يواصل أسطول الحرية شق طريقه، رغم كل المصاعب والعراقيل، نحو البحر الأبيض المتوسط، من خلال سفينة "العودة" وقارب "الحرية"، على امتداد شاطئي إسبانيا الغربي والبرتغال، وبرزت على الأسطول وبشكل متميز المشاركة الماليزية منذ الانطلاق جماعياً في كوبنهاغن قبل نحو 4 أسابيع.
المشاركة الماليزية تأتي من خلال سفر بعض المشاركين من كوالالمبور ومن الطلاب الجامعيين في الدول الأوروبية، وبحسب معلومات "العربي الجديد"، فهي لا تقتصر على مشاركة نشطاء فقط، إنما من القائمين على رحلة الأسطول "هي الأكبر من حيث الدعم المالي لكسر حصار غزة هذا العام".
لا يتحدث الماليزيون كثيرا عن الدعم المالي بقدر الحديث عن "واجب كل من يؤمن بالعدالة، وكل المسلمين بالوقوف مع قضية الشعب الفلسطيني، وخصوصا غزة المحاصرة منذ سنوات"، كما يقول لـ"العربي الجديد"، مسؤول لجنة المقاطعة، أو "بي دي اس"، في ماليزيا، البرفسور في جامعة كوالالمبور محمد نظاري إسماعيل، الذي سافر من بلده خصيصا ليلتحق بالأسطول.
نظاري إسماعيل لا يرى أن هذا الواجب في دعم القضية الفلسطينية "مسؤولية يمكن رميها على الآخرين والتفرج على ما يجري للإخوة الفلسطينيين، فنحن جميعا معنيون بهذه القضية، رغم كل المصاعب التي نواجهها في شبه تخل مؤسف من بعض العرب عن قضيتهم المركزية".
وعن هذه المشاركة المنظمة، يتحدث لـ"العربي الجديد" قمر الزمان، المسؤول في منظمة "هيومنتريان كيير ماليزيا"، المعروفة اختصارا "ماي كيير"، المنظمة الإنسانية الماليزية -الدولية، والقادم أيضا من كوالالمبور للمشاركة في الأسطول، يقول إنها "ليست مشاركة جديدة، فمنذ 2010 شارك أعضاء من منظمتنا واثنان من إدارتها على متن سفينة مرمرة. وفي العام 2016 شاركنا في قارب النساء إلى غزة، وفي 2017 أصبحت منظمتنا، ماي كيير، عضوا أساسيا في تحالف أسطول الحرية بشكل رسمي".
هذه العضوية في التحالف، الذي يتدارس ويتوزع مهام الأسطول، منحت على ما يبدو المنظمة الماليزية هذا الدور البارز في تقرير انطلاق الأسطول للعام الحالي 2018، وهو الأمر الذي يؤكده لـ"العربي الجديد"، رئيس اللجنة الدولية لكسر حصار غزة، زاهر بيراوي.
ولقمر الزمان تجربته أيضا مع القضية الفلسطينية، من خلال مشاركات في مؤتمرات وفعاليات في بيروت، وتنسيق أعمال إغاثية في قطاع غزة في مناسبات عديدة.
ويصمم الماليزيون، بحسب ما يذكر قمر الزمان لـ"العربي الجديد"، على "أن يكون على متن أسطول الحرية تواجد ماليزي مميز في الشوط الأخير من الإبحار نحو غزة (في الربع الأول من شهر يوليو/تموز القادم، وفقا للمنظمين ربما يجري بعض التأخير لأسباب عديدة)، كرسالة واضحة للعالم وللفلسطينيين بأننا لن نترك الشعب الفلسطيني وحده".
منظمة "ماي كيير" لا تشارك فقط في عمل رمزي في أسطول الحرية، بل لديها أعمال على الأرض في قطاع غزة، وموظفون فلسطينيون ميدانيون هناك، وتلقى أعمال هذه المنظمة دعم الفلسطينيين.
أعمال مكملة لبعضها
من جهته، يتحدث نظاري إسماعيل حول المساهمة الماليزية في أسطول الحرية من زاوية أخرى ويقول "واجبنا جميعا في أن نكون إلى جانب قضية فلسطين العادلة، ونحن ننشط في مجال البي دي اس أيضا لسحب الاستثمارات ومقاطعة دولة الابرتهايد إسرائيل محليا وعالميا، لإيماننا بأنه بمثل هذه الأعمال ستتم محاصرة دولة الاحتلال وجعل العالم يفهم طبيعة هذه الدولة الصهيونية على حقيقتها ما يوجب عليه مقاطعة حقيقية لها كما فعل مع دولة الابرتهايد في جنوب أفريقيا سابقا".
وسبق أن شارك إسماعيل في مؤتمر "استراتيجيات المقاطعة"، الذي أقامه المركز العربي في تونس 2016.
مشاركته في هذا النشاط الهادف لكسر الحصار عن قطاع غزة يضعها في سياق "الدور الذي تلعبه الدول والمنظمات والشخصيات النافذة في معاملة دولة الاحتلال كأنها دولة عادية، رغم كل ما يصدر عنها بحق الشعب الفلسطيني، ولذا نرى أهمية كبيرة في عملنا كأناس عاديين برفع صوتنا ومقاطعة هذه الدولة. من المؤسف أن ترى في دول عربية أن المقاطعة لا تعنيهم كثيرا، بالسماح مثلا لمؤسسات أمنية مثل جي فور اس G4S، وهو ما فاجأني بينما نحن نعرف أن هذه المجموعة الأمنية العالمية تمارس دورها في سجون الاحتلال ومستوطناته، فكيف لا يقوم العرب بمقاطعتها؟".
لدى نظاري إسماعيل الأكاديمي "عتب" على المسلمين والعرب "مؤسف أن تتساءل حول اهتمام وسائل إعلام المسلمين بزواج ملكي في بريطانيا أكثر من اهتمامها بالقتل على حدود غزة في مسيرات العودة، مثلما ينشغلون بكرة القدم أكثر من القصف اليومي على الشعب الفلسطيني، فكيف يغيب العمل الإعلامي بهذا الشكل عن قضية تشغل كل المسلمين؟... لا نحتاج للدخول في حرب حتى، كل ما علينا فعله هو المقاطعة، وإرسال رسالة واضحة للأميركيين بأننا لن نقبل غياب العدالة عن فلسطين، وهو أمر بمقدور العرب القيام به بدل الانشغال بخلافات بينية، وليستفيدوا من تجربة تفكيك النظام العنصري في جنوب أفريقيا".
ورغم أن نظاري إسماعيل ترك أسرته وأجل عمله الجامعي، إلا أنه يصر على القول "لاقى قراري بالمشاركة تفهما وترحيبا من محيطي وأسرتي. القضية هنا ترتبط بتحمل المسؤولية، وليس بتمريرها إلى بعضنا. لو قام كل مسلم بدوره، وخصوصا مسلمي أوروبا، وبجدية وتوحد، لكان تأثيرهم قويا في مجال إسناد ودعم القضية الفلسطينية. نحن نحتاج لأن يكون صوتنا مسموعا. وشاهد كيف أن الناس من مختلف دول العالم يشاركون في هذا الأسطول. ولو أدركت الحكومات العربية والنخب مدى أهمية هذا الفعل لدعمته، لكن للأسف البعض يشارك في حصار الشعب الفلسطيني، ما يعد خدمة لدولة الاحتلال، وليس لمساعدة الفلسطينيين كما يدعون في الإعلام".