عند شاطئ البحر في منطقة السودانية، شمال قطاع غزة، تقيم أسرة اللحام منذ ثلاثة أعوام في خيمة صغيرة بالقرب من كشك أبو أحمد، الذي يعمل رب الأسرة مع زوجته فيه لكسب رزقهما، بعدما قطع راتبه المدرج في بند رواتب الأسرى المحررين.
أبو أحمد، أو هاني اللحام (57 عاماً) هو أسير محرر بعد اتفاقية أوسلو بين الفلسطينيين وبين الاحتلال الإسرائيلي عام 1993، وأفرج عنه في بداية عام 1994، لكنّه اليوم وجد نفسه مهمشاً، بعدما قطعت السلطة الفلسطينية الراتب عنه، وطرد من منزله المستأجر في منتصف عام 2015، بعدما تراكمت مبالغ أشهر الإيجار عليه من دون سداد.
اللحام يعيش مع أطفاله الثلاثة، وهم ملك (8 سنوات) وأحمد (7 سنوات) وصالح (4 سنوات)، وكان يقيم في الضفة الغربية منذ عام 1996 حتى 2012، وعمل في مجال البناء، وكان عضواً في حركة فتح، ومن ضمن جنود قوات التحرير مع منظمة التحرير الفلسطينية منذ عام 1977 حتى عام 1980، لكن بعد العدوان الأخير على غزة عام 2014 صدم بقطع راتبه من السلطة الفلسطينية.
سجن اللحام في السجون الإسرائيلية أربع مرات بمجموع 10 أعوام ونصف العام، لكنّ وزارة الأسرى والمحررين الفلسطينية احتسبت له السجن 5 سنوات فقط. وبعدما قطعوا راتبه، طلبوا منه تجديد بياناته في ظل وجود خلل في معلوماته الخاصة، على الرغم من إحضاره أوراقاً ثبوتية لسجنه في فترة الثمانينيات (تحتسب التعويضات بحسب فترة السجن).
يقول اللحام لـ"العربي الجديد": "لا أعلم تحت أي مبرر قطع راتبي بعد العدوان الأخير على غزة مباشرة، توجهت للوزارة لتجديد بياناتي، لكن لم يحصل شيء مما وعدوا به، وأنا اليوم للعام الثالث في الشارع، هل هذا نتيجة النضال الذي قدمته لوطني وحركة فتح؟".
أحضر اللحام أوراقاً رسمية من محكمة الصلح الفلسطينية تثبت أنّه أسير محرر، وخرج إثر اتفاقية أوسلو، لكنّهم أخبروه بأنّه في حاجة إلى تقرير طبي يعزّز طلبه عودة راتبه، علماً أنّه يعاني من انزلاق في العمود الفقري، وكثيراً ما تتضاعف آلامه خصوصاً في فصل الشتاء ومع شدة الحركة، لكنّ ذلك لم يشفع له، فعرض عليه أحد الموظفين في الوزارة دفع مبلغ رشوة بقيمة 500 شيكل (137 دولاراً أميركياً) كي يحصل على تقرير طبي مزور، لكنّه لا يملك المبلغ.
توجه اللحام مراراً إلى وزارة شؤون الأسرى والمحررين، وناشد وزيرها عيسى قراقع أكثر من مرة، لكن لم يتلقَ أيّ رد، وأجرى عشرات المناشدات عبر البرامج المحلية للإذاعات المحلية، وفي كلّ مرة يتلقى وعداً بالنظر في ملفه، لكن لا جديد.
أنشأ وزوجته كشكاً صغيراً يبيع فيه المشروبات الساخنة، ويقول: "جمعت أموالاً قليلة لخيمة نسكن فيها وكشك خشبي وبعض الأباريق وغيرها من التجهيزات. هكذا نكسب رزقنا، فلا نمدّ يدنا لأحد يذلنا. وبما أنني أقيم على الشاطئ تعلمت الصيد وبتّ أعود بالأسماك إلى البيت لنشويها ونعيش بعضاً من السعادة مع أطفالي".
تعرض اللحام لمضايقات من شرطة بلدية جباليا قبل أشهر، وتسلّم إخطارات عدّة منها لإخلاء المنطقة، لكنّه لم يتمكن من التنفيذ، كما دمروا الكشك الذي أنشأه، لكنّه عاد وأنشأ غيره قبل شهرين، فقد أصبح معروفاً بالنسبة إلى زبائنه الشبان، ممن يأتون إليه يومياً.
لا يتحصل اللحام على أيّ معونات من وكالة أونروا، أو من الجمعيات الخيرية. وبعدما وصلت مناشداته عبر الإذاعات المحلية، تحدث إليه مفيد الحساينة، وزير الأشغال العامة والإسكان، ووعده بالمجيء إليه قبل شهرين للنظر في إمكانية أن تقدم إليه الوزارة شقة سكنية، وهي التي تشرف على مشاريع توزيع شقق ممولة من جهات خارجية للأسر الفقيرة والحالات الاجتماعية الصعبة، لكنّه لم يفِ بوعده.
يقول اللحام: "أنا ابن الوطن، ولست ابن وزارة أو قيادة، هناك ناس يُمنحون شققاً، مع أنّهم في الأساس يملكون منازل ولهم مصدر عيش. نحن في الشارع وفي حاجة حقيقية. كيف لي أن أحدّث أولادي عن رحلة نضال والدهم لأجل الوطن وعندما يكبرون لن ينسوا أنّهم يقيمون في الشارع بسبب القيادة الفلسطينية؟".
تذكر زوجة اللحام نورا (32 عاماً) أنّه خلال افتتاح فرع شارع بالقرب من مسكنهم المؤقت قبل شهر توجهت طفلتها ملك إلى وزير الأشغال العامة والإسكان بشكل عفوي، لتطلب منه أن يأتي ليشاهد كيف يقيمون في خيمة، لكنّ حراسه أبعدوها. تقول نورا لـ"العربي الجديد": "بعدما طردنا من منزل الإيجار، وسكنّا على الشاطئ أتت الجمعيات إلينا لكنّها أذلتنا، إذ كانت فقط تريد تصويرنا. أحدهم طلب تصويري وهو يعطيني مبلغاً من المال ثم يستعيده بعد التصوير".