أسوأ أزمة سياسية ألمانية منذ عقود: مستقبل مجهول لميركل

21 نوفمبر 2017
مستقبل ميركل على المحك (Getty)
+ الخط -
مرحلة من الغموض السياسي الكبير بدأت تطغى على المشهد في ألمانيا بعد انهيار محادثات تشكيل حكومة جديدة في وقت سابق من الأسبوع الجاري، وسط دعوات للقادة السياسيين إلى إبداء المزيد من المرونة لحل الأزمة الحكومية التي لم تشهدها البلاد منذ تأسيس الجمهورية الاتحادية في عام 1949، قبل الذهاب إلى أي احتمالات أخرى كإجراء انتخابات مبكرة، في ظلّ تخوّف أوروبي من أسوأ أزمة يمرّ بها الشريك الأقوى في الاتحاد الأوروبي.

وانهارت محادثات استمرت أربعة أسابيع بين حزب المحافظين برئاسة المستشارة أنغيلا ميركل وحزبين صغيرين يوم الأحد. ورفض الاشتراكيون الديمقراطيون، من يسار الوسط، وهم شركاء ميركل في الحكومة المغادرة، الانضمام إلى إدارتها الجديدة، ما يجعل إجراء انتخابات جديدة هو المخرج المرجح، على الرغم من أن هناك إمكانية أيضاً لتشكيل حكومة أقلية لا ترغب بها ميركل لأنها ستكون عرضة لهزات سياسية دائمة.

وتتجه الأنظار حالياً إلى الرئيس الألماني، فرانك - فالتر شتاينماير، ليبرز حنكته السياسية كما الدبلوماسية للعمل على تدوير الزوايا بين الأحزاب الألمانية المتصارعة ودفعها للجلوس على طاولة المفاوضات من جديد، وتفادي خيار الانتخابات المبكرة، وهو سيعقد لهذه الغاية سلسلة من اللقاءات مع رؤساء الأحزاب بهدف التوصل إلى حلّ.

ودعا شتاينماير القادة السياسيين إلى إعادة النظر في مواقفهم وتجنّب إجراء انتخابات مبكرة من شأنها إضعاف ألمانيا وأوروبا. وقال إن "سوء الفهم والقلق سيتعاظمان في بلادنا وكذلك في الخارج وخصوصاً في محيطنا الأوروبي إذا لم تتحل قوانا السياسية بالمسؤولية". ويتعيّن على شتاينماير أن يقرر ما إذا كان سيمهد الطريق لحكومة أقلية أو إجراء انتخابات جديدة، إذ لا يسمح دستور ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية للبرلمان بحل نفسه.

وتنتظر ميركل راهناً ما إذا كان شتاينماير، الاشتراكي الديمقراطي، سيتمكن من إقناع حزبه بأن يشاركها في الحكم، علماً بأنه كرّر، الإثنين، أنه يرفض "الائتلاف الكبير" الحالي مع المحافظين والذي يحكم البلاد منذ 2013 ويفضّل البقاء في المعارضة.

بدوره، قال رئيس البرلمان الألماني فولفغانغ شويبله لدى حثه القادة السياسيين على إبداء المزيد من المرونة من أجل التوصل إلى تسوية، أمس الثلاثاء، إن ألمانيا تواجه "اختباراً، وليس أزمة دولة". وأضاف شويبله، وهو أيضاً أقدم أعضاء البرلمان وشارك في عدد من الحكومات الائتلافية، "يمكن أن تكون آراؤنا مختلفة بشأن الكيفية التي ينبغي أن نحكم بها، لكن من الواضح أنه ينبغي علينا أن نحكم"، موضحاً أن "الأحزاب قد تقرر، بعد تفكير طويل، أنها لن تنضم إلى ائتلاف ما، لكن ينبغي تفسير ذلك بطريقة منطقية حتى لا ينشأ انطباع بأنهم يريدون التهرب من المسؤولية". وتابع شويبله، العضو في حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي برئاسة ميركل، أن "الديمقراطية تتطلب أغلبية، ورغبتنا في نظام مستقر تتطلب أغلبية مستدامة". من جانبه، دعا بيتر ألتماير، القائم بأعمال وزير المالية المقرب من ميركل، الأحزاب إلى عدم التهرب من مسؤوليتها، بل "جعل تشكيل حكومة على رأس أهدافها".

والقضايا الخلافية بين الأحزاب كثيرة، تبدأ من سياسة الهجرة إلى البيئة والأولويات الضريبية وأوروبا. وكانت صحيفة "بيلد" الواسعة الانتشار كتبت في وقت سابق أنّ "الإخفاق في الأفق"، في وقت تكهنت وسائل إعلام ألمانية بأن الأحزاب يمكن أن تطلب مزيداً من الوقت لاستعراض خياراتها.

