مليون عملية لن يتقاضى جنيهاً واحداً فوق راتبه الهزيل. بالتالي، يحسب له تخديره 17 عملية في يوم واحد (إن صح الرقم). والزميل ظل يثابر في مستشفى حكومي ربما وحيداً (وهو مخطئ بحق نفسه)، في الوقت الذي يهرب فيه الأطباء كل يوم من واقع مؤسف ورواتب متدنية وترصُّد إعلامي وحكومي.

ويتقاضى الطبيب المصري نحو 1800 جنيه مصري (نحو 105 دولارات أميركية) لدى التحاقه بالمستشفى الحكومي بعد إنهائه الدراسة الجامعية مباشرة.

ومع استمرار وفاة الأطباء أثناء تأدية عملهم، نتيجة السكتات القلبية أو ضغوط العمل والإرهاق، يدرك المسؤولون في مصر جيداً أن أزمة نقص الأطباء في المستشفيات الحكومية كارثة تهدد القطاع الطبي بالكامل، على الرغم من وجود 30 كلية طب بشري في مصر، منها 27 حكومية موزعة بين 20 جامعة التابعة لوزارة التعليم العالي، و6 كليات تابعة لجامعة الأزهر، إضافة إلى كلية الطب العسكري و3 كليات طب خاصة.

يشار إلى أن عدد الأطباء في المستشفيات الحكومية والجامعية والخاصة في مصر، يقدر بنحو 82 ألف طبيب من كافة التخصصات، من أصل 213 ألف طبيب بنسبة 38 في المائة من القوى الأساسية المرخصة بمزاولة المهنة، بحسب دراسة أعدتها أمانات المستشفيات الجامعية، والمكتب الفني لوزارة الصحة المصرية، ومجموعة من الخبراء والمتخصصين حول أوضاع مهنة الطب البشري واحتياجات سوق العمل من الأطباء في مصر.

ويقدر عدد الأطباء في وزارة الصحة وحدها بنحو 57 ألف طبيب موزعين على كل القطاعات الحكومية بالوزارة، بينما العدد الأمثل لقطاعات وزارة الصحة هو 110 آلاف أي أن هناك عجز يقدر بـ 53 ألف طبيب بالحكومة.

وبحسب الدراسة نفسها، فإن 62 في المائة من الأطباء إما يعملون خارج مصر أو استقالوا من العمل الحكومي أو حصلوا على إجازة. أضافت أن هناك طبيباً واحداً لـ 1162 مواطناً، في حين أن المعدل العالمي هو طبيب لكل 434 فرداً، أو 8.6 طبيب لكل 10 آلاف مواطن، باعتبار أن المعدلات العالمية هي 23 طبيباً لكل 10 آلاف مواطن.




وكانت دراسة أجراها باحثون في كلية "هارفارد" للأعمال وجامعة "ستانفورد"، توصلت إلى أن ضغوط العمل ليست فقط مزعجة، لكنها أيضا مضرة بالصحة بشكل يشبه أضرار التدخين السلبي. وجمع التقرير أدلة من 228 دراسة. وزادت متطلبات العمل الكبيرة من احتمال الإصابة بالأمراض بنسبة 35 في المائة. وتوصلت الدراسة إلى أن ساعات العمل الطويلة تزيد فرص الوفاة المبكرة بنسبة 20 في المائة. أما الضغط الأكبر فهو الشعور بالقلق من احتمال خسارة وظيفتك، ما يزيد من سوء الحالة الصحية بنسبة 50 في المائة.

مواجهة الأزمة
أعلن رئيس الوزراء المصري مؤخراً عن خطة بتكليفات رئاسية لمواجهة أزمة نقص عدد الأطباء من خلال تخريج دفعات استثنائية من كليات الطب، والتوسع في إنشاء كليات طب بشري جديدة حكومية أو خاصة أو أهلية، وزيادة أعداد الطلاب المقبولين في كليات الطب، وتأهيل مزيد من الأطباء لسد العجز الحالي في المستشفيات. وبالفعل، أعدت وزارة الصحة والسكان المصرية استراتيجية قومية مقترحة لمجابهة نقص الأطباء، لا سيما مع اتجاه أعداد كبيرة منهم للسفر إلى خارج البلاد للعمل هناك.

