قبل العيد، تكثر الطوابير في مصر. إلى جانب الذين ينتظرون تذاكر قطار لقضاء إجازة العيد مع عائلاتهم، لا يمكن تفويت المستفيدين من "المعاشات" الذين يصرّون على صرفها. هم في حاجة إليها في مثل هذه المناسبة.
راحت مكاتب البريد في المحافظات المصرية التابعة لوزارة الاتصالات تشهد في خلال الأيام الأخيرة، وقبل حلول إجازة عيد الأضحى المبارك، ازدحاماً شديداً وطوابير طويلة من الناس الذين يقفون ساعات تحت أشعة الشمس الحارقة. وينتظر أصحاب "المعاشات" (الرواتب التقاعدية) من الأرامل والشيوخ ساعات للحصول على معاش شهر أغسطس/ آب، الذي تقرر صرفه مبكراً تزامناً مع حلول العيد. وأدى الازدحام إلى حالات إغماء نتيجة الظروف الصحية الصعبة لكثيرين. وما يزيد الطين بلة أن موظفي البريد يقسون على كبار السن، ويعاملونهم أحياناً بطريقة مهينة.
ويمثل تعطّل النظام في مكاتب البريد أزمة كبيرة، ويزيد من الازدحام، عدا عن خشية الناس تأخّر أو عدم صرف معاشاتهم. وتشهد فروع المصارف المختلفة في المحافظات، وماكينات الصراف الآلي الموجودة في الشوارع، ازدحاماً شديداً في ظل إقبال الأهالي على صرف معاشاتهم قبل إجازة العيد، وهناك مطالب بتزويد ماكينات الصراف الآلي بالنقود لتلبية احتياجات العملاء.
ويعزو أحد موظفي الهيئة الازدحام إلى "قلة عدد الموظفين في كل مكاتب البريد، إذ يتولى موظف صرف المعاشات، والآخر صرف الحوالات البريدية، والثالث تخليص حسابات البريد، والرابع خدمات الطرود إضافة إلى مدير المكتب". ويشير إلى أن "مساحة المكاتب الموجودة في المحافظات صغيرة جداً، وما من شبابيك للتهوية، ما يؤدي إلى تكرر حالات الإغماء بين كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة. وتؤدي تلك الضغوط إلى وقوع شجارات بين المواطنين أنفسهم من جهة، وبين المواطنين والموظفين من جهة أخرى، والجميع مغلوب على أمره"، مضيفاً أنّ "النظام يتعطل دائماً ويؤدي إلى مزيد من الخلافات، خصوصاً أن كل مواطن كبير في السن ربما يكون معه شخص أو أكثر لرعايته".
يضيف الموظف الذي فضّل عدم الكشف عن هويته، أن "الازدحام في مكاتب البريد ليس وليد اليوم، ولا علاقة له باقتراب حلول العيد"، موضحاً أن المشكلة يومية بسبب صرف الرواتب الحكومية ومعاشات الأرامل، بالإضافة إلى صرف رواتب مشروع "تكافل" في 5 و10 و20 من كل شهر، عدا عن الخدمات الأخرى التي تقدمها مكاتب البريد، كاستخراج بيان نجاح أو حوالات أو طوابع بريدية. بالتالي، أصبح التزاحم والتدافع والاشتباكات أمراً معتاداً في مكاتب البريد، ما زاد من الضغوط على مكاتب البريد.
وبسبب الازدحام اليومي أمام مكاتب البريد، يحجز الأهالي أدوارهم في وقت مبكر من اليوم، وأحياناً بعد صلاة الفجر مباشرة، حتى ينتهوا من صرف مستحقاتهم المادية عقب فتح المكتب أبوابه الساعة التاسعة صباحاً، وقبل انتهاء ساعات العمل اليومية. ويتسبب هذا في شجارات. من جهة أخرى، البعض يسجل الأسماء في ورقة، ويتم مناداة من حضر أولاً ثم الذي يليه، ويتم الانتظار في الخارج أو الجلوس على الأرصفة المحيطة في المكتب، الذي ربما يكون مليئاً بالقمامة.
"العربي الجديد" توجهت إلى أحد مكاتب البريد في القاهرة لترصد مدى العذاب الذي يعانيه كبار السن لصرف مستحقاتهم. وبمجرد فتح الباب في الميعاد المحدد، يجد المتعاملون مع مكتب البريد أنفسهم محشورين في مساحة لا يتجاوز عرضها أربعة أمتار، وشباك زجاجي يجلس خلفه عدد من الموظفين، عدا عن عدم وجود فتحات للتهوئة باستثناء مراوح صغيرة خلف الموظفين. أحد المسنين الذي بدا عليه التعب والإرهاق، ويدعى كامل إبراهيم (70 عاماً)، يقول: "يعذبونني قبل أن أحصل على معاشي الشهري"، مشيراً إلى أنه يشتري أدوية لعلاج الضغط والسكري على الرغم من أن معاشه لا يتجاوز 1900 جنيه مصري (نحو 114 دولاراً أميركياً). يضيف أن "أزمة الازدحام على مكاتب البريد يومية وليست بسبب العيد، بل نسمع ألفاظاً وكلمات قاسية من قبل الموظفين بحق الناس".
مواطن آخر ويدعى عاطف حباشي (65 عاماً)، أقسم اليمين بأن يحضر إلى المكتب بعد صلاة الفجر، وهناك من يفترش الأرض والشوارع، موضحاً أن يوم صرف المعاشات يعد "يوماً أسود" بسبب الازحام الشديد وعدم احترام المسنين، واصفاً الوضع داخل مكاتب البريد بـ "المقبرة" بسبب ضيق المكان وعدم التهوئة، ما يؤدي إلى سقوط البعض على الأرض بسبب ارتفاع حرارة الجو التي من الممكن أن تؤدي إلى تناقل الأمراض. كما أن تعطل النظام يشكل أزمة كبيرة لنا.
ويقول أحمد عبد الراضي (68 عاماً) إنه يأتي إلى المكتب قبل أن يفتح أبوابه بساعات لصرف المعاش، مبيناً أن التعامل بالفيزا في بعض هيئات الشؤون الاجتماعية صعب، كما أن الماكينة تسحب البطاقات أحياناً، "ما يضطرني إلى الانتظار أمام مكتب البريد". يضيف: "أقف في الطابور كي أفرح أولادي وأحفادي في العيد من خلال شراء بعض الهدايا"، مطالباً الحكومة بأن تراعي أصحاب المعاشات. "بعدما خدمت الدولة 35 عاماً، تكون النهاية إهانتي بتلك الطريقة". وتلفت مسنة تُدعى أم أحمد إلى أن الازدحام في البريد موجود، لكن زاد بصورة كبيرة خلال الفترة الأخيرة بسبب قلة مكاتب البريد وقلة الموظفين، وزيادة عدد المواطنين الذين يقبلون على مكاتب البريد لأي سبب من الأسباب، سواء لصرف المعاشات أو الحوالة أو ما شابه. وتقول نفيسة محمود: "معاناتنا مستمرة. في عز الحر نتكدس بالمئات في صالة المكتب، أو في الشارع بسبب امتلاء الصالة بالناس، وتحدث شجارات ومشادات كلامية للوصول إلى الشباك، في وقت يرغب موظفو الهيئة القومية للبريد بتحقيق أرباح مادية ومكافآت طوال العام".