أسعار المحروقات تثقب جيوب السوريين

12 اغسطس 2015
البنزين والمازوت بعيدان عن قدرات السوريين الشرائية(لؤي بشار/فرانس برس)
+ الخط -
مع صدور القرار الأخير برفع سعر البنزين من 150 ليرة سورية إلى 160 ليرة، تبدو الحكومة السورية مصممة على اتباع سياسة الرفع التدريجي لأسعار المشتقات النفطية. وفي حين تقل الأسعار المحلية عن السعر العالمي، وذلك بسبب تدهور القيمة الشرائية للعملة السورية، لكنها تحلق بمسافة شاسعة عن دخول السوريين التي لا تزال ثابتة، كما تثير استياء القطاع الخاص الذي بات يخضع لابتزاز السوق السوداء بشكل متزايد.

شهدت البلاد بعد اندلاع الثورة السورية ارتفاعات متتالية في سعر مادة البنزين، بدأت في شهر آذار من عام 2012، حيث رفعت الحكومة السعر من 55 ليرة إلى 65 ليرة. ولم تكد تنتظر شهرين فقط بعد ذلك، حتى رأت ضرورة رفع السعر مجدداً إلى 80 ليرة. وبعد عام رفعت السعر إلى 100 ليرة وبررت ذلك حينها بأن السعر ما زال مدعوماً، وأنه يكلف الحكومة السورية 150 ليرة، وواصلت رفع السعر في عام 2013 ووصل إلى 140 ليرة، قبل أن يشهد المنتصف الثاني من عام 2014 تخفيضات طفيفة على السعر فيما اعتبر تجاوباً مع انخفاض أسعار النفط عالمياً، على الرغم من أن الانخفاض العالمي كان أكبر بكثير. وأخيراً، عادت الحكومة السورية إلى رفع السعر مع نهاية عام 2014 إلى 150 ليرة، وها هي تضعه، اليوم، على عتبة 160 ليرة.

اقرأ أيضا: سورية وأحجية النفط الإيراني

كذلك الحال مع المازوت الذي كان سعره يقتصر على 14 ليرة للتر مع اندلاع الثورة، وقد رفعته الحكومة السورية بصورة تدريجية، نحو سبع مرات ليصل إلى 80 ليرة في عام 2014، قبل أن ترفعه بشكل صادم إلى 150 ليرة مع نهاية ذلك العام.

يؤكد الصناعي السوري، مازن النجار، لـ "العربي الجديد" أن "الحكومة السورية تتبع سياسة الرفع التدريجي للمشتقات النفطية مع كل تدهور في قيمة العملة السورية، وهو ما حدث أخيراً. وفي حين تنعكس الارتفاعات المتتالية بصورة مباشرة على قطاع العائلات والقطاع الخاص، يقول النجار إن "الانعكاس يأتي مضاعفاً بسبب هيمنة السوق السوداء. فعندما رفعت الحكومة سعر المازوت من 80 ليرة إلى 150 ليرة قبل أشهر، كان الصناعيون يشترون اللتر بـ 150 ليرة، وهو ما أثار استياءهم بشكل كبير، حيث بات سعر الليتر بعد الارتفاع الأخير بين 200-250 ليرة".

من جهتها، تؤكد الباحثة الاقتصادية، سما مهنا، لـ "العربي الجديد" أن السبب الرئيسي وراء الرفع التدريجي لأسعار المحروقات هو "كبح الطلب الخاص سواء من قبل قطاع الأعمال أو قطاع الأسر على المازوت وإبقائه بالحدود الدنيا، بما يتيح المجال لتكديس مخزون يلبي الطلب على الحاجات الأكثر إلحاحاً". ومن بين تلك الحاجات تضع مهنا "تأمين المحروقات لقوات النظام التي تستهلك كميات هائلة منها".

اقرأ أيضا: سورية جنة الأسعار والخدمات العامة المجانية؟

وفضلاً عن قوات الجيش، يبدو، واضحاً، أن النظام السوري مضطر إلى تزويد المخابز والمشافي في المناطق التي يسيطر عليها، بالإضافة إلى بعض مؤسسات القطاع العام. يقول زكي الموظف في وزارة الاقتصاد السورية لـ "العربي الجديد": "العديد من مؤسسات القطاع العام أمضت الشتاء الماضي من دون تدفئة بسبب انقطاع مادة المازوت".

مع فقدان النظام السيطرة على معظم آبار النفط في منتصف عام 2012، تحولت سورية من دولة مصدرة للنفط، وإن بكميات ضئيلة، إلى دولة مستوردة بالكامل، وهو ما يجعل من "فاتورة استيراد المشتقات النفطية هائلة ويدفع النظام إلى تعويض ذلك برفع مستمر للأسعار"، تقول مهنا. وتضيف: "وخصوصاً أن استيراد المشتقات النفطية بات يستنزف القطع الأجنبي ما يدفع الحكومة إلى رفع الأسعار وتخفيف الطلب على المشتقات النفطية المستوردة".

وكانت تحليلات جديدة لحركة ناقلات النفط الإيرانية، أظهرت قيام إيران بتزويد النظام السوري بكل ما يحتاجه من النفط الخام، وذلك من طريق مرفأ بانياس. وأظهرت التحليلات إرسال إيران، حتى منتصف هذا العام، أكثر من 10 ملايين برميل نفط، ما يعني مبلغاً يقدر بنحو 600 مليون دولار خلال نصف عام فقط.

اقرأ أيضا: الخلل السوري المكشوف

وتبقى الأسر السورية المتضررة الأكبر من سياسة الرفع التدريجي لأسعار المحروقات، إذ تخلت الغالبية المطلقة منها عن استخدام المازوت للتدفئة.

تقول منى لـ "العربي الجديد"، وهي موظفة في القطاع الخاص: "لم يعد بإمكان عائلتنا شراء المازوت، وفي أحيان كثيرة الغاز أيضاً، في فترات طويلة من السنة. ولا يقتصر السبب على رفع الحكومة أسعارها دون أن تأخذ بالاعتبار دخولنا المنخفضة، وإنما بسبب عدم توافر تلك المواد في الأسواق النظامية وهيمنة تجار السوق السوداء الذين يبيعونها بأسعار مضاعفة".
المساهمون