أسوار النسيان: آثار جدران الإسكندرية القديمة تُعاني الإهمال

03 سبتمبر 2014
الأسوار المُهمَلَة والمهجورة (العربي الجديد)
+ الخط -
باتت أسوار الإسكندرية تعاني الإهمال، وتجاهل المسؤولين، مثل أماكن وآثار كثيرة تحكي تاريخ المدينة العريقة وأسرارها. وهو خطر بالغ. يرجع تاريخ هذه الأسوار إلى العصر الروماني، حين بُنِيَت في عام 332 قبل الميلاد، للدفاع عن المدينة وحمايتها وحراستها من الاعتداءات الخارجية، قبل أن تتعرّض للهدم في عام 641 بعد الميلاد.

وتتناثر بقايا الأثر التاريخي في أماكن مختلفة من المدينة، إلا أنّها تتركّز بشكل واضح في وسط الإسكندرية. وكان ارتفاعها 20 قدمًا، ولها أربعة أبواب هي البحر، ورشيد، والشدرة، والقرافة، بقي منها الجزء الشرقي فقط. وما بقي إلى أيّامنا هذه من أحجار تمّ تفكيكها وتركيبها في حدائق الشلالات ومحيطها، وهي حديقة كبيرة فرنسية التصميم تقع في الحيّ اللاتيني، أرقى أحياء المحافظة، على مساحة 8 فدادين، مختلفة المدرّجات والارتفاعات، وتضمّ بحيرات وشلالات مائية صناعية، إضافة إلى جزء منها نجده في إستاد الإسكندرية.

وتحيط الأسوار بصهريج الشلالات الذي يحتفظ برونقه رغم مرور الزمن، والذي كان يُستخدَم قديما في تغذية المدينة بالمياه العذبة، بتخزين المياه تحت الأرض لسقاية المواطنين. ويستفيد الفنانون الشباب وأفراد الروابط الأدبية من شكل الأسوار وموقعها وما تمثّله من قيمة تاريخية، ليعقدوا لقاءات أدبية ومسرحيات شعرية وتاريخية في جوارها، وخصوصًا أنّ حديقة الشلالات تقع في وسط المدينة، بلا أسوار أو رسوم دخول، ويمرّ عليها آلاف المواطنين يوميًا.

عضو "رابطة المفكّرين والمبدعين والمثقّفين بالاسكندرية" محمود عزّت شكا من "ضعف تأمين آثار الإسكندرية بصفة عامّة، والمناخ الساحلي الرطب في المدينة هو أخطر ما يواجه الأسوار القديمة، إذ يتخوّف المتخصّصون والخبراء من تعرّضها لعوامل تعرية". ودعا إلى الاستفادة من الأسوار أثريًا، والاهتمام والاعتناء بها لحمايتها حفاظًا على حقوق الأجيال المقبلة في رؤيتها والاعتزاز بحضارة أجدادهم وتراثهم، الذي أبهر العالم. وتعجّب كيف أنّ "آلاف المواطنين يمرّون يوميًا قرب الأسوار دون أن يعرفوا شيئًا عن هذا الأثر التاريخي". واعتبر الخبير الأثري، عضو اللجنة الدائمة للآثار المصرية، أحمد عبد الفتاح، أنّه "من المُستَبعَد تعرّض أسوار الإسكندرية القديمة لأيّ اعتداءات أو محاولات سرقة، لأنّ أحجارها جيرية محلية وموجودة في محاجر جبال المكس غرب المدينة، وعدم وجود أيّ رسومات أو حفر أو نقوشات أو زخارف أو نحت عليها يقلّل من مطامع اللصوص فيها".

وطالب عبد الفتّاح بالاستفادة منها "عبر توجيه أفواج السياح نحوها بوضعها على لائحة معالم الإسكندرية السياحية والأثرية، مع المتاحف والمواقع الأخرى". واستفاض في الحديث عن أهمّيتها لأنّها "تُعبّر عن حقبة زمنية اتّسمت بتشييد الأسوار والأبراج لحماية المدن من المطامع الاستعمارية، وتشهد على أحداث تاريخية هامة". أما الباحث في تاريخ مصر القديمة، الدكتور محمد عبد التوّاب، فقال إنّ "هذه الأسوار تعاني من أشدّ أنواع الإهمال، ما قد يؤدّي إلى تدميرها وخسارة إحدى أهمّ خصائص المدينة، على خلاف المتاحف والمسلات وغيرها، التي تُعدُّ عوامل مشتركة بين الكثير من المحافظات المصرية".

وأضاف عبد التوّاب إنّ "الأسوار التاريخية لا توجد سوى في عدد قليل جدًا من المدن القديمة، الأمر الذي يؤكّد أهمية تدخّل اليونسكو وغيرها من المنظمات الدولية الكبرى، المهتمّة بالآثار والتراث الإنساني، لحمايتها، إذ إنّها لم تعد ملكًا فقط للدول التي تحتضنها، بل للبشرية كلّها. وطالب الجهات المعنية، في المحافظة، بالاهتمام بهذه الأسوار وتخصيص قوّة من الشرطة لتأمينها".
المساهمون