شهدت أسواق كل من الجزائر وتونس والمغرب، تراجعاً حاداً في مبيعات أضاحي العيد. ولجأت عائلات جزائرية إلى اقتناء أضحية العيد بالتقسيط، بينما اضطرت أخرى إلى إلغاء عملية الشراء بسبب محدودية دخلها وتأثر مداخيلها بفيروس كورونا. واضطر باعة المواشي، في المقابل، إلى تخصيص دفاتر للبيع للعائلات الراغبة في شراء الأضحية بالتقسيط. وقال رئيس شعبة الموالين في الاتحاد الوطني للفلاحين الجزائريين، بلقاسم مزروع، إن الوضع الاقتصادي والصحي أثر بشكل كبير على عملية بيع الأضاحي هذه السنة، وارتفعت طلبات البيع بالتقسيط لدى العائلات محدودة الدخل، ما جعل الباعة يخصصون قائمة للمشترين على أن يتم الدفع خلال ثلاثة أشهر. وأوضح مزروع لـ "العربي الجديد" أن نسبة البيع تقلصت هذا الموسم بنحو 50 في المائة، منها نسبة تتراوح بين 20 و30 في المائة بيعت بالتقسيط، خصوصا على مستوى المناطق السهبية والهضاب العليا، حيث يعرف الموالون زبائنهم. وذكر أن أكثر الفئات العمالية التي طلبت تقسيطا تعمل في مجال الصحة والتعليم وبعض الوظائف العمومية، بينما شهدت المهن والحرف الأخرى عزوفا في الشراء، خصوصا عمال اليومية.
وحسب مزروع، فإن الأسعار كانت في المتناول هذه السنة، إذ تراوحت بين 30 ألفا و50 ألف دينار، بتسجيل تراجع طفيف مقارنة بالعام الماضي، حيث بلغت حدود 70 ألف دينار. واضطر السايح يوسفي، وهو متقاعد، إلى إلغاء شراء الأضحية، قائلا لـ "العربي الجديد"، إنه تعوّد على اقتناء الأضحية بالتقسيط والدفع على مراحل من معاشه كل شهر، غير أن الظروف العائلية اضطرته إلى إلغاء أداء الشعيرة الدينية بعد أن اقترض المال لتجهيز ابنته.
ولم تنجح وزارة الفلاحة في ضبط نقاط البيع المعتمدة والأسواق المحمية التي اتفقت بخصوصها مع اتحاد الفلاحين. وبينما عمل التجار على قصد نقاط البيع، لجأ آخرون إلى البيع عبر الإنترنت مع عرض صور الكباش المتوفرة وأسعارها.
وأعلنت شركة خاصة عن توفير خدمة البيع عبر الإنترنت وخدمة التوصيل إلى مقر السكن مقابل 2000 إلى 4000 دينار زيادة على سعر الأضحية. وقال رئيس جمعية حماية المستهلك، مصطفى زبدي، إن "المعطيات المتوفرة تؤكد أن عديد العائلات لن تقوم بشعيرة الذبح هذه السنة، ولجأ العديد منها إلى شراء أحشاء الماشية وبعض الكميات من اللحم لعدم قدرتها على شراء الكبش". وأوضح زبدي لـ "العربي الجديد" أن محلات الجزارة أوقفت طلبيات بيع الأحشاء بسبب كثرة الطلب عليها، فيما ارتفعت أسعارها في المقابل. وقال إن رواتب موظفي القطاع الخاص توقفت، وتوقفت معها مداخيل عديد المهن والحرف، ما جعلها تلغي أداء الشعيرة، بسبب تضرر مداخيلها، أضف إلى ذلك ارتفاع أسعار الماشية في المدن الكبرى بسبب انعدام نقاط معتمدة. وكان وزير الفلاحة قد توقع، في وقت سابق، بلوغ عدد الأضاحي هذه السنة خمسة ملايين رأس، غير أن الظروف الصحية والاقتصادية قد تحول دون ذلك.