الاستراتيجية الحديثة لمواجهة نقص الأطباء شملت تسع وزارات، إضافة إلى مجلس النواب المصري، وترتكز على ثلاثة محاور رئيسية، هي زيادة أعداد الخريجين في كليات الطب، وزيادة أعداد الكليات، مع إمكانية توفير مستشفيات تابعة لوزارة الصحة كمستشفيات تعليمية لكليات الطب الجديدة، وتوفير عوامل جاذبة لاستيفاء القوى البشرية الحالية بتقديم حزمة إصلاحية متكاملة، وإعادة توزيع كثافة القوى البشرية بالشكل العادل لضمان تقديم الخدمات الصحية مع الوضع في الاعتبار المميزات الإضافية للأطباء في المناطق النائية والحدودية.

وسبق ذلك محاولات كثيرة من مجلس النواب لمواجهة الأزمة، كان أبرزها مقترح القانون الذي تقدمت به النائبة شادية ثابت، عضو لجنة الشؤون الصحية في مجلس النواب، وينص على حظر سفر الأطباء إلى الخارج إلا بعد العمل 10 سنوات في المستشفيات الحكومية.



وخلت الاستراتيجية من أي مقترحات لتخريج دفعات استثنائية من كليات الطب، مثلما تردّد في الفترة الأخيرة، مع العمل على زيادة عدد خريجيها، سواء من الجامعات الخاصة أو الحكومية، على أن تواكب "الاحتياج القومي"، عبر إنشاء عدد من كليات الطب خصوصاً في المحافظات الحدودية، مع مراعاة الأولوية لأبناء المحافظة، وتخفيض مجموع القبول في تلك الكليات، ومناقشة آلية الموافقة على أن يكون المستشفى التعليمي للكلية أحد مستشفيات وزارة الصحة والسكان في المحافظة، بدلاً من الانتظار لإنشاء مستشفى تابع لكلية الطب.

موقف نقابة الأطباء
منذ إعداد الحكومة استراتيجيات للحد من أزمة نقص الأطباء في يونيو/ حزيران الماضي، بقي لدى نقابة الأطباء المصرية تحفظاتها في ما يتعلق بوسائل علاج الحكومة للأزمة، خصوصاً في ظل نقص المعلومات وعدم وضوح الرؤية. وخرجت الاعتراضات مبكراً على لسان أعضاء مجلس نقابة الأطباء المصريين. وأشار أحد أعضاء مجلس النقابة العامة لأطباء مصر إلى محاور أخرى مهمة تتطلب العلاج أيضاً بالتوازي مع العمل على إيجاد حلول لأزمة نقص الأطباء، على رأسها بيئة العمل المتهالكة وتدني الأجور. وطالب عضو المجلس الحكومة، بتوضيح معنى دراسة تخريج دفعات استثنائية من خريجي كليات الطب، في إطار خطة الحكومة لمواجهة العجز الذي تواجهه الصحة من نقص أعداد الأطباء، مؤكداً أن ضمان عدم هروب الأطباء يكون بمعالجة مشاكل الحياة العملية، خصوصاً أنهم يتعرضون لعدد كبير من الأزمات والمشاكل، منها الاعتداء على الأطباء.

وتؤكد عضو مجلس نقابة الأطباء منى مينا، أن إصلاح بيئة العمل، والسعي إلى حل ما تواجهه الكوادر الطبية من أزمات، وتوفير راتب محترم لها، وتخيير الطبيب بين العمل الحر أو التفرغ للعمل الحكومي أو الخاص، هو الحل الأمثل لمواجهة أزمة نقص الأطباء.

عقبات
وفي أول تنفيذ فعلي لاستراتيجية وزارة الصحة، التي وضعتها لمجابهة أزمة نقص الأطباء، من ضمنها نظام التكليف الجديد، أصدرت نقابة الأطباء المصرية في 27 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، اعتراضاً على بدء تطبيق نظام التكليف الجديد وبدء تنفيذه، على الرغم من عدم نشر تفاصيله وغموض محتواه. وأعلنت نقابة أطباء مصر أنها أعلمت الوزارة في خطاب رسمي موقَّع من النقيب والأمين العام رفضها تطبيق أي نظام جديد من دون نشر جميع تفاصيله ومناقشتها مع أصحاب الشأن من الأطباء ونقابتهم.




وأصدر ممثلو دفعات تكليف مارس/ آذار 2020 والدفعة التكميلية 2019، بياناً رسمياً أعلنوا من خلاله الاعتراض الكامل على مشروع التكليف الجديد المزمع فرضه وتطبيقه من قبل وزارة الصحة، من دون عرضه بصورة رسمية ومناقشته مع الأطباء ونقابتهم. كما أعلنت لجنة الشباب في نقابة أطباء مصر دعمها الكامل لمطالب شباب الأطباء وحقوقهم المشروعة.