وبالنسبة إلى ميركل التي ظلّت لسنوات تُهيمن على النقاشات داخل الاتحاد الأوروبي، فإنّ هذا الأسبوع كان الأكثر أهمية في حياتها السياسية، وكان مصيرها بحال فشلها في تأليف حكومة حديث مختلف الخبراء ووسائل الإعلام. وقالت صحيفة بيلد "اليوم لا يتعلّق فقط بالائتلاف، لكنّه أيضاً يوم مصيري لأنغيلا ميركل. إذا فشلت في تشكيل ائتلاف، فإنّ منصبها كمستشارة في خطر". وقال فرانك ديكير الخبير السياسي في جامعة "بون" لقناة البرلمان الألماني التلفزيونية "فينيكس"، إنّ "من مصلحة ميركل ولادة حكومة، لأن أي فشل سيعني أيضاً انتهاءها" سياسياً.

وكان استطلاع للرأي نشرت صحيفة "دي فيلت" نتائجه الأحد أظهر أنّ 61.4 بالمائة من الألمان يعتقدون أن ميركل لا تستطيع أن تبقى في منصبها إذا أخفقت في مفاوضاتها لتشكيل ائتلاف حكومي.

وأعلنت ميركل الاثنين استعدادها لقيادة حزبها في انتخابات جديدة من أجل ولاية رابعة إذا استمرت الأزمة السياسية التي تشهدها بلادها. ورغم النتيجة الهزيلة التي حققها حزبها المحافظ في انتخابات أيلول/سبتمبر التشريعية بعد 12 عاماً في الحكم ثم إخفاق المفاوضات الهادفة إلى تشكيل ائتلاف حكومي، رفضت المستشارة فكرة الاستقالة. وأبدت عبر قناة "ايه آر دي" العامة "شكوكاً كبيرة" في الخيار الآخر المتاح لها، أي تشكيل حكومة أقلية برئاستها.

وتباينت نتائج استطلاعات الرأي في ألمانيا حول رغبة الألمان في الذهاب إلى انتخابات جديدة في حال فشلت المفاوضات بشكل نهائي. ففي حين أظهر استطلاع لـ"بيلد" أن 50 في المائة يعارضون إعادة إجراء انتخابات مقابل 47 في المائة يؤيدونها، أظهر استطلاع آخر أجرته هيئة الإذاعة الألمانية العامة "زد دي أف" تأييد 51 في المئة من الألمان الذهاب إلى انتخابات جديدة، فيما عارض 43 في المائة الأمر.

وهناك يقين لدى الكثير من الأطراف بأن إعادة الانتخابات قد تكبد الأحزاب الرئيسية المزيد من الخسائر بفعل الاختلاف في وجهات النظر داخل الحزب الواحد حول العديد من الملفات وطريقة التعاطي مع الأزمات بينها أزمة الحكومة الحالية، والحديث عن أن هناك من يطالب داخل الاشتراكي بالحد من الخسائر التي تتكبدها البلاد والعودة للمشاركة في الحكم، إضافة إلى الخوف من أن يستفيد البديل اليمين الشعبوي من الأزمة بعد أن بينت المفاوضات الطروحات التي تتبناها الأحزاب والتي يصفها البعض بغير المسؤولة وبعيدة كل البعد عن هموم المواطنين ومطالبتهم بالعدالة الاجتماعية. ولا يخفى أن حزبي الخضر والاشتراكي الديمقراطي، اللذين ارتأيا الخروج إلى صفوف المعارضة، سيكسبان البعض من النقاط، مقابل خسارة الاتحاد المسيحي بزعامة ميركل والاجتماعي المسيحي، الحزب الشقيق، بعد اهتزاز وضع زعيمه هورست زيهزفر والذي وصل لحد مطالبته بالتنحي لصالح وزير ماليته في ولاية بافاريا ماركوس سودر.

ويترقب شركاء برلين ما سيحصل لمعرفة من سيعمل معهم على مشاريع إنعاش الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو والتي تُناقش منذ أسابيع. وقال مسؤول في مكتب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن فرنسا "تريد ألمانيا قوية ومستقرة" لكي تدفع أوروبا قدماً، وإنها ستواصل العمل مع الحكومة الألمانية الحالية.

وخصصت الصحف الأوروبية، من جهتها، مساحة واسعة للحديث عن الأزمة السياسية في ألمانيا والخطوات المقبلة التي ستتخذ بعد فشل المحادثات. وحملت معظم صفحات الصحف البريطانية، صورة المستشارة الألمانية وهي تضع يدها على وجهها في إشارة إلى فشلها. وركزت معظم التحليلات على انعكاس الأزمة الألمانية على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وكيف يمكن أن يستغل ذلك لمصلحة لندن والتخفيف من فاتورة خروجها من الاتحاد.
(العربي الجديد، فرانس برس، أسوشييتد برس)

المساهمون