تونس: ارتباك الأسواق
شهدت سوق المواشي في تونس ارتباكا في موسم عيد الأضحى، رغم توفر عرض يفوق 1.5 مليون أضحية، وسط توقعات باحتفاظ المربين بفائض لا يقل عن مليون رأس غنم. ولم تسجل أسواق الدواب ونقاط بيع الخرفان في تونس إقبالا كبيرا على شراء أضاحي العيد هذا العام. ويفسر عضو نقابة مربي المواشي، وهيب الكعبي، حالة الارتباك التي طغت على أسواق الدواب بارتفاع العرض مقابل مراكمة المربين لقطيع فاق 1.5 مليون رأس، بفعل التراجع السنوي للطلب على لحم الضأن، سواء في مواسم الأعياد أو على امتداد أشهر السنة. وقال الكعبي لـ"العربي الجديد" إن التونسي لم يعد مستهلكا للحوم الضأن نتيجة تغير عاداته الغذائية لارتفاع أسعار اللحوم الحمراء، مؤكدا أن استهلاك اللحوم تراجع في تونس بشكل كبير لفائدة الدواجن ومشتقاتها، ما يزيد في مخزون الماشية الذي يعجز المربون عن تسويقه. وأفاد الكعبي بأن المربين يعولون على عيد الأضحى وموسم الاستهلاك الصيفي لتنشيط تجارتهم وتجديد القطعان، غير أن تواصل ضعف المبيعات وارتباك السوق لا يؤشران إلى تحقيق الأهداف التي يتطلع إليها مربو الماشية، متوقعا ألا تتجاوز المبيعات 500 ألف أضحية. وأكد الكعبي أن التونسيين اقتنوا العام الماضي 750 ألف أضحية، مقابل توقعات أولية ببيع 850 ألف رأس غنم، مرجحا أن ينزل الاستهلاك هذه السنة إلى حدود 500 ألف حتى مع تراجع الأسعار. واعتبر المتحدث أن الصعوبات الاقتصادية وتراجع دخول الأسر أثرا بشكل لافت على مستوى الطلب، منتقدا غياب أي مبادرات حكومية لمساعدة المربين وتواصل غلق باب التصدير نحو السوق الليبية.
وقال المدير العام للإنتاج الفلاحي بوزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري، عبد الفتاح سعيد، إن توافر المواشي يسمح بالتعويل الكلي على المنتج المحلي ولم يتم السماح بتوريد لحوم الضأن، حفاظا على استقرار السوق وتوازنات المربين.
المغرب: ضعف القدرة الشرائية
راهن المربون على عيد الأضحى من أجل التخفيف من تأثيرات الحجر الصحي على نشاطهم، فالمعاملات التجارية المرتبطة بالأضاحي تتراوح بين 900 مليون ومليار دولار، حيث يحول جزء مهم من تلك الإيرادات للأرياف. وتساهم تلك الإيرادات في إنعاش مالية الأسر في الأرياف، خاصة في سنة جافة تأثر فيها المزارعون بانخفاض حاد لمحصول الحبوب، ما حرمهم من التوفير على إيرادات وادخار جزء منها من أجل مواجهة مصاريف الموسم المقبل. ويرتقب أن يصل العرض من الأضاحي، حسب بيانات الفيدرالية المهنية للحوم الحمراء والجمعية الوطنية للأغنام والماعز، إلى 8 ملايين رأس، حيث إنه يصل إلى نفس المستوى المسجل في العام الماضي. ويبلغ متوسط سعر الأضاحي ما بين 200 و300 دولار، غير أن سعر بعض الأصناف مثل "الصردي" قد يصل إلى ما بين 400 و550 دولارا. ويعتبر محمد الإبراهيمي، المزارع بمنطقة الشاوية، أن الأسعار منخفضة في العام الحالي بسبب ضعف الطلب المرتبط بضعف القدرة الشرائية للأسر بسبب تأثير كورونا على أنشطتها. ويشير إلى أن الأسعار في أسواق الشاوية التي تعرف بالصردي، الذي يعتبر الأكثر إغراء للأسر في المملكة، تصل إلى 4 دولارات للكيلوغرام في الفترة الحالية، علما أن ذلك السعر يصل في الفترات العادية في الأعوام الماضية بمناسبة عيد الأضحى إلى 5 دولارات للكيلوغرام.
ويلاحظ الإبراهيمي أن عدم حلول المغتربين المغاربة بالمملكة في الصيف الحالي، أدى إلى انخفاض الطلب على الأضاحي والأسعار، كما تأثرت تحويلاتهم بالظرفية في بلدان الاستقبال، وهي التحويلات التي تتيح لأسرهم شراء الأضاحي.